من الواضح تماماً أنه بعد الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003، ثم العمل على تجزئته الى كونتونات مذهبية وأتنية، وضعت واشنطن نصب أعينها، توجيه ضربة لسورية التي تشكل العمود الفقري لمحور المقاومة، وسنحت الفرضة للمحور الأميركي في محاولة توجيه هذه الضربة، من خلال إستغلال جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005، وإتهام المحور الغربي، دمشق وحزب الله، كذلك الجهاز الأمني اللبناني- السوري آنذك، كونه كان مسؤولاً عن الأمن في لبنان، في تلك الحقبة، أي (مرحلة ما قبل الإنسحاب السوري من لبنان في 26 نيسان 2005).
وإثر الجريمة المذكورة، نظمت في بيروت التظاهرات المطالبة بالخروج السوري من لبنان، ومحاكمة القادة الأمنيين اللبنانيين، لضلوعهم في هذه الجريمة، من دون أي دليل قانونيٍ على ذلك، وقبل إجراء أي تحقيق قضائي معهم. ونظمت الحملات الإعلامية المشبوهة “لإدانة” القادة الأمنيين في الشارع، وهم :الضباط الأربعة اللواءين جميل السيد وعلي الحاج، والعميدين مصطفى حمدان وريمون عازار. وزج بهم في معتقلات “ثورة الأرز” نحو أربعة أعوام من دون أي مسوغٍ قانوني.
بعدها همدت حملات المحور الغربي – الخليجي التي تستهدف محور المقاومة ككل، وسورية تحديداً، لتأمين إنسحاب بعض الوحدات العسكرية للاحتلال الأميركي من العراق ما بين عام 2008 و2011، لما لدمشق من تأثيرٍ في الساحة العراقية. وشهد لبنان في تلك المرحلة (2008- 2011) إستقراراً نسبياً، خصوصاً بعد إنعقاد مؤتمر الدوحة في أيار من العام 2008، الذي أفضى الى إنتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. ثم في نهاية العام 2010، أطلقت واشنطن وأدواتها في المنطقة، ما يسمى بالربيع العربي، ولاتزال ناره مشتعلةً في سورية والمنطقة حتى الساعة، في حربٍ غير مسبوقة تستهدف دمشق وحزب الله ومحور المقاومة، عسكرياً وأمنياً واجتماعياً ومعيشياً، من خلال شن حرب اقتصادية شعواء على هذا المحور، بهدف تجفيف الأسواق اللبنانية والسورية من السلع الإستهلاكية الأساسية للمواطنين، بالتعاون مع منطومات الفساد في البلدين، خصوصاً لبنان بهدف إرباك المقاومة وحلفائها، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي وصل الى الحكم من خارج منظومة الفساد، ودولتها العميقة، لذا تحاول هذه المنظومة إفشاله، ومنعه من تحقيق الإنجازات، بحسبب رأي مرجع قريب من محور المقاومة. ويؤكد أن رئيس الجمهورية لن يتراجع عن كشف الفاسدين وملاحقتهم قانونياً.
في المقابل يشنون الحرب التجويعية وفرض الحصار على دول المحور المذكور، وإفقار الشعوب المكونة لدوله ، في وقت تعمل فيه واشنطن على تعزيز عناصر الرفاهية في الدول الملحقة بها، كالسعودية والإمارات و”إسرائيل”، وهكذا تسعى الإدارة الأميركية لفرض حالتين في المنطقة، احدهما محور مترهل إقتصادياً وأمنياً، وغير مكتفٍ داتياً، وعاجزٍ عن مواجهة “إسرائيل” وحلفائها، ومحور آخر منضوٍ تحت اللواء الأميركي، ويحظى بالرضى “الإسرائيلي”، يعيش إستقراراً إقتصادياً وأمنياً واجتماعياً.
وفي ضوء هذا المسعى الأميركي المذكور لتجويع شعوب الدول المنضوية في محور المقاومة كلياً أو جزئياً، كلبنان،لا يمكن لمنظومة الفساد المتحكمة في مفاصل مؤسسات الدولة اللبنانية أي (الدولة العميقة)، أن تنتج غير الفساد، فهي غير قادرة على إنتاج أي طروحاتٍ للخروج من الأزمة الراهنة، وفي الاصل هي من تسببت بها، من خلال ضرب الإقتصاد المتتج في لبنان، وتحويله الى إقتصادٍ ريعيٍ، لتجميع أموال الشعب اللبناني وسواه في المصارف، ثم نهبها.
كذلك فإن هذه المنظومة غير فعالةٍ لدى المحور الغربي ، كونها عاجزةً عن منع نشاط حزب الله في لبنان والمنطقة في آنٍ معاً. إذا، إن هذه المنظومة غير مجديةٍ الا في إنتاج المزيد من الفساد والإفساد، والأزمات ليس إلا. بينما لبنان ومقاومته في حاجةٍ الى طبقةٍ سياسيةٍ غير هذه الطبقة البالية الممسكة في زمام السلطة، لتأمين حماية ظهر المقاومة، فلا يمكن الاعتماد على حلفاء منغمسين في الفساد، فحتماً سيكون جلّ هدفهم حماية فسادهم، لا مشروع المقاومة.
وفي سياق الحرب التجويعية على لبنان و”تجفيف أسواقه”، جاء قرار حكام مصرف لبنان رياض سلامة الأخير، برفع الدعم عن المحروقات، ومعلوم لدى الجميع أن سلامة لا يخرج عن السقف الأميركي، ولايمكن في الوقت عينه إغفال الحسابات الداخلية لهذه القرار، تحديداً المواجهة بين رئيس الجمهورية والمنطومة الحاكمة ومهندس ماليتها سلامة.
وعن التوقيت المريب لإصدار القرار الأخير، تعتبر مصادر سياسية قريبة من فريق 8 آذار، أن هذا القرار هو أميركي البعد ولكن جاء وفقاً لتوقيت حساباتٍ داخلية، وحسب ما تقتضيه طروف المواجهة بين الرئيس عون ومنظومة الفساد. التي تحاول الحفاظ على مكتساباتها الراهنة، وتقديم نفسها في المرحلة المقبلة، اي ما بعد دفن إتفاق الطائف، لذا سنشهد احتداماً في المواجهة، خصوصاً في ضوء الأجواء الإيجابية الناجمة عن لقاءات تأليف الحكومة المرتقبة، بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، تختم المصادر.
وتعقيباً على ذلك، يكشف أحد أعضاء تكتل لبنان القوي، أن لقاءات “التأليف”، وصلت الى مرحلةٍ متقدمةٍ جداً، (مرحلة إسقاط الأسماء على الحقائب)، ولا يسنبعد ولادة الحكومة المنتظرة الأسبوع المقبل، اذا صدقت النيات، ولم تواجه بخلق العراقيل.
المصدر: الثبات