عَ مدار الساعة


مسيحيو الأطراف..إحترموا خصوصيتهم الوجودية-أمين أبوراشد

نفهم ونتفهَّم بعض التحالفات الإنتخابية، حتى تلك التي تنتهي مع إقفال صناديق الإقتراع، وقبل صدور النتائج، وبعض هذه التحالفات لها ما يبررها، طالما أن قانون الإنتخاب يُلزِم المُرشَّحين الإنضواء ضمن لوائح تحت طائلة فقدان حق الإستمرار في المعركة. لكن ما نفهمه ونرفض أن نتفهَّمه، هو هذا الذي إسمه “زواج المسيار” أو “زواج المُتعة” الذي يحلله البعض لأنفسهم من منطلق براغماتية الوصول الى الكرسي، ويُحرِّمه منطق السياسة الموزونة، التي ترفض التكاذب لتبرير الإرتكابات بحق مناطق يأبى ساكنوها أن يكونوا أضاحي تسويات موسمية أو ضحايا سياسات مُخالِفة لخصوصية البيئة. وما دام هذا النوع من الخلط العجيب في التحالفات، ينسحب على المناطق التي يقطنها مسيحيو الأطراف، من عكار مروراً بالبقاع ووصولاً الى الجنوب، فإن الرفقة الإنتخابية بين الأضداد لا يجوز أن تكون شبيهة بالنُزهة، أمام عيون الجماهير الموجوعة التي تعيش أقسى معاناة القلق الوجودي في مناطقها، سواء من خلال مشهدية مماثلة للتحالف مع خالد الضاهر في عكار، أو خالد العسكر في البقاع الغربي رغم الإنسحاب السياسي للأخير من السباق الإنتخابي.

نحن نحترم الجميع ولكن، نطلب من الجميع احترام عقولنا، أن أمثال السيد خالد الضاهر بخلفيتهم التكفيرية وإنزعاجهم من تماثيل قديسين في الذوق وجونية، سيكونون ضمانة للمسيحيين في عكار، أو أن السيد خالد العسكر الحاصل على الهوية اللبنانية ضمن قانون التجنيس، سيكون قدوة للتعايش في البقاع الغربي أكثر من السُنَّة الأقحاح، أو أنه أخبَر وأخيَر من الشخصيات البقاعية النبيلة التي لها تاريخ في رعاية العيش الواحد، حتى في أحلك الظروف منذ منتصف السبعينات حتى اليوم، فاحترموا عقولنا في تحالفاتكم إذا لم تحترموا ذاكرتكم ومغامراتكم التاريخية التي دفعنا أثمانها تهجيراً!

نسترجع ذاكرة السبعينات، لأن وضع مسيحيي الأطراف يحتاج مع المتغيرات الديموغرافية والسياسية الى ثبات الرؤية وثبات الموقف وثبات السياسة الواعية، ولن ننسى الفكر الميليشيوي الذي كان ينقله سكان بيروت الى بيئاتهم في مناطق الأطراف نتيجة ظروف الحرب الأهلية ولُغة المتاريس في المدينة، ونحن لا نلوم مَن تتغلَّب لغة الرصاص عنده، على لُغة الحوار التعايشي عند زيارة أهله في منطقته الأم، لكن لا يمكنه فرض منطق الزواريب الطائفية المُتناحرة في المدن على قريته المحكومة بالتعايش مع الآخر، ما دام هذا الآخر يحترم خصوصيتها ضمن منظومة النسيج الوطني. وما رفضناه في السبعينات – وكان لنا شرف مواجهته بالحكمة والهدوء- نواجهه اليوم وبدون أقنعة، ونقول: نحن لا مأخذ لدينا على الأشخاص، كائناً مَن كان المُرشَّحون ولكن، نحن ضدّ كل خطاب سياسي أو انتخابي تحريضي من كل شخص غريب عن مناطقنا، وقُدرتنا لا تحتمل استخدامنا وقوداً لقافلة أحد، سواء كان طموحه الوصول الى كرسي نيابة أو كرسي رئاسة، لأن الجار القريب قبل الأخ البعيد، والمُعاناة التي عاشها مسيحيو الأطراف على مدى نصف قرن، كادت تكون كارثية وقاضية على الوجود لو لم تتوفَّر لهم قيادات محلِّية حكيمة واعية تُغنيهم عن الإستعانة بالملائكة والشياطين من خارج بيئتهم لحمايتهم. وكي لا نكون مادة دعائية لهذا المُرشَّح أو ذاك، لن نتطرَّق الى تفاصيل الخطر الوجودي على مسيحيي الأطراف من حدَّة الخطاب المُستورد الذي يدَّعي حمايتهم، ولنا عودة بالوقائع والأرقام بعد الإنتخابات للتأكيد على صوابية رؤيتنا، عسى أن تكون خياراتنا بنات بيئتنا، طالعة من السهل الخصيب، سواء في عكار أو البقاع أو الجنوب، دون أن نحتاج الى سماد مُستورد لإنبات قياداتنا…