أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


مزارعو التبغ… زرعوا ولن يحصدوا (الناشط السياسي ايلي حنّا)

كما حال الجميع في لبنان، يرزح المزارعون تحت وطأة الغلاء المعيشي، والإرتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار أمام اللّيرة اللّبنانيّة.

ولكن تبقى بعض الزراعات أفضل من غيرها، إن من خلال تمّكن مزارعيها من تصدير إنتاجهم للخارج مقابل مردود مادي مقبول بالعملات الصعبة، أو من خلال سهولة زرعها وحصد ثمارها، فالأشجار المثمرة مثلاً من فاكهة ولوزيّات، أو حتى الخضار، لا تحتاج لوقت طويل للعناية بها وقطفها.

أمّا زراعة التبغ، التي يعتبر العمل بها من الأشغال الشاقة، والتي يعتمد عليها المزارعون في الجنوب خاصةً لتأمين لقمة عيشهم، والتي تعتبر رمزاً لصمودهم ومقاومتهم، أضحت ” حركة بلا بركة “.

تبدأ رحلة المزارع مع شتلة التبغ قبل عيد رأس السنة، حيث يقسم الأرض إلى مساكب مليئة بالبذور مغطّاة بالحديد والنايلون، والمعروفة ب “المشتل”.

يتطلب المشتل حوالي ٣ أشهر من العناية، ريّ، تعشيب، رشّ المبيدات والأسمدة…

من ثم تبدأ مرحلة نقل الشتول من المساكب لزرعها في الأراضي الواسعة التي يكون سبق له أن حرثها وغذّاها بالأسمدة اللّازمة، وتتطلب هذه المرحلة ما بين ١٥ و٣٠ يوماً.

بعدها يستريح المزارع حوالي ١٥ يوماً، ليبدأ من بعدها مرحلة “تعشيب الأرض، لكي يقطع الطريق أمام الأعشاب بالتغلب على شتلته، وقضم “مويّتها”.

أخيراً، تبدأ مرحلة قطف الدخان، وتصّفيته، وتشميسه، وتعبئته، لتسليمه إلى شركة “الرّيجي”.

تعتبر المرحلة الأخيرة من أصعب المراحل، لأنها تمتد لأربع أشهر ونصف، ويتوجّب على المزارع الإستيقاظ باكراً، أي قبل بذوخ الفجر لقطف الدّخان (٣ ساعات) ، ومن ثم العودة إلى المنزل لتصفيته (٨ ساعات)، وتشميسه (عدة أسابيع)، وبعدها تعبئته.

لذلك، فإنّ هذه الزراعة التي تحتاج حوالي ٨ أشهر من العمل الشّاق، أصبحت تعباً من دون مردود يُذكَر، فهي لم تعد تعين المزارع على مصروفه حتى !

على سبيل المثال، إذا أخذنا عائلة مكوّنة من ٤ أشخاص، تزرع ٦٠٠٠ م.م. من التبغ، ومع غلاء الأسمدة والمبيدات والنايلون، وحراثة الأرض، و… لن تجني أكثر من ١٢٠٠٠ ليرة للشخص الواحد، عن كلّ يوم عمل فقط، أي ما هو أقل من دولار واحد بالنسبة لسعر الصرف !!

بالمقابل، إذا أراد المزارع الإستعانة بأي عامل أجنبي، عليه أن يدفع له ٦٠٠٠٠ ليرة يوميّاً، أي ٥ أضعاف أجره.

بعد كلّ ما ورد (من تجربة شخصيّة)، كيف للمزارع أن يستمر في أرضه ؟

قاومنا الإحتلال، ونقاوم التعب والإرهاق، ونكافح لنعيش، ولكن إلى أي حد نستطيع مقاومة الجوع ؟؟

هلّ المطلوب، فكّ إرتباط المزارعين بأرضهم وتهجيرهم ؟

أو ما تبقّى من مزارعين !