كثر يقولون في سرّهم: “ليتنا لم ننتخبه، ليتنا عطّلنا النصاب”. (منير الربيع)
بعيداً من الغزل الكلامي، والمواقف المعسولة ازاء التسوية الرئاسية. لا يبدو البعض ممتنًا لما جرى. ذهبت السكرة، وجاءت فكرة لا تقلّ سوداوية بالنسبة إليهم عن الفراغ، بل يفوق الوضع الحالي الفراغ سواداً. تظهر المواقف حتّى الآن أن رئيس الجمهورية ميشال عون، لن يكون طيّعاً من ضمن التركيبة. يصرّ على أن يبقى خارجها وإن كان في صلبها، وأحد أساساتها، خصوصاً إذا ما تعارضت الوقائع والأعراف مع رؤيته ومصالحه. صحيح أنه اضطر إلى التنازل في بعض النقاط في عملية تشكيل الحكومة، لكنه كان يبيت كمائنه إلى مسألة قانون الانتخاب، وما لبث أن أخرجها.
خابت ظنون البعض في عون. لم تجر رياح حكمه، كما تشتهي سفن التركيبة، أو أركانها. ومن عارض التسوية بداية، وعاود الالتفاف نحوها، يبدو أنه آخذ في الندم، خصوصاً في لحظات تأمل بعقل بارد. كثر يقولون في سرّهم: “ليتنا لم ننتخبه. ليتنا عطّلنا النصاب”. لم يكن أحد منذ الطائف إلى اليوم، يتخيّل أن ثمة طرفاً سياسياً سيجرؤ على تسديد الضربات إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتسجيل النقاط في أهدافه. منذ تعطيل عمل المجلس النيابي، إلى محاولة باسيل الإطاحة بطاولة الحوار وضرب يده عليها، وانتخاب عون بعد ذلك بأيام قليلة، كانت أشبه بخيال.
هذه كلّها، دفعت بري إلى عدم التصويت لعون، ورفضه السير بالتسوية، لكنها لم تدفعه إلى العمل على عرقلة الجلسة، وهو كان قد أكد أنه ملتزم تطبيق الدستور وتأمين النصاب أياً يكن الفائز. ولم يكن أحد يتوقع أن يفقد النائب وليد جنبلاط دوره كميزان للسياسة اللبنانية، وكضابط إيقاع لها وللتوجهات السياسية في البلد. قبيل انتخاب عون، كان البلد يميل كما تميل كتلة جنبلاط ورؤيته. اليوم إنقلبت الآية، وأصبح جنبلاط، يبحث عن آلية التحكم بكيفية انتخاب كتلته، والدفاع عن بقائها، بمواجهة محاولات الإنقضاض والتحجيم.
سير جنبلاط بالتسوية، وخروجه بموقف مبكّر أيد فيه انتخاب عون رغم بقاء النائب سليمان فرنجية مرشّحاً، لم يجنّبه شره وزير العهد. وتصميمه على اكتساح الشارع المسيحي، وإن لم يكن عبر القانون الأرثوذكسي، فعبر ما يشبهه في النتائج ويختلف عنه في الصيغ الانتخابية، وآخرها صيغة قانون الانتخاب التي أعدها باسيل وسرّبت إلى وسائل الإعلام، والتي لو أراد أحدهم وضع عنوان لها، لاختار بلا منازع: “ما لنا لنا، وما لكم لنا ولكم”.
الوضع ليس أفضل بالنسبة إلى فرنجية، الذي سيتعرض على محاولات كثيرة لتحجيمه. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرئيس فؤاد السنيورة، الذي قد يقتضي التقاء مصالح أركان العهد تطويقه مجدداً. ولربما، كانت عملية التحجيم من قبل العهد لمعارضيه مفهومة، أما أن لا تستثني أحداً فهو ما لم يكن يتوقعه أحد، خصوصاً ممن يعتبرون أنفسهم محميين، بفعل التسوية.
بعيد إنجاز عملية انتخاب الرئيس، حرص برّي على التهدئة مع عون، وأكد أنه يفتح صفحة جديدة معه. وهذا ما كان يؤكده الحريري، ويأمله جنبلاط. لكن، يبدو أن آمالاً خابت، وخصوصاً في قانون الانتخاب. الفراغ الرئاسي لأكثر من سنتين، لوّح عون بأنه على استعداد لردّه في المجلس النيابي، وفق ما أكده مؤخراً، معتبراً أنه لن يوقع مرسوم اجراء الانتخابات وفقاً لقانون الستين، حتى لو حلّ الفراغ مكان مجلس النواب. وهذا تصويب على برّي ورئاسته. لكن بري اضطّر إلى اتخاذ الموضوع بهدوء وبسياق إيجابي. وفيما كان الحريري يأمل من عون تأجيل الانتخابات ولو لسنة، أو أن تُجرى لمرة أخيرة على أساس قانون الستين، ها هي الوقائع تعاكس ما أراده رئيس الحكومة في خلال مشاورات ما قبل الإتفاق. وهي المطالب نفسها التي وضعها بين يدي فرنجية في مشاورات ما قبل ترشيحه.
وإذا كان الحريري قد سار في خيار انتخاب عون، لحماية إتفاق الطائف، فإن هناك أسئلة لا بد من طرحها في حال عدم اجراء الانتخابات وحلّ المجلس النيابي، إذا ما بقي عون على موقفه ولم يتم التوصل إلى قانون جديد. هناك خياران: إما التوصل إلى تسوية بشأن قانون الانتخاب، وهي لن ترضي جميع القوى، ولكن سيسير البعض بها مرغماً للحفاظ على واقعه، وخصوصاً بري والمستقبل، فيما قد يبقى جنبلاط وحيداً؛ أما في حال عدم الإتفاق على ذلك، فإن عون سيلوّح مجدداً بتغيير النظام، أو الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي وتغيير الطائف، لأن حلّ البرلمان يعني حلّ العمل السياسي ككل في البلاد. وهذه وحدها كفيلة بجعل البعض يندم، ويقول: “ليتنا عطّلنا النصاب”.
المصدر: المدن
لقراءة الخبر من المصدر (إضغط هنا)