عَ مدار الساعة


فرنسا والقوى السياسية التغييرية!


تحولات 1989 جاءت على حساب المسيحيين وضدّ الرئيس عون بالرغم من صوابية مشروعه.. تحولات 2021 على حساب من سيكون؟
فرنسا خارج اللعبة في المنطقة.. والله يرحم يلي ماتوا. (ألكسندر نعمه)


ليس من المستحب القول ان فرنسا فشلت في لبنان، فغالبًا مصالح الدول تتبدل وتتغير بحسب تطورات الاحداث والتحالفات. ولكن بالتأكيد يمكن القول، أنَّ فرنسا دخلت بالمباشر على الخط اللبناني بعد انفجار المرفأ في آب 2020 مستغلةً الواقع الأليم للانفجار وضعف البنية اللبنانية امام هول الحدث الذي دمّر نصف العاصمة وشرّد الاف من المواطنين والسكان في المنطقة ومحيطها، بشكل متسّرع وغير مدروس.

لم تدرس فرنسا خطواتها بشكل صحيح، لا بل أكثر من ذلك، راهنت على مجموعة من التكتلات اللبنانية المتّهمة بشكل مباشر بوصول لبنان الى حافة الانهيار المالي الاقتصادي والسياسية وانعكاسه بشكل مباشر على الواقع الاجتماعي.

كما وإنّها تجاهلت موقف الإدارة الأميركية السابقة، الرافض لاي مبادرة او حديث حول لبنان وسوريا بحجة إيران وحلفاؤها. ولم تقرأ الواقع الإقليمي والتي بات لروسيا والصين كلمة الفصل في ملف الشرق الأوسط، ولم تقف على بيّنة من موقف مجلس التعاون الخليجي حول الملفات الضاغطة في المنطقة ومن بينها الملف اللبناني.

دخلت فرنسا، بُعيد انفجار المرفأ بكل ثقلها، وعلى طريقة جيمس بوند، فوصل رئيس جمهوريتها بعد “ثورة القمصان الصفر” في فرنسا الى لبنان، ليقف الى جانب ثورة ملونة، ممولة، مموهة، لا اهداف لديها ولا خطط ولا مشاريع سوى اغتيال كل من يعمل ويسعى ويخطط لوطن الابداع والتلاقي والحوار والمشاريع والانماء والامل بالغد.

دخلت فرنسا على أشلاء انهيار العاصمة، لتطرح مبادرة، ظلّ فخامة الرئيس العماد ميشال عون منذ عودته في العام 2005 يُطالب، يسعى ويعمل بكل جهد لتحقيق هذه البنود. ولكن بدل أن تضع يدها مع الاكفاء وتصوب البوصلة نحو النهوض بدل الانهيار، استعارت “لا بل يحق لنا القول سرقت” من الرئيس أفكاره وطالبت من كانوا وراء انهيار لبنان، ان يطبقوها. وهنا كان خطأها الثاني.

كانت تعرف منذ اللحظة الأولى، أنَّ الرئيس الحريري لن يقبل ان تشكل حكومة برئاسة السفير مصطفى اديب، تمامًا كما رفض الحريري ان يكون الرئيس حسّان دياب رئيسًا للحكومة. وهي تعلم جيدًا، أن الثلاثي حريري – بري – جنبلاط، متورطون بكل ملفات الهدر والفساد، وهم مع حلفاؤهم الصغار والكبار يمثلون اخطبوط المنظومة السياسية – الاقتصادية – المالية – الأمنية – الخدماتية.

وبالرغم من علم فرنسا بكل هذا التفاصيل، وغيرها، ظلّت متمسّكة بهم وببنود مبادرة تمثل أفكار ونهج رئيس الجمهورية. وكأنها تتعامل مع الشيء ونقيضه بالوقت عينه.

لم تحسب فرنسا، أنَّ المنطقة متوجهة الى تغييرات بعد الانتخابات الأميركية، يبدو أنّها لم تقرأ جيدًا او لم تصلها معلومات حول اللقاءات الغير معلنة بين السعوديين والسوريين. ولكنّها تعرف جيدًا ان معظم الافرقاء السياسيين في لبنان هم رهائن دول تستعملهم وقود لسياستها الخارجية، في المقابل هؤلاء أنفسهم يستعملون الشعب اللبناني وقود لبقائهم واستمرار منظومتهم العفنة والبالية.

أمّا وقد دنت اللحظة الحاسمة للتسويات والتفاهمات الجديدة في الشرق الاوسط، وجدت فرنسا نفسها من جهة، على أبواب انتخاباتها الرئاسية، حيث الرئيس إيمانويل ماكرون يواجه معضلة التجديد له لولاية رئاسية ثانية، في الوقت الذي يواجه جائحة كورونا بصعوبة بالغة، وثورة القمصان الصفر تترقب اللحظة للانقضاض عليه، واليسار يجهّز عدّته للمبارزة التي قد تبدو الأخيرة له. ومن جهة أخرى، جلوس الأقطاب الأساسيين في الشرق الأوسط، المملكة العربية السعودية وما تمثله من ثقل سياسي في الخليج العربي وسوريا وما تمثله من نوستلجيا العروبة في فكر وقلب الشعوب العربية، وإيران ما تمثله في محور المقاومة.

من هنا، لم تأت زيارة وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان من العدم، فهي ليست مفصولة عن الواقع الذي تمر به المنطقة بعد أكثر من 11 عام من حروب تدميرية قضت على البشر والحجر على حدٍ سواء. ولكنّها مرة جديدة يبدو أنّها قرأت المتغيرات بضعف نظر.

جميعنا يعرف أن تغيير الأنظمة يحصل غالبًا، إمّا عندما الفئة الإصلاحية المثقفة المؤمنة الواضحة بخططها الاستراتيجية تسعى لتغيير ديمقراطي داخلي، او عندما القوى الاقليمية او الدولية النافذة تقلب الطاولة لتؤسس لمرحلة جديدة تتماهى مع مشروعها وخططها. من الواضح ان فرنسا في المرحلة الأولى لتدخلها لم تستطع حشد مجموعة وازنة من الدول لتغيير الواقع اللبناني الداخلي، كما وإنّها وضعت يدها مع مجموعات متأثرة بقصائد “أحلام مستغانمي” واستكملت مشروعها مع القوى الفاسدة على حساب القوى الاصلاحية. اما في المرحة الثانية والأخيرة فلم تجد سوى “القوى السياسية التغييرية” الذين يمثلون الحقد والكراهية وهم امتداد طبيعي للفاسدين.

من هنا، يبدو اننا سنشهد انكفاء طبيعي للدور الفرنسي في المرحلة المقبلة، في المقابل صعود نجم معادلة “السين-سين”، وغالبًا هذه المعادلة فيها خاسر وفيها رابح. في العام 1989 بالرغم من صوابيه مشروع العماد عون، ولكن كان الاتفاق على حسابه وحساب المجتمع المسيحي. اما اليوم ماذا سينتج الاتفاق وعلى حساب من سيكون؟

فرنسا باتت خارج اللعبة في المنطقة، ولكن مازال هناك لاعبين كُثر، والله يرحم يلي ماتوا.