عَ مدار الساعة


القاضي البيطار يخوض أُمّ المعارك


أمين أبوراشد – يستطيع القاضي طارق البيطار إعلان انتصاره من حيث الشكل، في المعركة المُحتدمة بين السلطتين القضائية والسياسية، طالما أن دفوع المُتَّهمين جاءت شكلية، مما يؤكد الظن بهم في المضمون، سواء أتت هذه الدفوع بطلب نقل الدعوى، كما جاء في ردّ الوزير السابق يوسف فنيانوس، أو ردّ هذه الدعوى لعدم صلاحية النظر بها من طرف محكمة مُعيَّنة كما فعل الوزير السابق نهاد المشنوق، أو تحت حجَّة الإرتياب كما يتذرَّع النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر، والدفوع الشكلية عادة، هي الوسيلة التي يلجأ إليها الطرف المُتضرر من الوصول الى المضمون في كافة النزاعات القضائية.

وبصرف النظر عن مثول أي من المُتَّهمين المذكورين أمام القاضي البيطار أو رفضهم الحضور، فإن المعركة ذاهبة الى التصعيد، وربما عبر إصدار مذكرات توقيف غيابية بحق المُتخلِّفين، علماً بأن وزارة الداخلية ليست في وارد الإقدام على خطوة “إلقاء القبض”، طالما أن الحسابات السياسية بلغت ذروتها، وقرارات القاضي بيطار سوف تُلامس “ذقوناً عالية”.

هي أمّ المعارك غير المسبوقة منذ قيام الكيان اللبناني والمؤسسة القضائية اللبنانية، ليس لأن تفجير المرفأ خلَّف هذا الكمّ من الضحايا والتدمير، بل لأن مصير القضاء اللبناني بات على المحكّ الى الأبد، سواء أصاب القاضي البيطار هنا أو أخطأ هناك، خاصة لجهة التركيز على مَن ارتكب الأخطاء في التعامل مع مواد الإنفجار خلال وجودها في مرفأ بيروت، وعدم الإضاءة عن الذين استوردوها وأدخلوها، سيما وأن حزب الله كان “المُتَّهم” الرئيسي في استقدامها في إعلام خصومه، فيما سمعنا الأمين العام السيد حسن نصرالله يُصرّ في إطلالته ليل الإثنين الماضي على كشف مَن استقدم البضاعة الى مرفأ بيروت، ونحن نرى أن مَن وضع قنبلة في أساسات منزل هو المجرم الأول، ومَن أساء التعامل معها هو مرتكب بصرف النظر عن حجم المسؤولية تراتبياً، سواء على الوزراء أو المدراء العامين أو رؤساء المصالح أم على القادة الأمنيين والقضاة.

وأقل ما يُقال في النتائج السياسية لتحقيقات القاضي البيطار، أن عدم مثول فنيانوس والخليل وزعيتر والمشنوق أمام القضاء لن يمنع إصدار القرار الظني بهم، ومحاولة كفّ يدّ القاضي البيطار لأي سببٍ كان لن تكون صكّ براءة سياسي للمتهمين، خاصة النواب منهم عشية الإنتخابات النيابية، وقد يجد البعض نفسه غير قادرٍ على ترشيح نفسه مجدداً لو كان مستقلاً مثل النائب نهاد المشنوق، ويكون المتهمون الآخرون عبئاً إنتخابياً على أكتاف حركة أمل وتيار المردة، بطريقة مباشرة في حال إعادة ترشيح الخليل وزعيتر على لوائح أمل، وغير مباشرة في حال استمرار الوزير السابق سليمان فرنجية بحماية يوسف فنيانوس.
  
وفي المُحصِّلة، القاضي البيطار باقٍ قاضياً بطلاً، لأنه مسَّ “العزَّة السياسية” التي تُقارب الألوهة في لبنان، ويُمارس مهامه بقوَّة العدل، وحتى لو تمّ عزله سيبقى بطلاً يدفع ثمن جرأته على “كبار القوم”، بينما مصير المتهمين الذين قد يتخلَّفون عن المثول أمامه لتبرئة أنفسهم سوف يكون نهايتهم سياسياً، وليتهم يمثلون قبل فوات الأوان…