♱ إِنْجِيل الۤقِدِّيس يوحنا الۤبَشِير ٤:( ٣٩ – ٤٢ ) ، فَلْنُصْغِ
٣٩ فَآمَنَ بِهِ فِي تِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ سَامِرِيُّونَ كَثِيرُونَ، مِنْ أَجْلِ كَلَامِ ٱلْمَرْأَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ، أَنْ قَدْ قَالَ لِي كُلَّ مَا قَدْ صَنَعْتُ.
٤٠ وَلَمَّا سَارَ إِلَيْهِ ٱلسَّامِرِيُّونَ، طَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُمْ، فَمَكَثَ هُنَاكَ يَومَيْنِ.
٤١ فَآمَنَ أُنَاسٌ أَكَثَرُ مِنْ أُوْلَئِكَ جِدًّا، مِنْ أَجْلِ كَلَامِهِ،
٤٢ وَكَانُوا يَقُولُونَ لِلْمَرْأَةِ، لَسْنَا مِنْ أَجْلِ كَلَامِكِ نُؤْمِنُ ٱلْآنَ، لِأَنَّا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ، أَنَّ هَذَا هُوَ فِي ٱلْحَقِيقَةِ مُخَلِّصُ ٱلْعَالَمِ.
- تعليق على الإنجيل المُقَدَّس
من بودوان دو فورد (؟ – نحو 1190)،
كاهن سِستِرسيانيّ
( العظة السّادسة عن الرّسالة إلى العبرانيّين 4: 12 )
«فآمَنَ بِه عَدَدٌ كَثيرٌ مِن سامِريِّي تِلكَ المَدينَة عن كَلامِ المَرأَةِ الَّتي كانَت تَشهَدُ»
إِنَّ كَلامَ اللهِ حَيٌّ ناجع، أَمْضى مِن كُلِّ سَيفٍ ذي حَدَّين، يَنفُذُ إِلى ما بَينَ النَّفْسِ والرُّوحِ” (عب 4: 12). بهذه الكلمات، أظهر كاتب الرّسالة لكلّ الذين يبحثون عن الرّب يسوع المسيح -كلمة الله وقوّته وحكمته- كلّ ما في كلمة الله من قوّة وحكمة. “في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله” (يو 1: 1). وقد كُشف هذه الكلمة في وقتها للرُّسل الذين أعلنوها بدورهم وتلقّاها بإيمان شعب المؤمنين.
إذًا، ثمّة كلمة في الآب، وكلمة في فم الرسل، وكلمة في قلب المؤمنين. الكلمة في الفم هي تجسيد للكلمة الذي في الآب؛ إنّه أيضًا تعبير عن الكلمة الذي في قلب الإنسان. حين نفهم الكلمة أو نؤمن به أو نحبّه، تصبح الكلمة في قلب الإنسان ذكاء الكلمة، أو الإيمان بالكلمة أو حبّ الكلمة. حين تجتمع هذه الثلاثة في قلب واحد ودفعة واحدة، نفهم الرّب يسوع المسيح، كلمة الله، كلمة الآب ونؤمن به ونحبّه… يسكن الرّب يسوع المسيح في هذا الإنسان بالإيمان؛ وبتنازله المدهش، ينزل من قلب الآب إلى قلب الإنسان…
. كلمة الله هذا… هو حيّ: “فكَما أَنَّ الآبَ له الحَياةُ في ذاتِه فكذلِكَ أَعْطى الِابنَ أَن تَكونَ له الحَياةُ في ذاتِه” (يو 5: 26). لهذا السبب، ليس حيًّا فحسب، إنّما هو الحياة، كما هو مكتوب: “أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة” (يو 14: 6). ولأنّه الحياة، فهو حيّ ليحيي، لأنّه “كَما أَنَّ الآبَ يُقيمُ الموتى ويُحيِيهِم فكَذلِكَ الِابنُ يُحيِي مَن يَشاء” (يو5: 21).
تفسير آبائي لإنجيل الۤقِدِّيس يوحنا الۤبَشِير ٤:( ٣٩ – ٤٢ )
“فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين،
بسبب كلام المرأة التي كانت تشهد أنه قال لي كل ما فعلت”. (39)
لم يرَ أهل سوخار معجزة ما، لكن ما اجتذبهم إلى السيد المسيح هو شخصه وحديثه الإلهي. تمتعوا بكلمة المسيح الواهبة الحياة، هذا ما سيؤكده الإنجيلي في الحقبة التالية…
في حواره الأول السابق مع نيقوديموس القائد الديني ركز السيد على الميلاد الجديد بالمعمودية، وهنا يركز السيد على شخصه لكي يقبله الأمم ويتمتعوا بعمله الخلاصي.
إن تطلعنا إلى ما يُقال بخصوص السامرة، والمرأة السامرية وبئر يعقوب فإنه ليس من الصعب أن نرى كيف أن هؤلاء الذين أُحبطوا بالتعاليم الباطلة تركوا مدينة آرائهم كما لكي يتمتعوا بالتعليم الصادق. وإذ تركوها آمنوا بحق بالتعليم الخلاصي بسبب امرأة واحدة سبق فقبلت تعليم الخلاص عند بئر يعقوب، وقد تركت جرتها السابقة المُشار إليها لكي تدعو الآخرين لكي ينتفعوا بنفس الطريقة.
من الآباء
“فلما جاء إليه السامريون،
سألوه أن يمكث عندهم،
فمكث هناك يومين”. (40)
يرى العلامة أوريجينوس أن يسوع مكث معهم ليس في مدينتهم، إذ خرجوا إليه خارج مدينتهم (٣٠)، أي مكث في عقولهم.
لم يذكر الكتاب أنه صنع آيات بينهم، إذ كانوا بسطاء محتاجين ومستعدين لسماع الكلمة، تعلقوا بالسيد المسيح من أجل الحق. ولم يطلبوا آيات لكي يتحققوا من شخصه كما طلب كثير من القيادات اليهودية.
في إنجيل لوقا نجد سامريين رفضوا أن يعبر يسوع بمدينتهم (لو ٩: ٣٥). هنا نجد سامريين يسألونه أن يمكث معهم، ففي كل شعب نجد من يقبل الحق، ومن لا يطيقه.
مع أن السيد المسيح كان في طريقه من اليهودية إلى الجليل، ومرّ عابرًا بالسامرة، فإنه إذ وجد فرصة للخدمة، وقبولاً للكلمة لم يرفض طلب السامريين بل مكث معهم يومين.
يبقى يسوع مع الذين يطلبونه، خاصة عندما يترك سائليه مدينتهم، ويأتون إلى يسوع، مقتدين بإبراهيم عندما أطاع الله الذي قال له: “أخرج من مدينتك ومن شعبك ومن بيت أبيك” (تك ١٢: ١).
يبقى يسوع يومين مع الذين يسألونه، لأنهم لم يدركوا بعد يومه الثالث، إذ كانوا غير قادرين على إدراك أي شيء معجزي مثل هؤلاء الذين أكلوا مع يسوع في اليوم الثالث في عرس قانا الجليل (يو ٢: ١).
من الآباء
“فآمن به أكثر جدًا بسبب كلامه”. (41)
لقاؤهم مع السيد وهبهم نموًا في الإيمان وتزايدًا في عدد المؤمنين.
نال اليهود معرفة أكثر من السامريين، وتعرفوا دومًا على الأنبياء، وأكلوا معهم، فظهروا في هذا أنهم متأخرون عنهـم، لأن هؤلاء السامريين آمنوا بالمسيح بناء على شهادة امرأة، دون أن يبصروا منه معجزة واحدة، وخرجوا مسرعين يطلبون من المسيح أن يقيم عندهم، أما اليهود فشاهدوا بأعينهم عجائبه، وليس أنهم لم يستبقوه معهم بل طردوه بعيدًا، واستخدموا كل وسيلة لاستبعاده عن بلادهم، مع أنه قد جاء أصلاً لأجهلم.
سيدين هؤلاء السامريون اليهود بإيمانهم بالمسيح وقبولهم إياه، لأن أولئك اليهود بعد كل أعماله وعجائبه قاوموه دفعات متصلة، أما السامريون فبدون آيات أظهروا إيمانهم به.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“وقالوا للمرأة:
إننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن،
لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم”. (42)
رؤيتهم للسيد المسيح وسماعهم له ثبَّت إيمانهم الذي تسلموه من المرأة، وانجذب كثيرون معهم في ذات الإيمان، كما تعرفوا عليه أنه ليس مخلص اليهود وحدهم ولا معهم السامريون فحسب، بل هو بالحقيقة مخلص العالم الذي قال عنه إشعياء النبي: “جعلتك نورًا للأمم، لتكون خلاصي إلى أقصى الأرض” (إش٤٩: ٦).
إيمانهم حمل يقينًا “بالحقيقة المسيح مخلص العالم”، وكما قالت ملكة سبأ لسليمان الملك: “صحيحًا كان الخبر الذي سمعته في أرضي عن أمورك وحكمتك، ولم أصدق، حتى جئت وأبصرت عيناي، فهوذا النصف لم أُخبر به” (١ مل ١٠: ٦-٧).
هذه هي البذار التي غرسها السيد المسيح في السامرة في خلال يومين، نسمع بعد حوالي أربع أو خمس سنوات عن تبشير فيلبس في السامرة، حيث وجد بذارًا صالحة في الأرض (أع ٨: ٥-٦، ٨). كما وجد أيضًا أشرارًا مثل سيمون الساحر (أع ٨: ٩-١٠).
تفوَّق الدارسون على معلمتهم، وصار لهم الحق في إدانة اليهود بقبولهم له وإيمانهم به… أدركوا في الحال أنه سوف يجتذب العالم إليه، وأنه جاء ليصنع خلاصًا لنا شاملاً، ولا تقتصر رعايته على اليهود وحدهم… إنه المخلص الحقيقي الذي يهب الخلاص الحقيقي الأبدي وليس الزمني.
القديس يوحنا الذهبي الفم
لم يصفوا المسيح مخلصًا على بسيط ذات الوصف، لكنهم قالوا: “نحن نعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم”، الواهب الخلاص الحقيقي لا الخلاص الوقتي فقط. وهذا القول كان عن إيمان خالص، والدليل على ذلك أولاً لأن إيمانهم كان خاليُا من عجائب شاهدوها. ثانيًا على الرغم من أنهم سمعوا المرأة قائلة في ارتياب “ألعل هذا هو المسيح” لم يقولوا إننا نظن أنه المسيح، لكنهم قالوا: “نحن نعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم”. فإنهم لم يعترفوا بالمسيح كأنه واحد من كثيرين، لكنهم أقروا أنه بالحقيقة المخلص، ومع أنهم لم يبصروه قد خلص، وإنما سمعوا كلامه قالوا هذا القول، فلو أنهم أبصروا عجائبه لقالوا أقوالاً كثيرة عظيمة. وإذ قالوا عن المسيح إنه مخلص العالم أوضحوا أنه مخلص العالم الضال.
القديس يوحنا الذهبي الفم
لقد جحدوا إيمانهم القائم على حديث المرأة، وذلك عندما اكتشفوا أن سماعهم للمخلص نفسه أفضل من هذا الإيمان. فقد عرفوا هم أيضًا “أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم” (٤٢).
حقًا إنه من الأفضل أن تكون شاهد عيان للكلمة، وأن تسمع له، دون استخدام الأعضاء الجسمانية وتدَّخل المعلمين، هذا الذي يعلم ويقدم صورًا أمام العقل لإظهار الحق بأكثر وضوح، أفضل من الاستماع للرسالة عنه خلال الخدام الذين رأوه بينما لا يراه الشخص ولم يستنر بقوته.
ليس بالأمر المدهش في الحقيقة أن البعض يُقال عنهم أن يسلكون بالإيمان لا بالعيان، وآخرين يسلكون بالعيان (الداخلي) الذي هو أعظم من السلوك بالإيمان (دون خبرة الرؤية الداخلية).
من الآباء
♱ الۤمَجْدُ للآبِ وَالِإبنِ وَالرُّوحِ القُدُس كَمَا كَان فِي البَدْءِ
وَالۤآن وَعَلى الۤدَّوام وَإلى دَهْرِ الۤدَّاهِرِين آمين ♱
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
المرجع: الكتاب المُقَدَّس الفولغاتا BIBLIA SACRA VULGATA).