-هتاف دهام
دفع وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف ثمن مواقفه في حكومة العام 2005. تقييمه للأداء السياسي في تلك الحقبة كان إما أبيض أو أسود. بعد 10 أعوام من استقالته من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عاد ابن منيارة العكارية ليدخل البوابة الحكومية برئاسة الرئيس سعد الحريري بصفته وزيراً للدفاع من حصة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
الصراف أقرب إلى الرئيس السابق العماد إميل لحود في كيفية اتخاذ القرارات أكثر من الرئيس عون. الرجلان بالنسبة إليه متشابهان، لكن المفارقة بينهما تكمن في أنّ الأول لا يعرف المناورة. لا مكان للرمادية في قاموسه، في حين أنّ الثاني يتعاطى باستراتيجية. وهذه السياسة ضرورية في ظروف معينة.
يملك وزير الدفاع البطاقة البرتقالية ويعتزّ بها. يفتخر في الوقت نفسه بأنه مع خط «فخامة المقاوم». مقرّب من السوريين القوميين الاجتماعيين، متبنٍّ سياسة الوزير السابق شربل نحاس. يساري، فبقدر ما في التيار الوطني الحر يمينيون هناك يساريون، كما يقول.
لا يتصرف الوزير المواظب على خدمة الكنيسة، بفوقية مع فريق عمله. لا يشبه إلا نفسه بعفويته ووطنيته واحترامه الآخرين. مكتبه في اللعازارية أقلّ من عادي. مكتب مدير عام في أية وزارة أكثر فخامة من مكتبه.
الملفات مكدّسة على طاولته وعلى الأريكة السوداء. خرائط تشير إلى مواقع انتشار الإرهابيين من داعش والتنظيمات الأخرى على الحدود، وأوراق أخرى تتعلّق بسير عمله، فهو يعطي الوزارة نحو 16 ساعة في اليوم. يُكثر من شرب «المتي» مع الهيل. فضلاً عن أنه يحتفظ بـ»قرع متي» برازيلية وأرجنتينية خلفه.
عندما أُسندت إليه حقيبة الدفاع تنازل عن حصته في مجموعة شركات «جودة لبنان» التي كانت طرفاً في مناقصة تلزيم منشآت المعاينة الميكانيكية. لا غبار لأحد على نزاهته. لن يعطيه أحد دروساً بصون اللسان، كما يقول.
أولى أولوياته ملف العسكريين المختطفين. يشدّد الصراف في حديث لـ»البناء» على متابعة قضيّة المخطوفين وبذل أقصى الجهود لكشف مصيرهم وتحريرهم. يشير إلى أننا «لمسنا من القطريين جدّية بتفعيل الوساطة لإطلاق سراحهم، لا سيما انّ رئيس الجمهورية وضع هذا البند بنداً أول خلال لقائه أمير قطر الشيخ حمد بن تميم آل ثاني».
يرفض الحديث في التفاصيل أو تسريب معلومات حول العسكريين في الإعلام أو في أية قضية تتعلّق بملاحقة الشبكات الإرهابية أو مجريات التحقيق مع الموقوفين. بالنسبة له قطر العام 2006 عادت في العام 2017 بعدما مرّت في 2014 ببرودة عالية.
نوّه وزير الدفاع الوطني، بالعملية الاستباقية النوعية التي نفّذتها مديرية المخابرات في الجيش بالتنسيق مع فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي في شارع الحمرا. إحباط محاولة انتحاري تفجير نفسه جنّب لبنان مجزرة محتّمة. ما حصل، وفق الصراف، يثبت أنّ التنسيق بين الأجهزة الأمنية من أنجح السبل لتأمين الأمن الشامل، فضلاً عن أنّ الغطاء السياسي الكامل للأجهزة المختصة في تعقب الإرهابيين والتنسيق العملاني هو من مقوّمات تحقيق النجاح الأمني. الدولة على أهبّة الاستعداد لملاحقة الشبكات الإرهابية. يتخذ لبنان أسوة بالدول الغربية إجراءات مشدّدة تقي اللبنانيين تفجيرات محتملة.
لا ينفي وزير الدفاع وجود تنظيم داعش داخل المخيمات. سيجري العمل، كما يقول، على رسم خط لا يمكن تجاوزه. ومَن سيتخطّاه سيدفع الثمن. لا يمكن أن يبقى الوضع، في عرسال وجرودها، على ما هو عليه. لو عاد الأمر إليه، لكان وضع حداً لحالة المخيمات في عرسال. يرسم الجيش، وفق الصراف، حدوداً لا يمكن للإرهابيين تجاوزها، لكن الحسم جذرياً غير مؤاتٍ في الوقت الراهن. الجهة السورية مفتوحة. الزبداني لم تُنظّف بعد، وعندما تُطهّر المدينة بالكامل سينعكس ذلك إيجاباً على لبنان.
يمنع النازح في جميع عمليات النزوح في التاريخ أن يكون على الحدود لسببين:
1 – يمكن للسلطة الهارب منها أن تطاله.
2 – أن لا يزعج الدولة المضيفة بأن يذهب إلى بلاده ثم يعود حيث يُستضاف. يجب أن تبعد المخيمات 30 كيلومتراً عن الحدود.
يضع وزير الدفاع خريطة أمامه. يشير إلى انتشار مخيمات النازحين بالقرب من تنظيم داعش على الحدود مع العراق ولبنان نتيجة اتفاق دولي، لكن المقاربة الإيجابية عندنا أنّ هناك مقاومة وجيشاً ينسقان ويتعاونان.
بعد زيارته إلى البقاع يوم الخميس الفائت وتفقده الوحدات العسكرية على الحدود الشرقية، يعود وزير الدفاع مطمئناً إلى ما يقوم به الجيش من عمل يشكّل مدعاة اعتزاز وفخر، لا سيما في ظلّ وجود 40 ألف لبناني و100 ألف سوري. يشدّد على أهمية توفير الأمن في البقاع لتأمين الاستثمار والإنماء، ويشير إلى أنه سيقوم بجولة قريباً في الجنوب المقاوم.
يشيد وزير الدفاع بالسعودية لاعترافها راهناً بأهمية الحوار. لمس خلال زيارته ضمن الوفد الوزاري الذي رافق رئيس الجمهورية إلى المملكة انفتاحاً «رياضياً» على الحوار الذي كان معدوماً في السنوات الماضية، وأنه بات السبيل الأسلم لمعالجة الخلافات. وفق الصراف، سورية منفتحة على الحوار وتركيا وروسيا وأيضاً. يربط وزير الدفاع الهبة السعودية بالوضع الاقتصادي المختلف اليوم عما كان عليه، حين طرحت الفكرة في 2013، لكنه في الوقت نفسه مقتنع أنّ الرياض ستساعد لبنان من دون أن يتطرّق إلى قيمة الهبة، أو مضمونها الذي من المفترض أن لا يبقى على ما هو عليه بعد أربع سنوات. أصبحت الظروف سانحة ومؤاتية أمام إعادة تشغيل الهبة. الوضع في لبنان يبعث على التفاؤل جراء انتخاب رئيس وتشكيل حكومة. النية السعودية بالانفتاح والحوار واضحة. من مصلحة الرياض مساعدة لبنان للقضاء على الإرهاب.
هناك غاية سياسية سعودية فرنسية لتمرير الهبة تتعلق بالهدف الاقتصادي السعودي لتنمية إنتاج السلاح من خلال التصنيع أو التأهيل ودعم فرنسا بالمال، ودعم الجيش في حربه ضدّ الإرهاب. ما نطلبه، يقول الصراف، من خلال هذه الهبة العسكرية سلاح الإشارة . الإشارة لا تهدّد مباشرة «إسرائيل»، لكنها تدعم مباشرة الجيش للتواصل، وتمرير الإمرة، والدفاع عن الأراضي اللبنانية.
السياسة فن الممكن. يعيش لبنان حواراً مع الجميع. لا «فيتو» على أية هبة. لا مانع من قبول أية مساعدة لا تقطع الطريق على أخرى من فريق مناوئ، سيمارس لبنان سياسة الميزان. لن تقف المساعدة الإيرانية، بحسب وزير الدفاع، عائقاً أمام الهبة السعودية. هناك تعديل في السياسة. انتفت الخلافات السياسية.
لم يتلقّ الصراف بعد دعوة مع نظيره الإيراني لزيارة الجمهورية الإسلامية. حين يُدعى سيزورها، وسيزور كلّ الدول التي توجِّه إليه دعوات وترغب بمساعدة الجيش، شرط أن لا تتنافى شروط تقديم الهبات مع استراتيجية لبنان.
تغيّرت حاجات الجيش اللبناني. أصبح يمتلك، وفق الصراف، طائرات الرصد. لذلك تلزمه اليوم ذخيرة روسية أكثر من هذه الطائرات. إذا سلكت الهبة السعودية طريقها وحصل الجيش على سلاح فرنسي، فسنحتاج الى ذخيرة لهذا السلاح. الجيش هو مجموعة متكاملة بالتسلّح والاستراتيجيا. الهبة الروسية عبارة عن طائرات ميغ 29، لكننا لا نملك أياً من الرادار والهنغار والمدرج والطيارين، ومنظومة الدفاع.
أعجوبة المقاومة، يقول الصراف، إنها طوّرت سلاحها ومقاتليها وإمرتها واتصالاتها. هذه المنظومات معاً حققت انتصار 2006.
بالنسبة لوزير الدفاع،التنسيق مع سورية ضروري وواجب في ظلّ وجود مليون و500 ألف نازح سوري في لبنان، مع ما يرتّبون من أعباء على الاقتصاد والأمن والسياسة والإنسانية، فضلاً عن انتشار المجموعات الإرهابية على الحدود المشتركة بين لبنان وسورية.
من حظنا، وفق الصراف، أنّ الدولة السورية لم تُهزَم، فسياسة النأي بالنفس اعتمدت لإرضاء المجتمع الدولي، علماً أنّ هذا المفهوم استخدم كغطاء لنقل السلاح إلى الإرهابيين من لبنان الى سورية عبر بواخر لطف الله1، لطف الله 2، اندريه، وتسرّب النازحين والإرهابيين الى لبنان.
كوزير، يلتزم الصراف بالبيان الوزاري والخط السياسي الرسمي. لكنه شخصياً يؤكد أنّ تدخل حزب الله في سورية جنّب لبنان الكثير من الويلات، وأنه مع سلاح المقاومة إلى حين تمكُّن الجيش من الدفاع عن الأراضي اللبنانية في وجه العدو.
الإرهاب لا يخدم أحداً. استخدمه البعض، بحسب وزير الدفاع، ورقة لتغيير النظام في سورية والعراق، ولم يستطع التغيير. عدم انهيار لبنان والعراق وسورية بحدّ ذاته يشكل إنجازاً، لكنه ليس انتصاراً. لو سقطت الدولة السورية لما بقي لبنان.
تراجع الإرهاب، لكننا لم نتمكّن بعد من إبادته. لذلك، فإنّ الحلّ السياسي، وفق رؤية الصراف هو الحلّ الأسلم. الوضع في حلب فرض نفسه على العالم كله. تحرير المدينة، كرّس السلطة المركزية عليها وأعطى الدولة أوراقاً إضافية في المحادثات الدولية.
يشدّد وزير الدفاع الوطني، على أنّ رئيس الجمهورية الرجل السياسي الوحيد الذي يستطيع زيارة السعودية وقطر وإيران وسورية وأميركا وفرنسا وروسيا من دون أيّ حرج. هذه الميزة وحدها تجعله المرشح الوحيد لقيامة الدولة اللبنانية. هناك فرق بين تفاهم إيراني ـ سعودي أنتج رئيساً، وبين تفاهم لبناني ـ لبناني أنتج مرشحاً توافقياً تبناه كلّ من السعودي والسوري والإيراني والأميركي والفرنسي.
حكومة استعادة الثقة، لم تكرّس، وفق الصراف، أيّ عرف كان سائداً( ثلث ضامن ثلث معطل 10 – 10 – 10 .) لن يكون هذا العهد كأيّ عهد سبقه، هناك حوار وتفاهم وقبول بالرأي الآخر، رغم الاختلاف هذا ما تكرّس في الجلسات الحكومية الثلاث الماضية. لم نتفق على كل شيء، لكننا توصلنا إلى آلية لإيجاد الحلول اللازمة. هناك تباين حول بعض الملفات الاقتصادية حتى داخل التيار الوطني الحر. لا أوافقهم الرأي حيال بعض المشاريع والاقتراحات. لقد أنجزنا خلال الجلسات الثلاث أكثر مما أنجزت الحكومة السابقة طيلة ولايتها. أقرينا على سبيل المثال مراسيم النفط التي ستفتح الطريق لإمكانية التنقيب على النفط. صحيح أنّ الأمر يحتاج الى أكثر من 6 سنوات لاستخراجه، لكننا فتحنا إمكانية لاستثمار الموارد الطبيعية كي تشكل مداخيل لحماية لبنان ودعم جيشه واقتصاده وإيفاء الدين العام.
يعود الصراف بالذاكرة إلى حكومة العام 2005، حيث كان التشنّج يحكم سير عمل جلسات مجلس الوزراء، مما أدّى إلى عدم الاتفاق على أيّ ملف. وفي الوقت نفسه، فشل بعض وزراء الطبقة السياسية في تقاسم «الحصص»، لأنّ الرئيس لحود كان يترأس غالبية جلسات مجلس الوزراء، وكان يقف بالمرصاد لما يُسمّى بـ»الصفقات».
على صعيد التعيينات العسكرية، أكد الصراف أن لا شيء أخطر على المؤسسة العسكرية من فراغ في قيادتها. تلحق الزعزعة في رأس المؤسسة العسكرية ضرراً بالمؤسسات الأمنية كلها. قائد الجيش العماد جان قهوجي باقٍ في منصبه لحين تعيين قائد آخر.
– البناء-