– يسوع يضفي “ممّونا” المال.. صفة الألوهية المزيفة (الأب بيتر مدروس)
***
أعلن الرب يسوع : “لا تستطيعون أن تعبدوا الله والمال”. يعني الفعل اليوناني “ذوليوين”– الذي ينقل بأمانة فريدة من الأصل الأراميّ الجذر “عَبَدَ” – الخدمة والعبودية والعبادة بما أن العبد في العالم الوثني الساميّ القديم هو الذي كان يعمل ويخدم في عبوديته التي كانت بسهولة تتحوّل إلى عبادة سيّده. وأدرك النقل السرياني القديم المعروف بالـ”بشيطو” هذا المفهوم العبادي الاستعبادي إذ نقله بفعل “فلاح” .
ويبدو أن لفظة “الفلاح” في الدّعوة إلى الصّلاة تشير إلى العبادة أكثر منها إلى النجاح أو الفلاحة.
إمّا الله أو “ممّونا”! نطق السيّد له المجد لسان والدته العذراء الأم الاراميّة. ويظهر أنّ كلمة “ممّونا” إدغام للفظة “مطمونا” أي ما هو مطمون ، مخبّأ “تحت البلاطة” لئلا تهتدي إليه أيدي اللصوص!
ومن العلماء من يربط الكلمة “ممّونا” بالفعل “أمن” أي أمّن مستقبله وأمُن أي وثق بسبب ادّخاره للاموال ، حافظاً “قرشه الابيض ليومه الاسود”!
حوّل السيّد المسيح اسم الجنس “ممّونا” (عن ابن سيراخ 31 : 8) إلى اسم علم . ويبدو أن “ممّونا” المال هو الشيء الوحيد الذي يُطلق عليه الرب يسوع وسائر العهد الجديد ولا سيّما كتابات بولس الرسول (عن أفسس 5 : 5 ، قولسّي 3 : 5) صفة “الالوهية” ، المزيّفة طبعا!
شكا صاحب المزامير (114 ب (113 ب) : 4) أنّ “مِن ذهب وفضّة أصنام الامم” ! الوثنية هي عبادة الذهب والفضة والالماس. وفي صحراء الجفاء والشقاء ، قام هارون الكاهن شقيق كليم الله موسى المسكين – بمبادرة جمع الذهب من النسوة بحيث سكبوا عجلاً ذهبياً. ولخّصت تلك الحادثة المؤسفة موقف الذين يعبدون الذهب ويعبدّون غيرهم العجل.
ما فات الشاعر الوثني الروماني العظيم فرجيليوس – الذي أوشك أن يعاصر السيد المسيح مركز التاريخ – ما فات أمير شعراء روما أن ينتقد بحسرة “الجوع المقدّس (أي اللعين) للذهب”! أمّا علماء المشرق الذين قدموا إلى بيت لحم فقد ركعوا عند أقدام الطفل تجسد الاله والوالدة البتول والخطّيب المربّي العفيف وقدّموا من كنوزهم الذهب (عن متّى 2 : 1 وتابع). ضحّوا بالذهب وهم يحققون نبوّة صاحب المزامير المتوّج عن المسيح الملك (72 (71) : 15) :”سيحيا ويُعطى من بلاد العرب ذهبا” ، وإن كانت أحيانا تعطيه مُرّا وعذاباً. وإذا قال قائل أن المجوس كانوا منجّمين سحرة وأنّ الذهب كان من عناصر نشاطهم السّحري ، فها هم يضحّون بذهب السِحر وبسِحر الذهب ، في سبيل الملك الفقير الذي هنا الفقراء وحطّم الذهب والفضة أي أصنام الامم!
أمّا جابي الضرائب متّى لاوي فقد ترك مائدة الجباية وما عليها من نقود وتبع يسوع (عن متّى 9 : 9) وخالف الذين “دينهم دنانيرهم” ، وقام جابي ضرائب أريحا زكّا بتزكية أمواله ، في خطوة شجاعة وتخلّى عن مال الحرام حبّا بيسوع وإكراما لزيارته السيدية الميمونة (عن لوقا 19 : 2 وتابع) !
وما تردّدت الرسالة الاولى إلى تيموثاوس أن تشير إلى “حب المال” بأنّه بلا شكّ “جذر كل الشرور” وأصلها. ويلحظ المرء أن النص ما راق لمؤسسة أمريكية تعتمد على المال وتقول أنها تشهد لاله العهد القديم يهوه ، فنقلت النص الملهم بعبارة مخففة تنناسب مع مادّيتها واتّجارها بالبشر الغافلين (عن 2 بطرس 2 : 2 وتابع) :”انّ حب المال أصل لكل أنواع الاذيّة” ، بدل “كل الشرور” ، والفرق شاسع بين “كل الشرور” وكل ” أنواع” الأذية ، و “الاذيّة” (وهي مفردة) أي الضرر.
شهدت مؤخّرا بلدان من منطقتنا ثورات شعبية عارمة على الظلم والفساد والجشع التي جعلت بعض الزعماء يغتنون على حساب شعوبهم الكادحة المسحوقة ، وذلك بسبب الطمع وعبادة السلطة والعظمة.
وكما يحثّنا القديس اكليمنضوس (اقليموس) الحبر الاعظم الروماني في رسالته الثانية إلى القورنثيين (6 ، 1 وتابع) ، ندرك أنّ لا اتّفاق بين سعينا الحثيث المفرط إلى المال وإلى إرضاء الله. ولنا الخيار!
المصدر: البطريرك اللاتينية في القدس