إعداد حسان الحسن –
تشكل إنتخابات الدائرة الثالثة في الشمال التي تضم أقضية البترون، الكورة، زغرتا وبشري، معقلاً لأبرز القوى الفاعلة في الشارع المسيحي، والتي تتّخذ من المعركة الانتخابية المقبلة معبراً أساسياً للشروع في خوض غمار الاستحقاق الرئاسي المقبل، كونها حلبة منافسة يحاول فيها كلٌّ من الوزير جبران باسيل والنائب سليمان فرنجية ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، تثبيت زعامته وحضوره الشعبي لتعزيز أوراق قوته في معركة رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون.
وُصفت “بأم المعارك” و”معركة المرشحين الى الرئاسة الأولى”، كونها تمثّل ثقل الصوت المسيحي في لبنان الشمالي. إنها المعركة الانتخابية في الدائرة الثالثة في الشمال والتي تضمّ أقضية البترون، الكورة، زغرتا، وبشري، حيث يبلغ عدد الناخبين المسيحيين من مختلف المذاهب 222000 ناخب من أصل 246976، أي يمثّلون 89.887% من مجموع أصوات الناخبين، ويتوزّعون على الشكل الآتي: موارنة 168201 ما يعادل% 68.104، روم أرثوذكس 51030 ما يعادل 20.661%، أما باقي الناخبين المسيحيين من روم كاثوليك ومختلف فيبلغ عددهم 2769 ما يعادل 1.21 % من مجمل الأصوات.
ويبلغ عدد الناخبين المسلمين 24976 ناخباً يتوزّعون على الشكل الآتي: 22081 سني أي 8.941% 2300 شيعي أي 0.931%، و595 علوي أي 0.24% من الأصوات، ويشكلون 10.112% من مجمل عدد الناخبين في الدائرة المذكورة.
هؤلاء الناخبون سيختارون عشرة نواب موزّعين على الشكل الآتي: 7 للموارنة؛ 2 في بشري، 3 في زغرتا، 2 في البترون، و3 روم أرثوذكس في الكورة.
يشغل هذه المقاعد راهناً، عن بشري: ستريدا طوق جعجع (مارونية- قوات لبنانية) وإيلي كيروز (ماروني- قوات)، عن البترون: أنطوان زهرا (ماروني- قوات) وبطرس حرب (ماروني- مستقل). عن الكورة: فريد مكاري (أرثوذكس- مستقبل)، نقولا غصن (أرثوذكس- مستقبل)، وفادي كرم (أرثوذكس- قوات). عن زغرتا: سليمان فرنجية (ماروني- مردة)، اسطفان الدويهي (ماروني- مردة)، وسليم كرم (ماروني- حليف المرده).
أما توزيع الناخبين وفق الأقضية فهو كالآتي: زغرتا 77444 ناخباً أي 31.35% من مجموع ناخبي الدائرة، الكورة 60258 أي 24.4%، البترون 61128 أي 24.345%، وبشري 49148 أي 19.9%.
تتوقّع شركاء الإحصاءات أن يصل عدد المقترعين في هذه الدائرة، استناداً إلى انتخابات العام 2009 ومع توقّع زيادة في العدد، إلى نحو 140 ألف مقترع أي بنسبة 56% من الناخبين المسجلين.
أما الماكينات الانتخابية الحزبية، فبعضها يتوقع أن يصل عدد المقترعين في “الشمال الثالثة” الى نحو 120200 يتوزعون وفقاً للآتي: 85000 موارنة أي 70.71%، 20500 روم أرثوذكس أي %17.05، 13000 سني أي 10.8%، 1200 شيعي أي 1%، و500 علوي أي 0.42% من مجمل أصوات الناخبين المفترضين.
في ما يتعلق بالقوى الرئيسية الفاعلة في الدائرة، يكمن ثقلها الانتخابي على الشكل الآتي: القوات اللبنانية في بشري والكورة ثم في زغرتا والبترون، التيار الوطني الحر في البترون والكورة ثم في زغرتا وبشري، تيار المرده في زغرتا والكورة ثم في بشري والبترون، تيار المستقبل في الكورة ثم في البترون وزغرتا، الحزب السوري القومي الاجتماعي في الكورة وينتشر بقوة تحديداً في أميون ومنطقة القويطع، حزب الكتائب في البترون، رئيس حركة الاستقلال ميشال معوض في زغرتا، النائب بطرس حرب في البترون، النائب نقولا غصن في الكورة، النائب السابق جبران طوق في بشري، والحزب الشيوعي اللبناني في الكورة والبترون.
تشكّل هذه الدائرة معقلاً لأبرز القوى الفاعلة في الشارع المسيحي، والتي تتّخذ من المعركة الانتخابية المقبلة معبراً أساسياً للشروع في خوض غمار الاستحقاق الرئاسي المقبل، كونها حلبة منافسة يحاول فيها كلٌّ من الوزير جبران باسيل والنائب سليمان فرنجية ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، تثبيت زعامته وحضوره الشعبي لتعزيز أوراق قوته في معركة رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون.
كذلك تشكّل القوى اللاعبة ضمن الشارع الإسلامي في الدائرة عينها، روافد دعم لحلفائها المسيحيين، وأبرز هذه القوى تيار المستقبل لدى السنة، يليه الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الله وحركة أمل لدى الشيعة، أما العلويون فغالبيتهم منضوون تحت لواء فريق المقاومة، ولديهم ارتباطات اجتماعية وأواصر قربى مع عائلات مؤيدة للحكم في سورية، وعلاقات تاريخية معها، ما خلا قلة قليلة مستفيدة من بعض خدمات “المستقبل” وتربطها به مصلحة ما.
ويتجه الشارع الإسلامي السني بغالبيته، الى تأييد مرشح التيار الأزرق النائب نقولا غصن المتحالف مع التيار البرتقالي. وحتماً سيحظى غصن بكمية كبيرة من الأصوات في هذا الشارع، كونه مدعوماً من “المستقبل” “القوة الضاربة” لدى الناخبين السنة، وكذلك لما له من تأييد واسع في منطقته.
وفي السياق، هناك قوى أخرى لها حضورها لدى السنة، كالحزب القومي، والرئيس نجيب ميقاتي، والوزيرين السابقين فيصل كرامي واللواء أشرف ريفي.
بالنسبة للناخبين الشيعة والعلويين، لا شكّ أن حزب الله محرج تجاه حليفيه “الوطني الحر” و”المرده”، وهو لم يتخذ موقفاً علنياً في شأن توزيع أصواته في “الشمال الثالثة”، ولكن شارعه الى جانب مؤيدي أمل والعلويين يميلون الى تأييد لائحة فرنجية، لِما لزعيم المرده والوزير السابق فايز غصن من علاقة تاريخية معهم، إضافة الى أن لدى البعض “نقزة” تجاه مواقف باسيل الإيديولوجية خصوصاً في شأن وجود الكيان الإسرائيلي.
وسط هذه الصورة، يبرز السؤال: لماذا دخلت القوى الإسلامية الكبرى بقوة على خط المعركة الانتخابية في الدائرة المذكورة، على رغم أن مقاعدها العشرة محصورة بالمسيحيين؟، وهل هناك من أبعاد متعلقة بالاستحقاق الرئاسي؟
تؤشر توجهات الرئيس سعد الحريري الانتخابية، الى أنه يسعى لكي يكون اللاعب الرئيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبانضمام نقولا غصن الى لائحة تحالف “الوطني الحر”، يكون رئيس الحكومة قد أعطى دفعاً كبيراً للقائمة، وسيكون لهذه الخطوة انعكاس على المستوى السياسي العام، ودلالة واضحة أن الحريري يؤدي دور تأمين التوزان مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط اللذين يؤيدان وصول النائب فرنجية الى الرئاسة الأولى، وفي هذه الحالة يبقى حزب الله “بيضة القبان” في الاستحقاق الرئاسي.
وإذا كانت كفة الفوز وفق التوقعات لا تُرجح لطرف دون الآخر، إلاّ أن أبرز المرشحين باتوا محددين، وهم: جورج عطاالله (تيار وطني حر)، فايز غصن (مرده)، نقولا غصن (مستقبل)، فادي كرم (قوات)، سليم سعاده (قومي)، عبد الله الزاخم (مستقل مقرب من المرده)، يتنافسون على المقاعد الأرثوذكسية الثلاثة في الكورة.
طوني فرنجية (مرده)، اسطفان الدويهي (مرده)، سليم كرم (مقرب من المرده)، ميشال معوض (حركة الاستقلال)، بيار رفول (تيار وطني حر)، جواد بولس (مستقل)، ماريوس البعيني (قوات)، يتنافسون على المقاعد المارونية الثلاثة في زغرتا.
ستريدا طوق جعجع (قوات)، جوزيف اسحق (قوات)، وليم طوق (مستقبل مقرب من المرده)، سعيد طوق (مستقل مقرب من التيار) يتنافسون على المقعدين المارونيين في بشري.
جبران باسيل (تيار وطني حر)، بطرس حرب (مستقل)، فادي سعد (قوات)، سامر سعاده (كتائب)، يتنافسون على المقعدين المارونيين في البترون.
في خريطة التحالفات، تبلورت الصورة وظهرت القوائم الانتخابية على الشكل الآتي: لائحة تحالف المرده- القومي- حرب، ولائحة تحالف التيار الوطني الحر- معوض- المستقبل، ومع انضمام نقولا غصن الى التحالف الأخير، يُسجّل نجاح لباسيل في صوغ تحالف قوي يواجه الحرب الشرسة التي يتعرّض إليها خصوصاً في هذه الدائرة، ولائحة القوات- الكتائب، ولائحة للمجتمع المدني.
ويعتبر مرشحو المجتمع المدني أنهم جزء من تحالف وطني معارض ووحيد على امتداد الأراضي اللبنانية، وأن كل التيارات المتنافسة هي جزء من السلطة، بما فيها الكتائب الذي خرج من الحكومة أخيراً، بسبب خلاف على الحصص، والبند الذي يتعلق بسلاح المقاومة في البيان الوزاري.
لا ريب أن صورة التحالفات الانتخابية في دائرة الشمال الثالثة، هي ظرفية ولن تدوم إلى ما بعد الاستحقاق المرتقب، وبالتأكيد لا يعوّل عليها في السياسة، كونها تجمع الأضداد، وحتى لا يكمن التعويل عليها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فعلى سبيل المثال لا الحصر هل يمكن الاعتبار أن بطرس حرب خرج من السباق الرئاسي لمصلحة سليمان فرنجية؟. أضف إلى ذلك التناقض في الموقف السياسي من المقاومة بين معوض وباسيل، وفرنجية والقومي من جهة وحرب من جهة أخرى.
انعكاس انتخابات هذه الدائرة على الانتخابات الرئاسية:
يسعى كل من الأطراف المارونية الأربعة فرنجية، باسيل، جعجع، وحرب، إلى تثبيت زعامته في الانتخابات المرتقبة، وفي هذه الدائرة تحديداً، كونها مسقط رأس أبرز المرشحين والطامحين للوصول إلى قصر بعبدا، في مرحلة ما بعد انقضاء ولاية الرئيس عون. علماً أن المجلس النيابي المنتخب في العام 2018 لن ينتخب رئيساً للجمهورية، وقفاً للمهل الدستورية لنهاية صلاحيته.
اذاً ليس للانتخابات المقبلة تأثير مباشر على الاستحقاق الرئاسي. وحتى التحالفات الانتخابية الظرفية الناجمة عنها خصوصاً في “الشمال الثالثة”، قد لا تؤسس لاصطفافات سياسية متضامنة ومتكافلة في خوض هذا الاستحقاق، لأن الأفرقاء المتحالفين من اتّجاهات سياسية مختلفة بالكامل، إضافة الى طموح “حلفاء اليوم” بالوصول إلى بعبدا، كمثل فرنجية وحرب.
هذا الواقع يجعل من غير المنطقي أن ينتج عن انتخابات “الكل فيها ضد الكل” تغيّر في الاصطفافات السياسية الراهنة. وبعد إجرائها لن تصمد “الهدنة” بين الحلفاء المستجدين طويلاً، وسيعود كلٌّ منهم إلى حيث كان في تموضعه السابق، والى اعتماد خطابه السياسي المعتاد.
-دراسات مستقبلية-