أمين حطيط –
تنعقد في الاستانة اليوم 23\1\2017 اول مباحثات بين الحكومة السورية الشرعية وبعض من فصائل المسلحين المحتشدين
تحت عنوان المعارضة السورية المسلحة في مسعى مضمونه المعلن البحث عن حل سياسي للازمة التي فرضت على سورية بعدوان كوني شن عليها وانخرط فيه بعض ممن يحملون الجنسية السورية بعد ان وعدوا بمغريات من سلطة ومال وما اليه من المغريات الأخرى.
نقول اول مباحثات سورية – سورية رغم انه سبقت الاستانة جولات عدة من المفاوضات او النقاشات جرت في جنيف وتحت رعاية اممية شكلت اميركا ومعسكر العدوان على سورية الجهة المتحكمة بها دعوة ومسارا، فما هو الجديد في مباحثات الاستانة او ما هو الجديد في المشهد الدولي حتى يجعلنا نبدي اهتماما بهذه المباحثات يختلف عما كان قبلها وبالتالي ما هو المتوقع منها حتى يشكل خروجا عن فشل ما سبقها؟
من المعلوم انه منذ العام الثاني للعبدوان على سورية جرت محاولات تحت عنوان البحث عن حل سياسي للازمة في سورية وكان اعلان جنيف رقم 1 الصادر في 30\6\2012 اول ثمرة للتحرك الدولي ذاك، حيث صدر الإعلان وبغياب أصحاب الشأن المباشر، وكاد في مظهره يشكل ممارسة للوصاية على سورية وكأنها فقدت سلطتها الوطنية وسيادتها وقرارها المستقل وباتت بحاجة لمن يمارس تلك الوصاية عليها دوليا. ورغم كل ما قيل حول اعلان جنيف ورغم كل التجاذبات حوله، فان في الإعلان ما يجعل التطبيق الحرفي والمؤكد عليه اميركيا ان هناك قرار دولي ترعاه اميركا بقوتها العسكرية والسياسية من اجل تغيير الحكومة السورية وتنصيب بديل عنها يوافق مصالح من ظن نفسه انه منتصرا في العدوان. وبالتالي كانت جنيف بالفهم الأميركي معبرا لصرف انتصار ميداني مزعوم وتكريسه في السياسة. لكن سورية رفضت ان تستسلم وأصرت على الدفاع مدعومة بمحور المقاومة الذي اثبت معها القدرة على الثبات مهما كان حجم الضغط والتهديد.
و بعد جنيف 1 كانت محاولات أخرى بما فيها قرارات من مجلس الامن تقاطرت حتى كان القرار 2254 الذي ذكر بإعلان جنيف بعد ان ادخل عليه ما يلطف المضمون و يخفف الأثر السلبي دون ان يصل الى مستوى ما تريده سورية من الحل السياسي من اهداف تتضمن بشكل قاطع المحافظة على وحدة الأرض و الشعب و السيادة و القرار المستقل و الموقع الاستراتيجي الملائم لجرافتيها السياسية ، و مع القرار 2254 كانت محاولة مفاوضات أخرى حاولت فيها اميركا ان تملي على سورية ارادتها ففشلت بسبب الصلابة السورية والقدرة الدبلوماسية الفذة التي اظهرها الوفد السوري في جنيف حيث تصرف بشكل اسقط بيد الخصم و جعله يفهم ان سورية ليست بوارد التساهل او التنازل عن حق وطني مهما كان حجمه و أهميته . وعلمت اميركا ان سورية كما في الميدان هي في السياسة غير قابلة للخضوع فعادت الى الميدان مجددا ومنت النفس بصنع مشهد يفرض على سورية الاستسلام.
و مرة أخرى واجهت سورية مع حلفائها الذين انضمت اليهم روسيا و اثبتت انها قادرة على الدفاع عن نفسها و الثبات على مواقفها مهما كانت التضحيات و مضت سورية في الميدان قدما حتى كان الانتصار الاستراتيجي الكبير في حلب و الذي عد بحق بانه عمل مفصلي قلب المشهد راسا على عقب و منح الفرصة لروسيا لان تأخذ موقع اميركا في رعاية الحركة الدولية الباحثة عن حل سياسي للازمة السورية ، كما انه فرض على أي متحرك على هذا المسار ان يأخذ بالاعتبار ان معسكر الدفاع عن سورية هو المنتصر الذي يستحق ان يهيمن على المسار و ان يكون صاحب راي و قول في وجهته و تفاصيله ، و بهذا المنطق كانت الدعوة الى مباحثات الاستانة من قبل روسيا و معها ايران و تركيا ، و كان الانتقال العلني للملف الدولي السوري من يد اميركا الراعي و المهيمن و المسيطر الى يد منظومة تتقدمها روسيا العضو في معسكر الدفاع عن سورية المنتصر في الميدان و الممتلك زمام المبادرة فيه الى حد بعيد . وبهذا المتغير نفهم التجاذب حول مسالة دعوة اميركا الى الاستانة، اذ بعد ان كانت اميركا هي التي تحدد من يدعى الى جنيف وتضع الفيتو على حضور إيران انقلبت المواقف وباتت إيران جزء من منظومة من يدعو ومن يضع الفيتو. وهنا يأتي سؤال جديد مضمونه وهل يمكن لحرب كونية تقودها اميركا ضد سورية ومحور والمقاومة ان تنتهي ويتفق على نهايتها في غياب اميركا عن طاولات المفاوضات؟
من البديهي ان نقول ان الحل السياسي للخروج من أي صراع يجب ان يشمل كل مكونات الصراع في الميدان وبالتالي يكون بديهيا أيضا ان تدعى اميركا الى الاستانة. ولكن لماذا الرفض الإيراني اذن.
براينا ان ايران تدرك في العمق ان الحل السياسي لا يمكن ان ينفذ او يتم الوصول اليه في غياب اميركا و لكنها تعرف أيضا ان اميركا اليوم ليست في وضع يمكنها من تسهيل الوصول الى حل او تهيئة البيئة الملائمة للبحث عنه و انطلاقا من نظرتها لوظيفة الاستانة و المباحثات فيها فأنها تبدي الاعتراض على الحضور الأميركي من اجل منع التخريب ولأرسال رسائل محددة لأكثر من طرف تؤكد على حقائق أولها ان معسكر الدفاع عن سورية هو من يتحكم بالمشهد و الثاني ن اميركا لا وظيفة لها الان في مباحثات محددة الوظيفة حصريا بأمرين تثبيت وقف العمليات القتالية و تهيئة البيئة للانطلاق الدولي العام لإيجاد الحل السياسي في جنيف بعد تصحيح مفاهيم البحث عنه و مقومات هذا الحل . وبالتالي نرى ان الاعتراض الإيراني هو اعتراض على توقيت دخول اميركا وعلى حجم اميركا في المباحثات لاحقا. اما امر وجود اميركا في منظومة دولية ترعى الحل السياسي وتضمن نفاذة فامر كما اعتقد يعرفه ويسلم به الجميع ولكن شتان ما بين من يكون في المحكمة في موقع قاضي الحكم او من يدعى الى الجلسة ليستمع الى الحكم حتى يصبح نافذا بحقه.
فأميركا ان حضرت الاستانة فأنها تحضر في غير الدور والوظيفة التي كانت تمارسها في جنيف ، و الاستانة ستقوم أولا و بعد تثبيت وقف العمليات القتالية و ما يستتبعه من التزام تركي بشكل خاص بوقف مد المسلحين بالسلاح و الانصراف الى محاربة جبهة النصرة و داعش ، فان الاستانة ستقوم بتصحيح المفاهيم حول العملية السياسية لتأخذ بما تتمسك به سورية و حلفاؤها من مبادئ واهداف هذا الحل و قد بدأت تركيا بذلك على لسان نائب رئيس حكومتها عندما اعلن ان أحدا لا يمكن ان يتصور أي حل سياسي في سورية بدون الرئيس الأسد ، و صحيح انهم تراجعوا عن التصريح و لكن التراجع ليس له أهمية ووظيفته تفاوضية فقط ليس اكثر .
وعليه نرى ان الاستانة التي لا ننتظر منها ان تخرج حلا سياسيا للازمة السورية اليوم فالأمر يلزمه عمل أكثر، ان الاستانة ستشكل محطة الانطلاق نحو الحل السياسي بعد هزيمة العدوان على سورية، وبعد المتغير السياسي الهام الذي تشهده اميركا باستلام ترامب للسلطة فيها. ترامب الذي ان صدق في وعوده سينقلب على سياسة سلفه وينتقل من محاربة الحكومة السورية بقيادة الرئيس الأسد الى محاربة الإرهاب الذي انتجه واستثمره أوباما. ثم ان ترامب وفقا لما جاء في خطاب التنصيب وعد الاميركيين بما لو التزم به ونفذه فعلا لكان من شانه ان ينكفئ الى الداخل الأميركي ولا ينفق على حروب وتدخلات بعيدا عن حدود اميركا في حين ان الشعب الأميركي أولى بنفقات تلك الحروب.
فترامب إذا صدق لن يتابع مسيرة العدوان على سورية كما فعل أوباما فهو الذي يقول ان “اميركا أولا” يعلم ان سورية لا تهدد اميركا بل ان الذي يهدد اميركا هو الإرهاب الذي تحاربه سورية، ولان لترامب من المشكلات في الداخل وفي اروبا ومع الإرهاب أكثر مما يتصور فأننا نعتقد ان مصلحته طي ملف العدوان على سورية والانصراف الى معالجة قضايا تهم الشعب الأميركي.
وبالتالي ان الجديد في مباحثات أستانة انها تنعقد في ظل انتصار مبين لمعسكر الدفاع عن سورية وفي ظل تغيير واضح للقيادة الأميركية التي قادت العدوان على سورية وفي ظل تفكك هذا المعسكر وتشتت اطرافه لذلك يكون للمتابع ان يترقب بعض الإيجابيات من الاستانة إذا تعقلنت تركيا والفصائل السورية التي ذهبت للمباحثات تحت عنوان معارضة سورية، فان حصل ذلك سيكون هدوء ما يرسي اسسه و كيفية صيانته العسكريون الموجودون بكثافة في عداد الفود الى الاستانة اليوم و تفتح الطريق الامن الى جنيف في ظل بيئة جديدة ومفاهيم قويمة تستند الى ما تمسكت به سورية منذ اللحظة الأولى لدفاعها عن نفسها في وجه العدوان الكوني عليها.
المصدر: الثورة