كتبت رندلى جبور***
لم يُرجم أحد في لبنان بالقدر الذي رُجم فيه ميشال عون. كلهم عالبطل! ومع تكاثر فعل شيطنته في الاعلام والسوشال ميديا لا بدّ من السؤال: أي خطايا ارتكب هذا الرجل حتى يستحق كل ذلك؟
هل هو من أدخل الغريب إلى لبنان وحارب بسلاحه؟ طبعاً لا!
هل هو من وضع ووقّع على اتفاق الطائف الذي ندفع ثمنه كل يوم أكثر؟ بل كان ضدّه وترافق مع نفيه بقوة الطيران؟
هل هو من استلم السلطة التنفيذية طيلة فترة التسعينات وحتى اليوم؟ قطعاً لم يفعل.
هل هو من وضع السياسات المالية المميتة والسياسات الاقتصادية الخاطئة؟ هذه ليست صنيعة يديه؟
هل هو من سرق المال العام أو هدره؟ هل هو من راكم الدين العام؟ هل كان شريكاً في ملفات فساد الكازينو والمرفأ والمطار والمهجرين وغيرها؟ هل هو صاحب الاحتكارات، بل هل يملك شركة واحدة أو يغطي صاحب شركة مشبوهة؟ هل هو من رسم الفوائد العالية التي عدنا وسقطنا في شباكها؟
هل عليه شبهة واحدة في أحد المجالس أو الصناديق؟ هل دفع يوماً للإعلام لتبييض صورته؟ هل هو من ثبّت سعر الصرف؟ او من ثبّت سعر الكهرباء؟ هل هو الذي منع قيام السدود والبنى التحتية والمشاريع التنموية؟ هل تعامل مع الغريب أو كان يوماً أداة للمشاريع الخارجية؟
هل هو من عطّل اقتراحات القوانين الاصلاحية في مجلس النواب؟ أو هو من منع صدور المراسيم التنفيذية؟
هل هو القضاء الذي لم يحاكم الفاسد؟ هل هو من أدخل ضباطاً إلى السلك بالواسطة؟ هل هو حاكم المصرف المركزي الشريك الأساسي في الانهيار؟ هل هو الوزير الذي لم يقم بعمله؟ او السياسي الذي لم يضع خطة أو مشروعاً يوماً؟ هل هو الشعبوي الذي يركب على ظهر الناس فقط للوصول؟ هل هو السلبي الذي يرفض أي حل أو مبادرة تفيد البلد؟
الجواب على كل هذه الاسئلة هي طبعاً لا! ليس ميشال عون متورطاً بأي من هذه الجرائم؟ فنسأل إذاً، ما هي خطايا ميشال عون حتى يستحق كل هذا الرجم؟
لعل خطيئته الأولى هي أنه لا يشبههم، ولم يدخل يوماً في لعبتهم ولم يكن ولن يكون شريكاً في فسادهم. ولذلك يرجمونه. لأنه كان الحر حين كان الجميع تابعاً لاحتلال أو وصاية. وكان الشريف حين كان الجميع غاطساً في الفساد. وكان المنادي بالإصلاح حين كان الجميع يعمل من أجل مصالحه الخاصة. وكان المبادِر حين كانوا متلقين للأوامر. وكان صاحب اقتراحات القوانين حين كانوا يدفنونها في الجوارير. وكان صاحب المشروع الوطني حين كانوا ينفذون مشاريع خارجية. ولذلك يرجمونه. لأنه يعرّيهم. لأنه هزّ منظومتهم العميقة. لأنه دلّ على الحقيقة. لأنه فتح عيون الناس بعدما حاولوا تعميتها. لأنه ببساطة لا ينتمي إلى طمعهم وجشعهم!
أما خطيئة ميشال عون الثانية فهي أنه رؤيوي. كان يرى التحرير فيما كانوا يقولون عنه مستحيلاً. كان خارج الواقعية بواقعية بعيدة المدى. لأنه رأى لبنان القوي حين اعتبروا أن قوته في ضعفه. لأنه سمح للشعب أن يحلم حين كان الحلم ممنوعاً. لأنه يرى لبنان النظيف بينما هم يريدونه متسخاً لكي يشبههم. لأنه وثق وحلم وتأمّل ولا يزال. لأنه خرج من اللحظة الآنية إلى رحاب الغد الذي سيأتي حتماً ولو مانعوا.
وخطيئة ميشال عون الثالثة أنه أعاد الشراكة والدور. أعاد علاقة المسيحيين بوطنهم بكامل مندرجات تلك العلاقة. لأنه قال لا لتسلط فريق على فريق أو مجموعة على أخرى أو طائفة على شقيقة لها، وقال لا لقضم الحقوق، ووقف إلى جانب جزء أساسي من المجتمع اسمه حزب الله ليستفيد لبنان من هذه الشراكة ومن قوّتها بدلاً من التناحر والتنافر داخل الوطن الواحد. لأنه كسّر المتاريس الوهمية وفتح الحدود المصطنعة داخل البلد الواحد، وقال للجميع إن الوطن للجميع على حدّ سواء.
أما الخطيئة الرابعة فهي قوله الدائم للحقيقة ووقوفه الأبدي مع الحق. هذا الرجل لم يخدع مواطنيه. هو منهم وهم جزء من كينونته. وأثبت بتصرّفه أن القائد هو الشعب والشعب هو القائد. وليس الزعيم هو الأعلى بينما الشعب تابع. ليس من ربّ أعلى في هذا الوطن بالنسبة إليه. لقد حرّر الناس من العبودية. ما أعظم تلك الخطيئة حقاً!
خطيئته الخامسة أنه رجل لا يستسلم. ولا يتخلى عن مسؤولياته في منتصف الطريق. ولا تمنعه أي حرب عليه من استكمال مشروع بناء الدولة مهما كان الثمن باهظاً. فهو من طينة الرجال الذين يعتبرون أن مهما كانت كلفة البناء باهظة إلا أن كلفة الانكفاء ستكون أكبر. يحمل كرة النار ويسير فيها محاولاً إطفاءها. لا تثنيه شتيمة، ولا تضعفه شيطنة، ولا تكسر إرادته محاولات إنهائه أو إقصائه. يريدون أن يرتاحوا منه لكنه اختار أن لا يرتاح لنرتاح نحن، ولو بعد تعب جماعي.
هذه هي خطايا ميشال عون، ونفهم بعد كل ذلك لماذا يصرخون: اصلبه اصلبه. فهو المنقذ الذي لا يريدون له أن ينجح لكي لا يخسروا هم. ولكن السائر على درب الجلجلة يقول بثبات وإيمان: سامحهم يا أبتي ولو كانوا يدرون ماذا يفعلون! أما من لا يدري من الناس، فسيأتي يوم ويقولون فيه: لقد أخطأنا، فقد كانت خطايا ميشال عون أنه أراد خلاصنا!