سورية وايران والمخاوف من تنازلات روسية ليست في محلها (تقرير هام يسلّط الضوء)
ثلاثة لقاءات إيرانية سورية بين طهران ودمشق في أسبوع يعني أن الأولويات الميدانية تتقدم على أي حل سياسي لا يزال طور التشكل خاصة ألا يقين من أن تلتزم دول إقليمية بتعهدات أطلقتها في موسكو أو أنقرة بضم المجموعات المسلحة إلى هذا المسار.
لا استراحة في المشاورات الإيرانية السورية وعلى أعلى المستويات. اللقاء الأخير لأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمحاني مع الرئيس السوري بشار الأسد لم يتح الكثير من الوقت كي تبرد جبهة الاتصالات مع دمشق. فقد وصل شمخاني إلى دمشق في ركاب علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى، بعد ساعات من مغادرته العاصمة السورية، وثلاثة أيام من محادثات دمشقية مكثفة شملت أيضاً الرئيس الأسد، واللواء علي مملوك، مدير مكتب الأمن الوطني.
شمخاني استأنف هو أيضاً لقاءات في طهران مع اللواء مملوك قبل عشرة أيام، انطوت أولاً على خروج المسؤول الأمني السوري الأول من ظلال القرار والدبلوماسية السورية الموازية ليقف أمام الكاميرات وتحت أضوائها، بشكل غير مسبوق لم يعهده رجل الاتصالات السرية في سوريا. كما انطوت في المضمون وفي التصريحات، سواء في دمشق أو في طهران، على مراجعة سورية إيرانية مشتركة للمسار الذي انفتح بعد وقف اطلاق النار، وتبلور تفاهم تركي روسي يثير قلق طهران ودمشق على السواء. المواقف الإيرانية في دمشق بيّنت أن اتفاق حلب، الذي استعجل الروس فيه إصعاد المسلحين من شرق حلب إلى الباصات الخضراء، لا يزال يشكّل خيبة كبيرة للإيرانيين والسوريين. بات واضحاً أن الروس قدّموا للأتراك، ولإنجاح الاتفاق والتخلص من الضغوط الغربية والإعلامية، تنازلات كبيرة و غير مبررة للفصائل المسلحة في ظل الانتصار الميداني الواضح للجيش السوري والحلفاء، لذا قال شمخاني في أول تصريح ينتقد الموقف الروسي، من دون تسميته “إن باصات المسلحين ما كان لها أن تخرج إلا إلى الأسر”.
وقدمّت غرفة عمليات الحلفاء، التي لا تلجأ الى البيانات إلا في ما ندر، مؤشرات على وجود أكثر من تباين مع الروس، في النظر الى الهدنة، واقتصار الاستفادة منها راهناً على المجموعات المسلحة. إذ حذّرت في بيان قبل خمسة أيام من الاستعدادات الكثيرة التي تقوم بها المجموعات المسلحة، لخرق الهدنة والهجوم على حلب. ولا يخالج غرفة عمليات الحلفاء، التي تضم ضباطاً كباراً من الحرس الثوري الإيراني، أي شك في استخدام المجموعات المسلحة للهدنة لإعادة تنظيم صفوفها وترميم بنيتها التسلحيّة.
وكان لقاء وزير الدفاع القطري بقادة هذه المجموعات في أنقرة قبل أسبوع، بحسب مصادر في المعارضة، قد شهد نصيحة بعدم الاندماج مع جبهة فتح الشام، لقاء تعهدات بتعويض المجموعات ما فقدته من أسلحة في “ملاحمها” الحلبية المتعددة التي فقدت فيها الكثير من السلاح والأفراد، قبل أن تطرد من مدينة حلب.
ويفترق الروس والإيرانيون، حول مغزى التواجد التركي فوق الأراضي السورية. لم يتعلق الأمر بخلاف لساني حول تسمية درع الفرات التي تشكل غطاء لاحتلال تركي، بنظر دمشق وطهران ينبغى إنهاؤه، فيما اندفع الروس إلى منحها غطاءً جوياً في قتالها داعش لاقتحام مدينة الباب.
يخشى السوريون والإيرانيون أن تعود المجموعات المسلحة إلى تهديد حلب، بعد دخولها الباب التي لا تبعد أكثر من 12 كيلومتراً شرقاً عن منطقة الشيخ نجار الصناعية شمال شرق حلب، فيما لا تزال المجموعات التي طردت من المدينة ترابط غرب حلب في الراشدين وأريافها الغربية، وتنتشر في جبهات الجنوب الحلبي قرب خان طومان.
وتعكس كثافة الاتصالات على خط دمشق طهران، بعيداً عن أي مشاورات موازية مع الروس، تبلور اتجاه سوري إيراني يسعى إلى إعادة التوازن داخل التحالف مع الروس، الذي لا يسعُ أحد أطرافه الاستغناء عن الآخر. علي شمخاني، وقبله بروجردي في دمشق لبلورة وجهة مشتركة معها تمنع تمرير حل سياسي على حساب محور المقاومة في مؤتمر الأستانة. طهران تعيد ترتيب الأولويات بتصحيح المسار عبر التراجع خطوة عن الإعلان الروسي التركي الإيراني وبأنها ستشارك كمراقب فقط في رافعة بذلك الغطاء عن حل لا يأخذ بعين الاعتبار الثوابت السورية الإيرانية فيما تتأهب على الأرض على ما قاله اللواء على مملوك لمواصلة الحرب على الإرهاب في استنفار سياسي وميداني. ثلاثة لقاءات إيرانية سورية بين طهران ودمشق في أسبوع يعني أن الأولويات الميدانية تتقدم على أي حل سياسي لا يزال طور التشكل، خاصة ألّا يقين من أن تلتزم دول إقليمية بتعهدات أطلقتها في موسكو أو أنقرة بضم المجموعات المسلحة إلى هذا المسار.
المصدر: الميادين