أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


قانون الحرية بقلم جبران باسيل: ليكنْ الصلب وشوك التجريح وخلّ التشويه… إنه زمن القيامة

قانون الحرية بقلم الوزير جبران باسيل (النهار)

رحت أفكر طوال فترة جولتي على الجالية اللبنانية في أوستراليا ونوزيلندا عن سبب مجيء أجدادنا بحراً منذ أكثر من 130 سنة الى هذه القارة البعيدة عنا جواً مسافة 12 الف كلم، وكان تفسيري الوحيد هو “أنهم لبنانيون”، بكل ما يحمله هذا الوصف من مغامرة ونجاح وفرادة وتوقٌ الى الحياة الكريمة…

وفي طريق العودة الى بيروت، وفيما كنت اقرأ في ملفّاتي، وجدت الجواب الشافي في رسالة وجّهها جدّي والدي في 24 ايّار 1916 الى الوزير س. ه. بول في أوكلاند – نيوزيلندا يقول له فيها: “أتينا الى هذا البلد للتمتع بحريّتنا ولكي نُعَامل كبشر“.

ورحت اسأل نفسي أنّه اذا كان جدّي قد غادر لبنان قبل سنة 1890 وهو في الرابعة عشرة من عمره طمعاً بالحريّة وعاد اليه، واذا كنت أنا أناضل في لبنان مع رفاقي حفاظاً على الحريّة بكل اشكالها، فماذا علينا ان نفعل لأولادنا من أجل إبقائهم في لبنان؟

الحريّة… انها القيمة التي انشأ اللبناني، من أجلها وقتذاك، وطن الـ 10452 كلم2 واختاره للعيش في رحابها، ويمكنه ان يختار في كل وقت بلداً بعيداً، أو جزيرةً أو حتى صخرةً… و سجناً أو نفياً او حتى نعشاً للعيش في ظلالها.

انّ ما قدّمه اجدادنا في سبيل الحرية هو انتشارهم على مساحة المعمورة، فهل كثير علينا ان نقدّم لأولادنا قانوناً يحفظ حريتهم على مساحة لبنان… والعالم؟

نحن نصارع اليوم في قانون الانتخابات من أجل “حريّة بشر” يفترض انهم متساوون، والمشكلة، في ما يخصّنا، ليست النسبية فيه طبعاً، فنحن اوّل من طالب ويطالب بها، بل الخلاف هو حول مفهوم النسبية في قيمة كالحريّة، والاستنساب في ما يخصّ ترجمتها.

واذا كان النقاش يحتمل ان تكون الحريّة مطلقة كاملة أو لا تكون، وان النسبية في الحريّة تجعلها مجتزأة وناقصة، الاّ انه لا يحتمل اطلاقاً ان تكون فيها استنسابية لأنّها تصبح أكثر من ناقصة، بل منتقَصة الدور والوجود والميثاق.

فالقضية اذاً ليست فكرة قانون أو اقتراح حوله، وقد قدّمنا الكثير ولا يزال في الامكان، بل هي حول فكرة لبنان وحريّة البشر المتساوين فيه، واذا كان احد يريد الحدّ منها… أو الاستيلاء عليها.

وهكذا، كلّما اقترحنا قانوناً ذا معايير واضحة وواحدة، واقتربنا من الحريّة المطلقة فيه واعتقدنا اننا اقتربنا من التوافق عليه، تأتي فكرة “الاستيلاء” لتطرد الاقتراح تلو الآخر… استيلاء داخل المذهب أو الطائفة ، داخل القيد أو المنطقة.

مما يطرح السؤال: “هل ان لبنان هو بلد “القبول بالآخر” أم “الاستيلاء على الآخر”؟
وهنا يأتيك من يرمي في وجهك تهمة العنصرية والطائفية والتقسيم، لازمة تلاحقك كلّما حاولت ان تحصّل الحقوق لـ”بشر” بلدك،

ويتناسى هذا اننا ابناء مقولةِ “أكبر من ان يُبلَع وأصغر من ان يقسَّم” ،
وإنّ هذه المقولة تنطبق ليس فقط على الوطن بل على الجماعة فيه وعلى صوتهم.
نعم، “صوتنا، ، الذي هو أكبر من ان يُبلَع، وحجمنا الذي هو أصغر من ان يقسَّم”…إنّ هذا ما كان دافع قبولنا بما سُمي القانون الارثوذكسي ومطالبتنا به الى اليوم.
ثمّ إنّ طمعنا بالتوافق، ورغبتنا في الانتقال من السيئ الى الأفضل، هما كانا دافع قبولنا بما سُمي القوانين المختلطة واقتراحنا لعدد منها ضمن شرط وضعها بمعايير موحّدة وعادلة، لتكون تمهيداً للانتقال بلبنان من “دولة الطوائف” الى “دولة المواطنة”، والانتقال بذلك الى “مجلس الشيوخ” الضامن للمصير “ومجلس النواب” الضامن للمواطنة.وهكذا قَبِلنا ان يبلَع لبنان صوتَنا وان تقسَّم دولة المواطنة حجمَنا، الاّ اننا ويا للأسف اكتشفنا ان لا مكان لـ”دولة للمواطنة” في هذا الوطن الاّ للاستيلاء على صوتنا في قانون الانتخاب، وتستمر دولة الطوائف في الاستيلاء على قوانين الأحوال الشخصية والارث والزواج والجنسية…، اي الاستيلاء على أمور الناس باسم الله.أليس هذا الفراغ بعينه ان نبقى من دون مساواة في “دولة المواطنة”؟
ومن دون حريّة في دولة الطوائف؟
وان تغدو فارغاً من مواطنيتك ومن طائفتك بسبب هذا الاستيلاء المزدوج؟الفراغ اضحى مرفوضاً في نفوسنا، وغيرَ مرغوبٍ في نظامنا وكارثياً في زماننا.
اليس هذا التمديد بعينه، ان تبقى مكانك منذ الستين لتقع في قانونه،
وهما معاً، التمديد والستين، مرفوضان لأن في كليهما احتجازاً لحريتنا وتغليباً لفكرة الاستيلاء علينا؟اليس الزمن زمن حريّة وميثاق وعهدٍ عهدنا فيه بأولادنا الى “بيّ الكل”، وتعاهدنا على ان نترك من بعدنا لأولادنا افضل ما تُرِكَ لنا من “ستين وتمديد وفراغ”؟كيف يمكننا، ونحن في طريق العودة، العودة على طريق الانتشار، والعودة الى الميثاقية، ان نخلّ بأمانة المنتشرين الذين خسروا الارض من أجل الحريّة؟ان ساعة قانون الحريّة قد دقّت، وسنكون على موعد قيامته في زمن القيامة،
فالصلب سبيل الزامي اليها، سنحمله ونحمل أوجاعه من أجلها.والصلب فيه شوك التجريح، وخلّ التشويه، ولوحة التقسيم ، ومسمار الاستيلاء، وحربة الشهادة… فليكن!
ليكن الموت، سياسياً كان أم مادياً، من أجل حريّتنا وهي أغلى قيمنا، ومن أجل حريّة اولادنا وهم اغلى ما عندنا،
ليكن الصلب في أسبوع الآلام، آلام المسيح والوطن، ما دامت القيامة آتية… قيامة قانون الحريّة.

لقراءة الخبر من المصدر (إضغط هنا)