أخبر الرب يسوع ماريا فالتورتا عن أمه في سفرها من الناصرة إلى بيت لحم:
“سافرت مريم من الناصرة إلى بيت لحم كأنها كانت محبوسة داخل سياجٍ سرّي، مُنفتحة فقط نحو السماء التي كانت تقترب لتكسوها بكلّ بهاءاتها، مواكبها الملائكيّة ألحانها السماوية، كما بقبّةِ عرشٍ مَلَكِيّ مشكوك بجواهر.
كانت في نشوة.
وقد ابتعد الجمع، إذ رأى رجلاً صامتاً يمرّ، يقود بالرسن حماراً صغيراً تمتطيه صبيّة، مُستغرِقةً كليّاً في فكرها الباطني، فقد كان يبدو أن نوراً يتصاعد من تلك المجموعة، وعطراً سماوياً يتموّج وراءها.
ولم يكن ممكناً استيضاح لِمَ الأفقر من هذا الجمع كانوا يبدون ملوكاً يتوزّع الحشد أمامهم احتراماً، مثل أمواج البحر التي تشقّها سفينة مهيبة.
كانت نجمة البحار التي تمرّ، السفينة الحاملة السلام التي تمرّ وسط حرب العالم، الظافرة التي تمرّ حيث زحف إبليس، لتُنظِّف طريق الربّ الذي كان آتياً يجمع السماء والأرض.
كانت ذاهبة، شاحبة ووديعة لمُلاقاة الحُبّ، ليس فقط عناقَ نارٍ روحيّة، بل ودفءَ جسدٍ حقيقي، جسد امرأةٍ، إنما الله أيضاً؛ وعندما كان يوسف يكسر هذه النشوة بدخولها كأنه يجتاز عتبة الله، لمنح امرأته تعزية بعضِ طعامٍ والراحة، لم تكن تملك كلمات كثيرة، بل فقط نظرة، كلمة:’ يوسف!’ ، يداً تُصافَح، وكانت موجة النشوة تنسكب في يوسف كما من كأسٍ ملأى حتى الجمام.
الكلام يُعكِّر الجو حيث يحيا الله، كما لا يحتاج الأبرار إلى كلامٍ ليثقوا بحضور الله وبالتأثيرات الباهرة لهذا الحضور في قلب.
نؤمن أو لا نؤمن.
كانت مريم تملك فيها النار الكليّة القداسة، وكانت ناراً.
كانت قوانين الحياة مُلغاة تقريباً بواقع أنها كانت تحيا من اضطرام.
وكانت تُلغي نفسها بمقدار ما كان الحريق يقترب ليتحوّل جسداً مولوداً حديثاً، بحيث أنها في اللحظة السعيدة لظهوري في هذا العالم، غرقت في النشوة، في بهاء مركز النار الذي طلعت منه حاملةً في ذراعَيها زهرة الحُبّ….
وبعد مُعانَقتها الله بنفسها المُنتشِية، عانقت إبن الله، إبنها، بذراعَيها اللتين لم تكونا تعرفان عناق رجل.”
(يسوع/ دفاتر ماريا فالتورتا٢ ص.٢٣٠).