كتب عماد رزق – رئيس الاستشارية للدراسات
جزء اول / يشكل عام 2018 الذكرى الاربعين لاستراتيجية الصين الانفتاح على العالم والتي بدأت مع التحولات عام 1978 والدخول في النظام الاقتصادي العالمي وتزعزعة مع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة بعد احداث ” تيان ان مان”، ليكللها الرئيس الاميركي دونالد ترامب رجل الاعمال والخبير في الصفقات العقارية. حيث اعلن الحرب التجارية على الصين في 15 حزيران وهو القائل قبل انتخابه بضرورة وقف صعود وتمدد الصين، رغم ان عهد الرئيس اوباما كان فترة التحضير للقرار اليوم، عبر التهديدات من بحر الصين، الى المفاوضات في ملف كوريا وملفات دولية اخرى.
لقد شكل اعلان الحرب التجارية على الصين وبشكل مباشر من قبل الولايات المتحدة تحولاً في العلاقات الدولية، لقد استخدم الغرب استراتيجية العقوبات والحصار المالي والاقتصادي على دول عديدة. واذا كان عام 2016 عام العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي والعديد من الشخصيات والمؤسسات المرتبطة بقطاع الطاقة والتكنولوجيا، فإن عام 2018 هو عام التحولات في العلاقة بين الولايات المتحدة والدول الاسيوية وامتداداتها الاوروبية.
فهل تكون القارة الافريقية هي سبب الحرب على آسيا، وهل مشروع الاوراسيا ومبادرة ” الحزام والطريق” التي اطلقها الرئيس الصيني عام 2013 من كازاخستان هي السبب؟ وما هي اسباب اللاعودة الاميركية؟ وهل خطوة الرئيس ترامب جزء من استراتيجية اوسع بدأ تنفيذها قبل الوصول الى لحظة الاستصدام عام 2025؟
هذه الخطوات التصعدية ربما دفعت الجانب الصيني للرد بالمثل كخطوة اولى، ورغم ان المجتمع الصناعي الغربي منذ العام 1970 استفاد واستثمر وشكلت الاسواق الصينية واليد العاملة ومشاريع التنمية خلفية لظهوره، غير ان رؤية الولايات المتحدة اختلفت عن الرؤية الصينية لبلوغ التنمية والدخول في المجتمع الدولي.
لقد شكلت زيارات القادة الصينيين للغرب لحظة وعي وقرار بضرورة انهاء الفجوة الكبيرة بين المجتمعات في الغرب والمجتمع الصيني، لكن الاصلاح والانفتاح والارادة والانضباط التي شكلتها قيادة الحزب الشيوعي في الصين، خلال الفترة الممتدة من العام 1978 وحتى العام 2018 شكلت الصدمة الكبرى للولايات المتحدة بضرورة التدخل لوقف الصعود والمنافسة.
فالحرب التجارية التي اعلنتها الولايات المتحدة في بداية شهر حزيران 2018 تؤكد ان جمهورية الصين الشعبية اصبحت بالفعل في المركز الثاني اقتصادياً، والازمات المالية والفشل السياسي للولايات المتحدة في ادارة الازمات حول العالم والتي بدأت مع استراتيجية الحرب على الارهاب وتبرير الدخول الى افغانستان والعراق، الى تشجيع الشعوب على الديمقراطية والحريات غير المنضبطة والمنبثقة من الواقع المحلي لكل دولة والتي عرفت بالثورات الملونة واستكملت بالمرحلة الثانية تحت مسمى “الربيع العربي” والتي جعلت من اليمن وليبيا وسوريا دولاً متفجرة شكلت الحاضن لظهور الشكل الجديد من التنظيمات الارهابية العالمية “داعش” لتبرر قيام التحالف الدولي لمكافحة التنظيم وتدخل سوريا وتدعم وجودها في العراق بما يؤكد ان فرص تقدم مبادرة الصين ” الحزام والطريق ” تخضع للشروط الاميركية. والسؤال هل تكون روسيا والصين الاهداف القادمة، بعد تجربة ” الافغان العرب ” واستراتيجية تمدد بقعة الزيت للجوار؟
لقد شكل الارهاب الخطوة الاولى في الحرب على صعود قارة آسيا ، وكانت السيطرة عبر الارهابيين على طرق التجارة الدولية، وبوصف دقيق كانت اعلان الحرب على الصادرات الصينية الى اوروبا وافريقيا ودول غرب آسيا، فالقراصنة في الصومال وتهديد الملاحة البحرية في منطقة باب المندب وتفكيك السودان والحرب في اليمن والتهديد بزعزة استقرار باكستان والاشارات التي ارسلتها الولايات المتحدة في ميامار والفلبين مجرد رسائل للتأثير على صعود منطقة غرب الصين.
هذه الخطوات منذ العام 2007 تراقبها الصين بشكل دقيق ومحترف، لقد استطاع القادة في الحزب الشيوعي الصيني في التعامل مع التهديدات، من جهة اعتمدوا استراتيجية الحوار البناء والمستمر وفي اليد الاخرى وضعوا خطوات المواجهة وفق خطط خماسية تمتد من بناء المجتمع الصيني الى التعاون الاقليمي ومحاولة تخفيف التوترات الحدودية وبخاصة ان جمهورية الصين الشعبية لها حدود مع 14 دولة، وقد ترك الجانب البريطاني الازمات فيها معلقة بعد مغادرتها.
هذه الخطوات الاميركية رد عليها احد القادة في الحزب الشيوعي الصيني وهو يعتبر من المؤثرين في صناعة القرار ورسم سياسة الحزب والدولة. لان الحزب الشيوعي الصيني هو الحزب الحاكم الاكبر في العالم بحيث يشكل اعضاؤه اكثر من 90 مليون منتسب، هم عصب الجيش الصيني وعصب الادارات المحلية وقادة المؤسسات الرئيسية، فيقول في جلسة خاصة ” ان الولايات المتحدة كانت تريد من الصين مجرد امتداد تجاري واستثماري فقط لها ولمجتمعها الاستهلاكي وطالما الصين لا تؤثر على النظام العالمي الذي تترأسه الولايات المتحدة فإن الصين صديق مطيع، اما ان يكون للصين نظام اجتماعي واقتصادي عصبه الاشتراكية ورؤيته صينية فإن ذلك يشكل منافسة وتهديد اذا استمر في تحقيق ذاته.” ويتابع القيادي والبروفسور في المدرسة الحزبية المسؤولة عن تحضير قيادات الحزب واحد المؤثرين في صناعة القرار الصيني يقول ” لقد قرر الرئيس شي جينبينغ فور وصوله الى رأس الهرم تحقيق التغيرات التي تتكيف والرؤية الصينية للتعامل مع المتغيرات الدولية، فالخطوة الاولى كانت داخلية، عبر مكافحة ظاهرة تفشي الفساد داخل الحزب وفي المؤسسات، اما خارجياً فأطلق مبادرة” الطريق والحزام” لبناء الثقة والتبادل الثقافي والتجاري مع العالم في آسيا واوروبا”.
لكن وبعد الخطوة الاميركية بالتصعيد فإن الصين تتعامل بالمثل مع الخطوة الاميركية فالرسوم استهدفت كتلة مالية من التبادلات هي بحدود 50 مليار دولار، وهذه كانت الخطوة الاولى ونحن اليوم نتجه الى الخطوة الثانية وهي بحدود 200 مليار من حزمة الضغوط التجارية وهي في طريقها للاقرار،” ويقول القيادي الصيني ” إن الخطوة الثالثة والمنتظرة في الاشهر القادمة هي حزمة اخيرة بحوالى 200 مليار دولار، واذا تم اقرارها فإن التجارة العالمية مهددة بالانهيار وربما ستكون لحظة مواجهة الحقيقة وبداية تطبيق رؤية النظام العالمي الجديد بمقوماته السياسية والامنية والاقتصادية واركانه منظمة شنغهاي للتعاون وهي تتناقض ومفهوم الحلف الاطلسي الذي تسيطر عليه عسكرياً الولايات المتحدة ومفهوم الاتحاد الاوروبي التضامني العابر لمفهوم الدولة ” ويعتبر القيادي الصيني ” ان العالم يتجه لبناء نظام تعاون وليس تضامن واندماج، نظام عالمي يحافظ على حريات الشعوب ويحقق التعدديات وفق اطر الفدرالية الوطنية المتماسكة وهو شكل يتناقض ورؤية الانفصال ونشوء امم ودول جديدة تشكل ارضية لحروب مستقبلية.”
خطة الصين للرد على الحرب التجارية الاميركية (الجزء الثاني)