عَ مدار الساعة


تُرى ما الذي قاله يسوع للعلماء في الهيكل (هيلّيل – جملئيل – شماي) قبل أن يجده يوسف ومريم؟



رأت ماريا فالتورتا ذلك فكتبت:

أُدرك أنني في نطاق هيكل أورشليم.
أرى فرّيسيين في ثيابٍ طويلة فضفاضة، كهنة يرتدون ألبسة كتّانية مع صحيفةٍ معدنية ثمينة عند أعلى الصدر وعلى الجبهة ونقاطٍ أخرى تلمع هنا وهناك على الثياب الواسعة جداً والبيضاء التي يُمسِكها عند الخصر زنّار غالي الثمن.

ثم هناك منهم آخرون، أقل زخرفة، لا بد أنهم ينتمون أيضاً إلى الطبقة الكهنوتيّة ومُحاطون بتلاميذ أفتى.

أعي أنهم علماء شريعة.

بين “العلماء” مجموعة على رأسها جَمَلْئيل مع آخر، مُسِنّ وأعمى تقريباً، يدعم جَمَلْئيل خلال النقاش.

ذاك الأخير، أسمعهم ينادونه هيلّيل، يبدو معلم جملئيل أو قريبه لأن هذا الأخير يعامله بثقةٍ واحترام في الوقت نفسه.

لمجموعة جملئيل وجهاتُ نظرٍ أكثر تحرراً، فيما مجموعة أخرى، وهي الأكثر عدداً، يقودها المدعو شَمّاي وتتميز بتصلُّبٍ حاقد ورجعيّ….

جملئيل يتحدث عن مجيء المسيح، تحيط به مجموعة مهمة من التلاميذ. إنه يصرّ على أن المسيح لا بد ولِد، مستنداً إلى نبوءة دانيال.

وبالفعل، منذ عشرة أعوام ٍ، تمّت الأسابيع السبعون التي أشارت إليها النبوءة، إبتداءً من قرار إعادة بناء الهيكل.

شمّاي يُناقضه مؤكداً أن إعادة بناء الهيكل، إذا كانت صحيحة، فليس أقل صحةً أن عبودية اسرائيل لم تكف عن الإزدياد وأن السلام الذي كان عليه أن يأتي به من يدعوه الأنبياء ‘أمير السلام‘ بعيد جداً عن الوجود في العالم وخصوصاً في أورشليم التي يضطهدها عدوّ يجرؤ على دفع سيطرته حتى نطاق الهيكل….

النقاش المليء جدلاً فارغاً يطول: كلّ معلم يتباهى بتبحُّره لا للانتصار على خصمه بمقدار ما لفرض نفسه على إعجاب السامعين.

هذه النيّة واضحة.

من المجموعة المرصوصة من الواثقين به يخرج صوت ولدٍ غضّ (ناعم):
جملئيل من معه حق.”

حركة الجمع ومجموعة العلماء يفتشون عن المُقاطِع. إنما لا حاجة إلى البحث عنه، فهو لا يخفي نفسه. إنه يُظهر نفسه ويدنو من مجموعة ‘الرُّبانين’.

أتعرّفُ إلى يسوعي المراهق.
إنه واثق من نفسه وصريح، بعينين ذكيتين تلمعان.

“من أنت؟” يسألونه.

إبن لإسرائيل جاء يُتِم ما تأمر به الشريعة“.

الجواب الجسور والواثق من نفسه يجعله جذّاباً ويعود عليه بابتساماتِ تأييد وعطف. يهتمّون بالاسرائيلي الصغير.

” ما اسمك؟”

يسوع الناصري .”

العطف يخف في مجموعة شمّاي. لكن جملئيل، وهو أكثر عطفاً يتابع الحوار وهيلّيل في الوقت نفسه. أو بالأحرى يقول جملئيل للشيخ باحترام:”اسأل الولد شيئاً ما.”

” بماذا تبرر يقينك؟” يسأل هيليل.

يسوع: ” بالنبوءة التي لا يمكنها أن تخطئ في الزمان والعلامات التي رافقته حين حلّ وقت تحققها. صحيح أن قيصر يسودنا. لكن العالم كان يُخيّم عليه السلام وفلسطين هادئة حين انقضت الاسابيع السبعون بحيث كان ممكناً لقيصر أن يأمر بتعدادٍ في مناطق نفوذه.

ما كان ليستطيع ذلك لو كانت هناك حرب في الامبراطورية وانتفاضات في فلسطين.

وبما أن هذا الزمان تمّ، هكذا سوف تنتهي المدة الزمنية الأخرى من إثنين وسبعين أسبوعاً زائد واحداً منذ اكتمال الهيكل، ليكرَّس المسيح وتتحقق تكملة النبوءة بالنسبة الى الشعب الذي لم يقبلها.

أيمكنكم ان تشكّوا؟

ألا تتذكرون النجمة 🌟 التي رآها حكماء الشرق والتي مضت تستقرّ بالضبط في سماء بيت لحم يهوذا وأن النبوءات والرؤى، منذ يعقوب وبعدئذٍ، تشير إلى هذا المكان مُعداّ لاستقبال ميلاد المسيح، إبن إبن إبن يعقوب، من خلال داوود الذي كان من بيت لحم؟ ألا تتذكرون بلعام؟’ نجمة ستولد من يعقوب’.

إن حكماء الشرق الذين كان النقاء و الايمان يحافظان على أعينهم وآذانهم مفتوحة، رأوا النجمة وفهموا إسمها: ‘المسيح’ وجاؤوا يعبدون النور المُضاء في العالم.

شماي، باهت النظر:” تقول أن المسيح ولِد في زمن نجمة بيت لحم إفراتا؟”

يسوع:” أقول هذا.”

شَمّاي:” إذاً لم يعُد موجوداً. ألا تعلم، أيها الولد، أن هيرودس قتل كل صبيان بيت لحم والجوار من عمر يوم إلى سنتين؟ أنت الذي تعرف جيداً جداً الكتابات المقدسة، يجب أن تعلم ذاك :’صراخٌ ارتفع… راحيل تبكي بنيها.’ إن وديان بيت لحم وتلالها التي جمعت دموع راحيل المشرفة على الموت لبثت ملأى من هذه الدموع، والأمهات ردّدتها على أبنائهن المقتولين. وبينهن كانت بالتأكيد أم المسيح أيضاً.”

يسوع: “أنت تُخطئ، أيها الشيخ. إن دموع راحيل استحالت هوشعنا، فحيث ولدت ‘إبن ألمها’، أعطت راحيل الجديدة العالم صغيرَ الآب السماوي، إبن يمينه، من هو مُعدّ لجمع الشعب تحت صولجانه وتحريره من أفظع عبودية.”

شمّاي:” وكيف، إذا كان قد قُتِل؟”

يسوع:ألم تقرأ في الحديث عن إيليا؟ لقد خُطِف في مركبةٍ من نار. والرب الإله ألا يستطيع تخليص عمّانوئيله ليكون مسيح شعبه؟ هو الذي شقّ البحر أمام موسى ليُدرك اسرائيل أرضه سيراً، ألم يكن في استطاعته أن يأمر ملائكته بتخليص إبنه، مسيحه، من ضراوة الإنسان؟ الحق اقول لكم: المسيح حيّ وهو بينكم وحين تكون قد أتت ساعته، سوف يُظهر نفسه في سلطانه.”

يسوع، وهو يقول هذه الكلمات، يملك في صوته سطوعاً يملأ الفضاء. عيناه تشعّان أكثر بعد وكأن القدرة والوعد يحركانه، يبسط ذراعه و يده اليمنى كما لقسم. إنه ولد، لكنه مهيب مثل رجل.

هيلّيل:” أيها الولد، من علّمك هذه الكلمات؟”

يسوع :”روح الله. ليس لي معلم بشري. إنها كلمة الله التي تسمعونها عبر شفتَي.”

هيلّيل: “تعال بيننا، لأراك عن قرب، أيها الولد! إن رجائي ينتعش بتأثير من إيمانك ونفسي تتألّق بشمس نفسك.”

ويجُلِسون يسوع على مقعد مرتفع بين جملئيل وهيليل ويأتون إليه بلفاتٍ ليقرأها ويشرحها. إنه امتحان وفق الأصول. الجمع يتزاحم ويُصغي.

صوت يسوع الطفولي يقرأ:” تعزَّ، أيا شعبي. حدّثوا قلب أورشليم، عزّوها لأن عبوديتها انقضت… صوتُ صارخٍ في البريّة: أعدّوا دروب الربّ… إذاك سيظهر مجد الرب…’ “

شمّاي: “أنت ترى ذلك، أيها الناصريّ! هنا يتحدثون عن عبودية انتهت. لم نكن عبيداً ابداً كما الآن. هنا يتحدثون عن سابق. أين هو؟ أنت تُخرّف!”

يسوع: ” أقول لك أن السابق يدعوك أنت أكثر من الآخرين. أنت وأمثالك. وإلا لن ترى مجد الرب و لن تفهم كلمة الله، لأن الدناءة، الكبرياء، الرياء سوف تمنعك من أن ترى وتسمع.”

شماي: ” أهكذا تُكلِّم مُعلماً؟”

يسوع: هكذا أتكلم، مثلما سأتكلم حتى الموت. ففوق صالحي هناك صالح الربّ وحُب الحق الذي أنا إبنه. وأُضيف لأجلك، أيا أيها الربان، إن العبودية التي يتحدث عنها النبي وأتحدث عنها أنا أيضاً، ليست تلك التي تتصوّر، والمَلَكيّة ليست تلك التي تفكر بها. بل على العكس، باستحقاقات المسيح سوف يتحرر الانسان من عبودية الشرّ الذي يفرقه عن الله وخُلْق المسيح ينطبع على العقول المتحررة من كل نير والخاضعة لملكوته الأبدي. كل الأمم ستحني رأسها، أيا سلالة داوود، أمام البذرة المولودة منك والتي غدت شجرة تُغطي الأرض كلها وترتفع حتى السماء.

في السماء وعلى الأرض كلُّ فمٍ سيُسبّح إسمك وكل ركبةٍ ستركع أمام مكرس الله، أمير السلام، من سوف يُسكِر من ذاته كل نفس متعبة ويشبع كل نفسٍ جائعة، الرئيس، القُدّوس الذي يبرم عهداً بين الأرض والسماء. ليس كالذي أُبرِم مع آباء إسرائيل حين أخرجهم الله من مصر، وهو لا يزال يعاملهم خَدماً، بل ينقش فكرة الأُبوّة السماوية في عقول البشر مع النعم المسكوبة حديثاً فيهم باستحقاقات الفادي الذي به سيعرف كل الصالحين الربّ، وقدسُ أقداس الله لن يُهدَم بعدُ ويُدمّر.”

شماي: “لا تُجدِّفْ، أيها الولد! تذكّر دانيال. إنه يقول أن الهيكل والمدينة سوف يدمِّرهما بعد موت المسيح شعبٌ وزعيمٌ سيأتي لأجل ذلك. وأنت تُصِرّ على أن قدس أقداس الله لن يُهدَم بعد! إحترم الأنبياء!”

يسوع : “الحق أقول لك أن هناك من هو أعظم من الأنبياء ولا تعرفه، ولن تعرفه لأن إرادة معرفته تنقصك. وأُؤكد لك أن كل ما قلته حق. انه لن يعرف الموت بعدُ، قدس الأقداس الحق، إنما كما الذي يُقدِّسه، سوف يقوم للحياة الأبدية وفي نهاية أيام العالم، سيحيا في السماء.”

هيليل: “إسمعْ، أيها الولد. حجّاي يقول:’… سوف يأتي مُشتهى الأمم. عظيمٌ سيكون مجدُ هذا البيت وهذا الأخير أكثر من الأول.’ ربما يريد التحدث عن قدس أقداسك نفسه؟”

يسوع:نعم، يا معلم، إن استقامتك تقودك نحو النور وأنا اقول لك: حين ستتم ذبيحة المسيح، يأتي السلام إليك لأنك اسرائيليٌ خالٍ من المكر.

جَمَلئيل: ” قل لي، يا يسوع. السلام الذي يتحدث عنه الأنبياء كيف يمكننا الأمل به إذا جاءت الحرب تدمِّر هذا الشعب؟ تكلم وأنرني أيضاً.”

يسوع: ” ألا تذكر، يا معلم، ما قاله أولئك الذين كانوا حاضرين ليلة ميلاد المسيح؟ إن أجناد الملائكة أنشدت: ‘السلام لذوي الإرادةالصالحة’….لكن إرادة هذا الشعب ليست صالحة..

ولن يفوز بالسلام. سوف يُنكر ملكه، البار، المخلص، لأنه ينتظر ملكاً يرتدي السلطان البشري فيما هو ملك الروح….

سوف يأتي، يا أورشليم، ملكك راكباً ‘الأتان والجحش’، أي أبرار إسرائيل والوثنيين. لكنني أقول لك أن الجحش سيكون أوفى له وسوف يتبعه مُتقدِّماً الأتان على طريق الحق والحياة. وسوف يفقد إسرائيل السلام، بسبب إرادته الشريرة، ويتعذّب في ذاته، خلال قرونٍ، ما عذَّب ملكه المُحوَّل على يدهم ليكون إنسان الآلام الذي يتحدث عنه أشعيا.”

شمّاي: “فمك ينطق بصبيانياتٍ وتجاديف، أيها الناصري. أجِبْ: وأين هو السابق؟ متى حظينا به؟”

يسوع: “إنه موجود. ألا يقول ملاخي:’ ها إنني أرسل ملاكي يُعدّ أمامك الدرب ….؟ إذاً، السابق يتقدم مباشرة المسيح. إنه هنا، كما المسيح. لو كانت هناك أعوام بين الذي يُعِد درب الرب والمسيح، لكانت الدروب كلها تزدحم وتنحرف. الله يعلم ذلك وقد قرر أن السابق يتقدم ساعةً واحدة المعلم. حين سترون هذا السابق، سوف تستطيعون القول: ‘رسالة المسيح بدأت‘.

لك أقول: المسيح سيفتح عيوناً كثيرة وآذاناً كثيرة حين سيأتي عبر تلك الدروب. لكنها لن تكون التي لك ولا التي لأمثالك، لأنكم سوف تُعطونه الموت مقابل الحياة التي يحملها إليكم. ولكن حين سيكون الفادي على عرشه وعلى مذبحه، أعظم من هذا الهيكل، أسمى من الخيمة المحبوسة في قدس الأقداس، أسمى من المجد الذي يسنده الكاروبيم، سوف تجري اللعنة على قاتلي الله والحياةُ للوثنيين من آلاف آلاف جروحه….”

شَمّاي والمحيطون به: “هذا الناصري هو الشيطان !”

هيلّيل وجماعته: ” لا. هذا الولد هو نبيّ الله. إبقَ معنا، أيها الصغير. إن شيخوختي سوف تنقل ما تعرفه إلى معرفتك وستكون معلّم شعب الله.”

و هنا تنتهي رؤيا يسوع بوجهه المُتَّقِد حماساً روحانيّاً، المُلتفِت نحو السماء، ذراعاه مفتوحتان، واقفاً وسط العلماء المُنذهلين.

يسوع: “الحق أقول لكَ إن كثيرين لو كانوا مثلك، فسيصل الخلاص إلى إسرائيل. لكن ساعتي لم تأتي. إن أصوات السماء تكلّمني، وعليّ أن أستقبلها في الوحدة حتى تأتي ساعتي. إذاك سوف أتوجه إلى أورشليم، بشفتَيّ ودمي، وسيكون مصيري مصير الأنبياء الذين رجمتهم وقتلتهم. إنما هناك فوق كياني، اورشليم الرب الإله، الذي أُخضِع له ذاتي ليصنع مني مرقاة مجده، في انتظار ان يصنع هو من العالم مِرقاة لقدميّ المسيح.

إنتظروني في ساعتي. هذه الحجارة ستسمع مجدداً صوتي وترتجف لكلمتي الأخيرة. طوبى لأولئك الذين يكونون قد سمعوا الله، في هذا الصوت، ويؤمنون به بواسطته. لأولئك سيُعطي المسيح ملكوته الذي تحلم به أنانيتكم بأنه سيكون بشرياً تماماً بينما هو سماوي. لأجل مجيء هذا الملكوت أقول، أنا: ‘ ها هو خادمك، يا رب، جاء يصنع مشيئتك. حقِّقها كاملة، لأنني أتحرّق إلى تحقيقها.’ “

( الانجيل كما كشف لي-١-ماريا فالتورتا)


يسوع أعطى العلامات لمجيئه الأول مع دانيال ويوحنا المعمدان و.. ألا يُعطيها لعروسه (الكنيسة) في مجيئه الثاني لتتحضّر..!!