– أُسنُديني بحبّك وصلاتك.. لأجل هذه الساعة أتيت… ومريم تَبكي بلا تأوُّهٍ
***
في عِليّة صهيون، قبل دخوله إلى العشاء الأخير، قصد الربّ يسوع الغرفة المجاورة لوداع أمه.. وهذا ما رأته القديسة ماريا فالتورتا:
في الحجرة التي أراها الآن، مريم العذراء مع النسوة الأُخريات. أتعرّف إلى المجدلية ومريم، أم يعقوب، يهوذا وسمعان. يبدو أنهن وصلن للتوّ، يقودهن يوحنا، لأنهن يخلعن أرديتهن، فيما يُحييّن الرسول الذي يمضي وامرأة ورجلاً هرعاً عند وصولهن.
العذراء مرتدية أزرق غامقاً جداً، وعلى رأسها حجاب أبيض .
وجهها شديد الذبول. تبدو شائخة. حزينة جداً، على رغم أنها تبتسم بلطف، وشاحبة جداً. حركاتها بالذات متعبة وغير دقيقة مثل حركاتِ شخصٍ مُستغرق في أفكاره.
أرى مالك العِليّة عبر الباب المشقوق يروح ويجيء في مدخل العليّة، ثم يذهب إلى باب الشارع ويفتحه، فيدخل يسوع مع رسله.
أرى أنه المساء، لأن ظلال الليل تهبط بين المنازل العالية. إنه مع كل رسله.
يُحيّي المالك بتحيته المعتادة:” السلام لهذا البيت”، ومن ثم يدخل الغرفة حيث مريم، بينما ينزل الرسل الى العليّة.
النسوة الورعات يُحيّين باحترامٍ شديد و يمضين مُقفلاتٍ الباب، ليتركن الأُم و الإبن حرَّين.
يسوع يُعانق أُمه ويُقبِّلها على جبينها. ومريم تُقبِّل أولاً يد ابنها وبعد ذلك خدّه الأيمن. ويُجلِس يسوع مريم، ويجلس إلى جانبها على طبليّةٍ مُجاوِرة.
“أُمي، أتيت لأتزوَّد بقوّةٍ وتعزيةٍ قربك. أُمي، أنا مثلَ طفلٍ صغير يحتاج إلى قلب أُمه، بسبب ألمه، وإلى صدر أُمه ليحظى بالقوّة. لقد عدّت، في هذه الساعة، يسوعك الصغير السابق.
لست المعلّم يا أمي، أنا إبنك فقط، كما في الناصرة حين كنت صغيرا ً.
ليس لي سواك.
فالبشر ليسوا، في هذه اللحظة، أصدقاء يسوعك المُخلِصين. ليسوا حتى شُجعاناً في الخير. ليس سواك مَن يُحسِن الصلاة في هذه الساعة. أُسنُديني بحبّك وصلاتك.. لأجل هذه الساعة أتيت، وأراها تصل بفرحٍ، على نحوٍ فائق الطبيعة. لكن أن تخافها أيضاً لأن لهذه الكأس إسم خيانة، تنكُّر، شراسة، تجديف، تخلٍّ.
أسنديني ،يا أمي.
أُمي، وداعاً. باركيني، يا أُمي، حتى بأسم الآب.
واغفِري للجميع.
لنغفِر معاً، لنغفِر منذ الآن لمن يُعذِّبوننا.”
مريم تَبكي بلا تأوُّهٍ، ووجهها مرفوعٌ قليلاً لصلاةٍ داخلِيَّةٍ إلى الله، تُمسِك بوجه ابنها في يَديها وتضمُّه إلى قلبها. تُقبّله مرّة بعد في دموعِها على جبينه، على خدَّيه، على عينيه، على شعره، تُهدهِده، هذا الرّأس المُتعب المسكين، كأنّه كان طفلاً، كما رأيتها تهدهد في المغارة وليْدها الإلهي.
لكنها لا تغني الآن. تقول فقط :” يا بُنَيّ! يا بُنَيّ! يا يسوع، يا يسوعي!”.
إنما بصوتٍ الى حدّ انه يُمزِّقني..
ثم ينهض يسوع. يسوّي رداءه، يبقى قبالة الأم التي لا تزال تبكي، ويباركها بدوره.
ثم يتوجه نحو الباب ويقول، قبل ان يخرج:” أمي، سآتي بعدُ قبل أن آكل فصحي. صلّي في الإنتظار.” ويخرج.
( الإنجيل كما كشف لي 9 )