حسان الحسن –
تاخذ التجاذبات الميدانية والسياسية والديبلوماسية حول الازمة السورية ابعادا متداخلة ومتناقضة بين الاطراف الرئيسية المعنية بهذه الازمة،
ان كان لناحية سورية وحلفائها والمدعومين من روسيا وايران، الذين يسعون لتسوية حقيقية صادقة تاخذ بعين الاعتبار حقوق كافة المكونات السورية حتى المعارضة منها، اما لناحية الولايات المتحدة، الغائبة عمليا عن الحوارات المباشرة ، ولكن الحاضر الاكبر تحت الطاولة بما تملك من اوراق قوة وعرقلة وتفجير، اما لناحية تركيا التي ، لا شك ان موقفها غير واضح حتى الان في جديتها ، او في مراوغتها ، وذلك في محاولة تبدو يائسة لاستيعاب صدمة تحرير الجيش العربي السوري وحلفائه لمدينة حلب، وما نتج عن هذه الخطوة من نقاط حيوية واستراتيجية كسبتها الدولة السورية.
بالرغم من ان تركيا قد حازت على عطف روسيا وايران لناحية اعطائها دورا اساسيا في محادثات استانة المرتقب حصولها قريبا بين ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة المسلحة في كازخستان، فمن الواضح انها ( اي تركيا ) لم تكن على قدر المسؤولية لناحية هذا الدور، وهي ما زالت مستمرة في دعم المجموعات التكفيرية المسلحة ، وبما ان الاخيرة تشكل إمتداداً للوجود التركي في سورية ، وحيث كانت اغلب تلك المجموعات وما زالت تلعب الورقة التركية بكافة ابعادها الاجرامية والتوسعية والتدميرية على الدولة السورية ، فان انقرة تبقى محرجة امام الجدية الروسية في توجيهها ومساعدتها على الذهاب وبصدق في طريق تغيير مخططاتها واجنداتها ، فهي من ناحية اذا أوقفت دعمها ورعايتها للجماعة المسلحة قبل تثيبت وجودها في أي عملية تفاوض مقبلة لوقف نزيف الدم السوري، تكون بذلك قد خرجت من المعادلة سورية ، ويكون كل ما فعلته على مدار ستة أعوام من تحريض ودعم ورعاية لتدمير سوريا قد ذهب هباءً.
من جهة اخرى ، تعتبر مصادر في المعارضة السورية أن وقف الأعمال الحربية الذي بدأ في سورية نهاية العام الفائت ، بضمانة روسية وموافقة تركية، قد يمهد الى إطلاق تسوية سياسية لإنهاء الأزمة، تكون الغلبة فيها لمصلحة الدولة السورية، وليس بالضروري للسلطة الحاكمة حاليا ، وتؤكد ايضا هذه المصادر أن الولايات المتحدة الأميركية ستكون حاضرة في التسوية، إذا حصلت، ولا يعني عدم مشاركتها في “لقاء أستانة” المزمع عقده بعد حوالي أسبوعين، والذي يضم ممثلين عن الأطراف الرئيسيين الحاضرين في الأزمة المذكورة ، انها ستكون غائبة عنه ، بل بالعكس سوف يكون لها دور اساسي من خلال المسلحين المعارضين الذين دأبت دائما على دعمهم ورعايتهم وتهيئتهم لهذه المفاوضات ، وعليه ، فإذا رفضت الإدارة الاميركية الجلوس الى طاولة واحدة مع طهران، الحاضرة بصفة مراقب في لقاء “استانة” المرتقب، عندها يتم التواصل مع الطرف الأميركي، بالتفاوض غير المباشر، عبر الروس، ودائما برأي المصادر.
ولاريب أن الزيارات التي يقوم بها كبار المسؤولين الإيرانيين لدمشق، ولقائهم الرئيس بشار الأسد، ومنها الزيارتين الاخيرتين لرئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني علاء الدين بروجردي، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، تاتي في سياق التنسيق وتوحيد الرؤى مع القيادة السورية في العمليات التفاوضية المرتقب.
ويكشف المصدر المذكور آنفا، أن مختلف منصات المعارضة السورية، تحاول “غربلة” مواقفها للذهاب بموقف موحد الى أي عملية تفاوضية تعقد مع السلطة، رغم الصراعات المستشرية فيما بينها .
في المقابل، يعتبر مصدر سياسي انه لا يمكن التعويل على نجاح أي مفاوضات، قبل التزام الجانب التركي باتفاق وقف النار، وعدم خرقه من الجماعات المسلحة المحسوبة أو المقرّبة من تركيا، كـ “حركة أحرار الشام” و”حركة نور الدين الزنكي” وحتى “الحزب الإسلامي التركستاني” و”جبهة فتح الشام”، التي لا يمكن بدورها أن تقدم على اي عمل عسكري من دون تنسيق مع انقرة، على الرغم من المواقف العلنية التي يطلقها المسؤولون الأتراك في شأن الانخراط في الحلّ السياسي.
من هنا يظهر هذا الضياع التركي فيما تحاول اعتماده من استراتيجية غير واضحة وغير متوازية بين اقوالها وبين افعالها على الارض لناحية دعم مسلحيها المحسوبين اساسا عليها ، ام لناحية العمل الصادق والجدي للمساهمة بانهاء الازمة السورية التي ، من الواضح ان نيرانها بدأت تدخل الاراضي التركية والتي هي على ما يبدو هشة لدرجة ان اي احتكاك داخلي سوف يسبب بانفجار كبير على الساحة التركية ، لن تسلم منه حكومة العدالة والتنمية ولا رئيسها رجب الطيب اردوغان الضائع المرتبك.
المصدر: المردة