أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


العدوان الأميركي على سورية والعودة الى زمن الحرب الباردة

حسان الحسن-
ليست هي المرة الأولى التي تكون فيها سورية خط صراع بين الشرق والغرب، كذلك ليست هي المرة الوحيدة التي تتعرض فيها الجغرافيا السياسية السورية لمأزقٍ كما هو واقع حالها راهناً، لاسيما في التطورات الأخيرة التي شهدتها الجارة الأقرب، بعد العدوان الأميركي على مطار الشعيرات في وسط البلد، إضافة الى المواكبة الإعلامية التضليلية التي سبقته وتلته، من خلال اتهام الجيش السوري باستخدام السلاح الكيماوي في منطقة خان شيخون في أدلب، والهادفة الى ضرب معنويات الشعب السوري وإرباكه، ورفع معنويات المسلحين المنهارة، جراء سلسلة الهزائم التي مني بها أخيرا، لاسيما في ريف حماه الشمالي، لذا ساد لدى بعض السوريين مخاوف من عودة الأميركي الى تبني مشروع تقسيم البلاد، بعد إسقاط الدولة السورية، وهذه أحدى النتائج البديهية للحرب الكونية على الجارة الأقرب بمختلف أنواع الاسلحة التقليدية والسياسية والاجتماعية وسواها، فأن المخاوف مبررة من الناحية الإنسانية، ولكنها ليست واقعية من الناحية العملية، هذا ما يؤكده التاريخ الحديث للجمهورية السورية، الذي يعيد نفسه اليوم تقريباً، فلا يمكن فهم السياسة الراهنة من دون قراءة التاريخ، بحسب نابليون بونابرت الذي قال : “السياسية بنت التاريخ، والتاريخ ابن الجغرافيا، والأخيرة لن تتبدل”، لذلك لابد من الإضاءة بإيجاز على تاريخ سورية الحديث، ومقارنته مع الاحداث التي تمر بها اليوم.
لاريب أن دور سورية الاقليمي ضمر، بعد العدوان الدولي الكبير الذي تتعرض له، ولكن الحديث عن أن “الجارة الاقرب” كدولة لم تعد موجودة فعلياً رغم وجودها على الخريطة، كما جاء في التحليلات الاستخباراتية والسياسية “الإسرائيلية”، فهي ليست دقيقةً، رغم المأزق الذي تمر فيه الجغرافيا السياسية السورية راهناً، وهو ليس الأول والوحيد، ففي العام 1957، شهدت الحدود الشمالية السورية حشوداً عسكريةً تركيةً بحجة المناورات العسكرية كان الهدف الحقيقي لها آنذاك صد التدخل السيوفياتي، و”الحظر الشيوعي” في سورية، ولكنها خرجت من هذا المأزق قويةً بعد وحدتها السياسية مع مصر في العام 1958.
كذلك ما بين العام 1982 و1984، تعرضت سورية لضغوط أميركية، أثر حوداث تنظيم “الأخوان المسلمين”، المدعوم آنذاك من “نظام صدام” في العراق ومنظمة “فتح” بقيادة ياسر عرفات.
في المقابل، تلقت دمشق دعماً روسيا عسكريا وسياسيا، غير محدود في عهد الزعيم السيوفياتي يوري اندروبوف، فتمكن الرئيس حافظ الأسد من شل يد هذا التنظيم، بعد دخول الجيش السوري الى طرابلس في العام 1985، التي تحولت في حينه إلى “إمارة إسلامية” وملاذاً “للأخوان”، بقصد استهداف الأمن القومي السوري.
بالعودة الى الضغوط المذكورة، في 1983، فقد أطلقت القوات الجوية الأميركية عشرات المقاتلات ضد مواقع الجيش السوري في لبنان، تحديداً في البقاع، بذريعة أن السوريين أطلقوا صواريخ أرض جو على طائرة استطلاع أميركية. وكانت النتيجة اسقاط المضادات الأرضية السورية الروسية الصنع ثلاث طائرات نفاثة أميركية فوق البقاع.
وتاريخ العلاقات القوية بين روسيا وسورية، يعيد نفسه اليوم مع الرئيسين فلاديمير بوتين وبشار الأسد، فلا جدوى من الضغوط الدولية لاسقاط الدولة السورية، أوتغيير حدودها السياسية بوجود الدعم الروسي لها،غير المسبوق، وفي الوقت التي تتمسك فيه موسكو بالحكم السوري، وبوحدة الأراضي السورية، وبضرورة مكافحة الإرهاب، على أن يكون للجيش السوري الدور الطليعي في هذا الشأن.
فالدولة السورية لاتزال قائمة، ومرتكزة على ثلاث دعائم: الرئيس، الجيش والأجهزة الأمنية، ولطالما قادر هذا الثالوث على حماية العاصمة دمشق وعقدة مواصلات سورية وهي حمص، والساحل السوري الذي يشكل متنفساً اقتصاديا وعسكريا لهذه الدولة، فهي باقية، ولا خوف من سقوطها.
أما بالنسبة، للمناطق الخارجة عن سلطتها، فيعتبر مرجع استراتيجي أنها قد تعود الى كنف الدولة، إما من خلال عملية عسكرية، إما من خلال مفاوضات سياسية. ويلفت الى أن الجغرافيا باقية على حالها رغم خروج بعض المناطق عن سلطة الدولة في هذه المرحلة، مؤكدةً أن الدعم الدولي الذي تتلقها دمشق من أصدقائها سيحول حتما دون أي تغيير في خريطتها الحالية.
لاريب أن دور سورية في المنطقة يفرضه التاريخ والحضارة والجغرافيا. فهي تشكل عقدة مواصلات عالمية عبر التاريخ، وقوة الدولة السورية ،هي في عدم هي قدرة الدول الكبرى على تخطيها، وما المأزق الكبير الذي تمر به الجارة الأقرب وحجم الحشد الدولي ضدها سوى مؤشرات على أهمية سورية الاستراتيجية اقليميًا ودوليًا.