الحوت من الكائنات الحيّة النادرة و المهدّدة بالإنقراض، و هكذا هي أعماله أيضًا…
كريس تشوبوريان (جبّور)
وظّف أرباب الفساد ذات يومٍ في لبنان حوتًا ليتولى رئاسة مجلس إدارة شركة وطنية و ليمثّلهم في نشر ثقافتهم في هذا القطاع، سرعان ما اعتقد أنّ أنياب أربابه قد حوّلته إلى قرشًا مخيفًا و أن أجنحة طيرانه تخوّله من أن يحلّق فوق الشعب اللبناني، لكن اسمع أيّها الحوت: مهما كان حجمك كبير، أذكر أنّك في بحر واسع لا يمكن لأحد أن يتملّكه، و هو الوطن…
طلّ المدعو يوم أمس في مقابلة تلفزيونية ليبرّر قراره بإلزام المواطنين دفع سعر بطاقة السفر بالعملة الأجنبية. فبدل من أن يطمئن اللبنانيين في ظل الأزمة، و بالأخص اللبناني الذي اشتاق لأهله و يريد قضاء العطلة الصيفية مع أهله في وطنه أو اللبناني الذي يسافر للطبابة أو للتعلّم، أظهر الحوت جناحيْن و راح يتباهى بفوقيته على الشعب الفقير.
اعتبر الحوت أن الجميع مثله، مليء الجيب و فارغ البال، فصرّح، و بكل ثقة، أنّ مَن يسافر لن يبخل في دفع بطاقة السفر بالدولار و أنّ كل اللبنانيين يملكون دولارات. طبعًا أستاذ حوت، فنحن نعيش في الولايات المتّحدة الأمريكية، و المواطنون يقبضون معاشاتهم بالعملة الوطنية، الدولار.
فعلاً، الحوت من الكائنات الحيّة النادرة و المهدّدة بالإنقراض، و هكذا هي أعماله أيضًا… و لو كنّا في بلد المؤسسات لكنّا عمّمنا النموذج على كل الإدارات و المؤسسات… فلما المحاسبة؟
ألا يكفي يا أستاذ حوت أسعار البطاقات المرتفعة جدًّا مقارنةً بالدول المجاورة؟ و بكل وقاحة يحدّد العملة التي يجب اعتمادها للدفع…
شركة طيران الشرق الأوسط مملوكة بنسبة ٩٩.٥٥٪ من مصرف لبنان، فكيف لها أن تحدّد أسعار غير بالعملة اللبنانية؟
يتذمّر الحوت أنّه تكبّد خسائر هائلة في الآونة الأخيرة بسبب فرق سعر الصرف… لكن مهلاً، و المواطن؟ ألا يحقّ له أنّ يتذمّر من الخسائر التي تكبّدها بسبب أسعاركم المضخّمة طيلة هذه السنوات؟ و السبب؟ إحتكاركم سوق الطيران!
لمَن لا يعلم، إن شركة طيران الشرق الأوسط لا تحتكر حركة الهبوط و الإقلاع في المطار و حسب، بل تحتكر أيضًا جميع الخدمات المقدّمة للطيران في المطار، من خدمات المناولة الأرضية MEAG، و خدمات الصيانة مع MEAS و MEASCO، و حتّى خدمات تقديم وجبات الطعام على متن الطائرة مع LBACC التي تملك شركة طيران الشرق الأوسط ٧٧.٥٪ من أسهمها. تسعيرة تلك الخدمات المرتفعة التي تحدّدها أنتَ، يا أستاذ حوت، هي التي تؤثر على سعر بطاقة السفر.
لمَن لا يعلم أيضًا، تلزم شركة طيران الشرق الأوسط شركات الطيران الأجنبية بعقد إتفاقات معها لدخول سوق الطيران اللبناني. في الظاهر، عند رغبتكم شراء بطاقة سفر سترون أنّ لديكم عدّة خيارات فيما يخص خطوط الطيران، لكن في الحقيقة، و بصورة مبسّطة، “تستأجر” شركة طيران الشرق الأوسط طائرات تلك الشركات مع كامل الطاقم و تبيع هي بطاقات السفر لتحتكر مرّة جديدة سعر البطاقة المرتفعة. هذه هي نتيجة الدروس التي تعلّمها الحوت من مدرسة أسياده: نغطي أعمالنا الشنيعة، فتبيّن ظاهريًا شرعية و قانونية و أخلاقية و هي في الحقيقة مذلّة و استغلالية و فاسدة.
لمَن لا يعلم، ينظّم الحوت كل فترة رحلات مجانية لإعلاميين و قضاة و سياسيين و رجال أعمال، و كأنّ الطائرات ملكه يتصرّف بها كما يشاء، و كأنّه ينظّم رحلات بالبوسطة لا تكلّف الدولة سوى الوقود. و يأتي اليوم و يتذمّر أنّه تكبّد خسائر. و تلك الرحلات، يا أستاذ حوت؟ مَن تكبّد خسائرها؟ أليس الشعب اللبناني؟
للأسف، أصبحنا في زمنٍ، يعتقد الحوت نفسه أكبر من البحر و ينسى أنّه عبيدًا لدى أسياده، الذين هم بأنفسهم لا يشكّلون سوى بحصة في قعر البحر، سيأتي يومًا و ستبتلعهم دوامة البحر.
Chris Tchopourian