عَ مدار الساعة


بالفيديو – الأب غسان رعيدي: “خُذُوا القُوَّةَ مِنَ المسيح لا مِنَ البشر، ولقاح رسول “mNRA…”


🕊” خُذُوا القُوَّةَ مِنَ المسيح ، لا مِنَ البشر، لا مِنَ اللقاح الرسول: mNRA…”.
💒المعركة الروحيَّة: 🕯 لبنان طُعِن في قلبه وأطرافه تموت، كذلك الشرق والأرض…
🕯 القيامة المجيدة آتية قريبًا بعد النزف الأخير والموت، فلا تخافوا …


“خُذوا القُوَّةَ منَ المسيح، لا منَ البشَر ولا اللَّقاحِ الرَسول أو أيِّ مَخلوق…” الأحد، 28 شباط 2021

إخوتي الأحبَّاء،

مشهَدُ إحياءِ ابنةِ يائيرُس وشفاءِ المنزوفةِ يضعُنا أمام معركةٍ روحيَّةٍ إستثنائيَّةٍ ومصيريَّة، فهل نؤمِن أو لا نؤمِن؟! حدثانِ جليلانِ في الوقتِ عينه، ولكن يوجَدُ حدثُ يُمثِّلُ البدايةَ والنهايةَ لنصِّ الإنجيل، وحدثٌ ثاني يُمثِّلُ القلبَ وصِلبَ الموضوع.

إذا نظرنا بدايةً كيف تطوَّرتِ الأحداثُ في هاتَينِ الآيتَين، نجِدُ أنَّنا بدأنا مع قصَّةِ يائيروس رئيسُ مجمعٍ عند اليهود، وهو بمثابةِ رئيسِ كهنةٍ في زمننا الحاضر. وكذلك نجدُ أنَّ إنجيلَ اليوم قد انهيناه معه. بالتالي، لقد ميَّزَتْ قصَتُه هذا النصَّ الإنجيليَّ إذ أضحَت بدايته ونهايته. وفي هذا النَصّ، أظهرَ يائيروس إيمانه بأنَّ يسوعَ هو المسيحُ والمُخلِّصُ المُنتَظَر. ومع أنَّه رئيسَ مجمعٍ يهوديّ، فإنَّنا نشكرُ اللهَ على أنَّهُ آمَنَ بيسوعَ وبقدرتِه الإلهيَّة، إذ تميَّزَ بذلكَ مع عددٍ من رؤساءِ المجامعِ اليهوديَّةِ في ذاكَ الزمان، بالوقتِ الَّذي تواجَدِ فيه كثُرٌ من رؤساءِ تلكَ المجامعِ قد أظهروا عدائيَّةً واضحةً ليسوع. أتى يائيرس ليَرى يسوع الموجودَ على شاطئ الجليل، “فارتَمى على قدَمَي يسوع” (لو8: 41)، وكان تصرُّفًا جميلاً ورائعًا منه، فركعَ وانسحَقَ عند قدَمَي يسوع!

أحبَّائي، قبل أن نشرحَ هدفَ حادثةِ إحياءِ ابنةِ يائيرس، نعودُ إلى صلبِ إنجيلِ هذا الأحدِ المبارَك، إلى قلبِ الحدَث، أي إلى حدثِ شفاءِ المنزوفة. هذه المرأةُ المنزوفةُ، أصبحَ لها اثنتَي عشرةَ سنةٍ تتعذَّبُ عذابَ نزفِ دمائها، وهو مرضٌ مزمنٌ، لأنَّه فاقَ العشرَ سنوات. إنَّهُ مرضٌ لم يكُن له نهايةً، بالرَغمِ من استعمالِها لكلِّ أنواعِ الطبابة. لقد استشارَت كثيرًا منَ الأطبَّاءِ وتناوَلَت كثيرًا منَ الأدوية، “ولم يَقدرْ أحدٌ أن يَشفيَها” (لو8: 43). فأتَتْ إلى يسوعَ زاحفةً بصمتٍ دون أن يدري أحدٌ بها، أي بانسحاقٍ وتواضعٍ وامِّحاءٍ وتخلِّي، هادفةً أن تلمُسَ طرَفَ رداءِ يسوع، أي هُدبَ ردائِهِ الكهنوتيّ، بإيمانٍ كاملٍ أنَّها ستَشفى. هذا الصمتُ والهدوءُ والتَخفِّي، يدلُّ على أنَّها لم تَكُن بحاجةٍ لإظهارِ إيمانِها. فإيمانُها في قلبِها كان ثابتًا وكاملاً ونهائيًّا بيسوعَ المسيح. وهكذا، ظهَرَت أهمِّيَّةُ هذا الحدث، ليَتبيَّنَ أنَّه معركة روحيَّة بامتياز. لقد صنعَتِ المنزوفةُ معركةً روحيَّةً فعليَّة بين الجمهور، لأنَّها تسلَّلت بخفاءٍ وصمتٍ وهدوءٍ وسكينةٍ وإيمانٍ ثابتٍ، فحصلَت على شفائها، “وفجأةً وقفَ نزفُ دمِها” (لو8: 44).

هذه النقطةُ الأولى من هذه الحادثةِ حصلَت بصمت، لكنَّ يسوعَ فجَّرَ هذا الصمت. لقدِ اضطرَّ يسوعُ، أمامَ هذا الحدثِ العظيمِ والإيمانيِّ والمُفرِح، لأن يُعلِنَه أمام جميعِ الحاضرينَ وأمام جميع الناس، مُشيرًا إلى أنَّ قوَّةً قد خرجَت منه. لقد شاءَ يسوعُ أن يُعلَنَ حقيقةَ إيمانِ المنزوفةِ وشفائِها أمام الجميع، لروعةِ هذا الإيمانِ وعِظَمِ جمالِه. ولذلك قالَ يسوعُ: “مَن لَمَسَني؟” (لو8: 45). فقال له بُطرس ومَن معه: “يا مُعلِّم، إنَّ الجموعَ يزحمونَكَ ويُضايقونَكَ!” (لو8: 45). فقال يسوعُ بحزمٍ: “إنَّ واحدًا قد لَمَسَني! فإنِّي عرَفتُ أنَّ قوَّةً قد خرَجَت منِّي!” (لو8: 45-46). ولذلك، إنَّ عنوانَ عِظةِ اليومِ هو: “خُذُوا القُوَّةَ منَ المسيح! لا منَ البشر ولا أي أحدٍ آخَر ولا منَ الطبيعةِ وسائرِ المخلوقات!”. فالمسيحُ وحدُه هو القُوَّةُ المُحييةُ المُخلِّصة، والَّتي تَعِدُنا بالحياةِ الحقيقيَّةِ السلاميَّةِ على هذه الأرضِ وبالحياةِ الأبديَّةِ والفرحِ الأبديِّ في ملكوتِ السماءِ ومجدِ السماء.

وبالتالي، أعطَت هذه المنزوفةُ قلبَها ليسوع، وفهِمَت من خلالِ الكُتُبِ المُقدَّسة، قولَ الربِّ الإلهِ الخالِق لبني البشر: “يا بُنَي، أعطِنِي قلبَك” (أم23: 26). وهكذا، أعطَت قلبَها للمسيح، وشُفِيَت! لذلك، كان قلبُ الحدثِ في إنجيلِ اليوم، قلبُ هذه المرأةِ المنزوفة. فالقلبُ يحتوي مكنوناته في عمقِه، ولا أحدَ يعرفُ تلكَ المكنونات. مثلاً: نحن الموجودون هنا، هل يعرفُ أحدُّ منَّا مكوناتِ قلبِ الآخَر؟ طبعًا لا. هذه المعرفةُ محصورةٌ بأشخاصٍ معدودينَ واستثنائيِّينَ نادرينَ مُختارينَ منَ الرَبِّ يسوع، بنعمةٍ خاصَّةٍ بهم. بالتالي، علينا أن نُعطي قلوبنا ليسوعنا، وهو وحدُه يُخلِّصُنا. ووحدُه يُعطينا القُوَّةَ لنستمرَّ ونُتابعَ مشوارَ حياتنا على هذه الأرض. مع يسوعَ المسيح، لا بل وراءَه نحملُ صليبَنا ونسير. فيسوعُ قد فجَّرَ الموقِفَ ولم تَعُد المنزوفة قادرةً على التخفِّي وعدم المجيء إلى يسوع وقولِ الحقيقة. ولتواضُعِها العميق ولحُسنِ نيَّتِها ولإيمانِها العظيم بيسوع المسيح أنَّه المُخلِّصُ المنتظر، لم تكُن تُريدُ إظهارَ ما حدث ليَعرفَ الناسُ ذلك. فأتَت “مُرتعدةً وارتَمَت على قدَمَي” (لو8: 47) يسوع، نزلَت إلى الأرض وركعَت وكأنَّها كانت تُقبِّلُ قدَمَيه وتشكُرُه، ثُمَّ أعلَنَت أمام الجميع لماذا لمَسَت طرفَ ثوب يسوع، وكيف شُفِيَت فورًا. فقال لها يسوع: “يا ابنتي، إيمانُكِ خلَّصَكِ! إذهبي بسلام!” (لو8: 48). فكم ينقُصُنا إيمانٌ في هذا الزمن؟! هذا هو صلبُ الموضوع: شفاءٌ عجيبٌ، كان صامتًا، ولكنَّ يسوعَ أعلَنَه للمَلَأ!

إخوتي، إذ نظرنا اليومَ إلى حالتِنا، نجِدُ أنَّنا كمسيحيِّنَ في لبنانَ والشرقِ كلِّه، في العراق وسوريا وفلسطين وإسرائيل والأردن ومصر، وسائر أوطان الشرق، نعيشُ مرارةً منذ البدءِ إلى اليوم. بدأُ النزفُ كان مع استشهادِ اسطفانوس رئيسِ الشمامسة، واستمرَّ مع الرُسُلِ الأحد عشر الأطهار، ولَحِقَ بهم متيَّا في العلِّيَّة، للحفاظِ على رقم 12. والنزفُ في الكنيسةِ المُقدَّسةِ مستمرٌّ، ووصلنا إلى آخِرِ حالةِ النزفِ الآنَ في هذا الزمن، وبخاصَّةٍ في وطننا لبنان. أي ما زال هنالك قطراتُ دماءٍ أخيرةٍ لتتساقط منَّا ومن وطنِنا لبنان، وما بعد هذا النزف الأخير إلاَّ الموت. والبشريَّة، قلبُها موجوعٌ في هذه الأيَّام! وقلبُ لبنان، أي بيروت بشكلٍ مادَّيٍّ وبشريٍّ، موجوعٌ أيضًا. لقد طُعِنَ بانفجارٍ شرِّير. نجدُ أنَّ وضعَ البشريَّةِ صعبٌ جدًّا، وأنَّنا في لبنانَ بدأنا النزفَ منذ زمنٍ بعيد. العالَمُ كلُّه ينزف. ولكنَّنا نتحدَّثُ عن لبنانَ الآن، الَّذي ما زالَ ينزفُ منذ سنة 58، أو سنة 69، أو سنة 75، منذ وقتٍ طويلٍ ونحن ننزفُ. ولكن، كم هو عددُ الأشخاصِ الَّذين يزحفونَ إلى يسوع، مثل المنزوفة، وذلك بصمتِ وامِّحاء؟ كم شخصٍ ارتمى عند قدَمَي يسوع كيائيرس؟

المرأةُ المنزوفةُ شُفِيَت لإيمانِها حالاً، ونحن شُفِينا عدَّةَ مرَّاتٍ من نزفٍ ونزفٍ ونزف… لكنَّنا استمرَرنا بمخالفةِ إرادةِ اللهِ في محطَّاتٍ كثيرة، إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه. فالثابتونَ والأُمناءُ يستمرُّونَ ويستشهدونَ في سبيلِ المسيحِ دون خوفِ ولا وجل. قال لنا الرسولُ بولس في رسالة اليوم: نحن في صراعٍ من الخارِجِ وخوفٍ من الداخل (رَ 2قور7: 5). وضعُنا اليومَ يُشبِهُ وضعَ المسيحيِّينَ في زمنِ مار بولس، وعبر تاريخِ الكنيسة، إنَّنا نواجِهُ صراعًا خاريجيًّا رهيبًا ومُميتًا ومُرعِبًا، وقَلَقًا من الداخِلِ لخوفِنا على المصيرِ وما سيحدُثُ علينا ومعنا. المُواجهةُ واضحةٌ وسهلةٌ على المؤمنينَ والأُمناء، إذ لا خوف على الكنيسةِ ولا على الوطَن، بل على النفوس، فإمَّا تسيرُ بأمانةٍ مع يسوعَ المسيح، وإلاَّ تُخالفُ إرادتِهُ. لذا، هذه المعركةُ الروحيَّةُ الَّتي عاشها كلٌّ منَ المنزوفةِ ويائيرس، هي معركةٌ أساسيَّةٌ ومُهمَّةٌ، لأنَّها تحتوي الأطرافَ والقلب، كلَّ الكيان. تُمثِّلُ المنزوفةُ القلبَ الَّذي ينزف، وفي وضعنا الحاليِّ النزفُ آخِذٌ بنا إلى الموت، ويُمثِّلُ إيمانُ يائرس وإحياءَ ابنتِه الأطراف، أي أنَّنا بعد الموتِ سنقومُ بالمجدِ والانتصار.

لذلكَ فلنسمع كلمةَ يسوعَ إلى يائيرس، ولا تخافوا! أجل يوجدُ صليبٌ علينا أن نحمله ونسير! أجل إنَّنا نواجهُ معركةً مادِّيَّةً وروحيَّة، لا يهمُّنا، فلنَخسَرِ المعركةَ المادِّيَّةَ بلا أسف، ولكن علينا أن نربحَ المعركةَ الروحيَّة لننتصِر، وإلاَّ تكونُ خسارتُنا فظيعة، أي هلاك النفوس لا سمح الله. لأنَّ الكنيسةَ باقيةٌ إلى منتهى الدهر كما بشِّرنا الربُّ يسوع ووعدَنا به، فلا نخاف أبدًا. أُقفِلَتِ الكنائس! ليَكُن بيتي كنيسةً. وقد يأتي وقتُ وتُقفلُ فيه الكنائسُ كُلِّيًّا، ولا أحد يَعلَم! لذا علينا أن نثبتَ في الإيمانِ بتعليمِ الكنيسةِ المقدَّسةِ الصحيحِ وبأسرارِها المقدَّسةِ السبعة، وبإنجيلِنا المُقدَّسِ من خلالِ تحويلِ بيوتنا إلى مقرَّاتٍ للصلاةِ الدائمةِ وللتأمُّلِ بسرِّ المسيحِ وبالحياةِ المسيحيِّةِ الصالحة. ليَكُن بيتي كنيسةً ومدرسةً للإنجيلِ ولصلاةِ المسبحةِ الورديَّةِ وسائرِ السُبحات، وعلى رأسِهم مسبحةُ الرحمةِ الإلهيَّة. ليَكُن بيتي مقرًّا للاطِّلاعِ بعمقٍ على تعليمِ الكنيسةِ المُقدَّسةِ وآباءِ الكنيسةِ وتقليدِ الكنيسةِ الموروثِ والَّذي لا يتغيَّر، وأيضًا على سِيَرِ القدِّيسينَ وتعليمِهُم وصلواتِهم. لقد نشروا وباءَ كورونا ليَبدأوا بتنفيذِ مشروعِهم التهديميِّ للجنسِ البشريّ، ومَن يبقى من البشر، يقولون حوالي المليار نسمة، ليكونوا عبيدًا لديهم. وذلك بعد أن يُلقِّحوهم بالطعم فالأرض.

أعزَّائي، لبنانُ قد نزفَ وانتهى، وقد يجَدُ عددٌ من النِقاطِ ما زالت تنتظرُ أن تنزفَ بدورِها. لذلك، نحن قلبُ الحدث، ولبنان في موقعه الجغرافيِّ هو قلب خريطةِ الأرض كلِّها، وقلبُ كلِّ القاراتِ الخمسِ أو السِتّ. لقد نزفنا وأشرفنا على الإنتهاء، وسيُعلَنُ حدثُ موتنا وموتُ هذا الوطن. وسيُعلنُ لاحقًا موتُ الكنيسة، لأنَّها ما برحت تنزفُ منذ نزف أوَّلِ شهيدٍ بعد المسيح، من اسطفانس والرُسُل الأحدَ عشرَ إلى اليوم. وسوف تنزفُ في المرحلةِ المُقبلةِ أكثر وأكثر. وأقولُ ذلك، لا لتخافوا، بل لتعلموا أنَّه هذا هو تاريخُ الكنيسةِ والشعوبِ منذ البَدء، ولكنَّنا كمسيحيِّين أصبحَ لنا مفهومًا مُختلفًا عمَّا كان قبل المسيح، وهو أنَ الإستشهادَ عندنا هو علامةٌ صحِّيَّةٌ، إذ أنَّه بالنسبةِ لنا علامةُ القيامةِ المجيدة. فمشوارُنا لم ينتهِ بعد، وإن كنَّا ننزفُ آخِرِ قطراتِ دمائنا من حياتنا المسيحيَّةِ ومن كنسيتنا ومن عائلاتنا ومن وطننا. هذا شيءٌ لا يُخيفنا، بل يُنبئُنا بأنَّنا وصلنا إلى لحظاتِ مجد القيامة. لماذا؟ لأنَّ بدايةَ نصِّ إنجيلِ اليوم، كان مع حضورِ يائيرس رئيس المجمع أمام يسوع بإيمانٍ رائعٍ، إذِ ارتمَى عند قدَمَي يسوع، يلتمسُ شفاءَ ابنته المُشرفةِ على الموت. وبالتالي، وصلنا إلى آخِر إنجيلِ اليوم بعدما تكلَّمنا عن قلبه، لنعمل ما هو هدفُ أطرافِه الَّتي تتمحورُ حول حدثِ إحياءِ ابنةِ يائيرس.

تقولُ لنا نهايةُ هذا النصّ، أنَّ ابنةَ يائيرُس قد ماتت! إذ “وصلَ واحدٌ من دارِ رئيسِ المجمعِ يقول: ‘ماتَتِ ابنتُكَ! لا تُزعِجِ المُعلِّم!‘” (لو8: 49). وقد نصلُ قريبًا إلى وقتٍ يكونُ فيه لبنانَ قد نزفَ كلِّيًّا وجفَّ دمُه، بعد طعنةِ القلب. تعلمونَ مسيحيًّا أنَّ الإنسانَ إذا توقَّفَ دماغُه، واستمرَّ قلبُه بالنبضِ بالحياة، لا نعتبرُه إيمانيًّا ولا طبِّيًّا أنَّه قد فارقَ الحياة. ولكن وإن كان دماغُه سليمًا، أو أيِّ عضوٍ آخَرَ من الجسد سليمًا، بينما توقَّفَ قلبُه عن النبضِ بالحياة، نقولُ إيمانيًّا وطبِّيًّا، إنَّه قد مات، قد خرجَت نفسُه وانتقلَت روحُه، وجسدُه يعودُ إلى التُراب. وكثُرٌ في زمننا يموتون بسبب كورونا، وهذا حدثٌ حقيقيٌّ وأكيدٌ، ولكنَّهُم قد أنسوننا أنَّه ما زال الكثيرونَ يموتونَ بسبب الإنفلونزا وبسببِ السيدا والسرطان والسكَّريِّ والسِلّ وأمراضِ القلبِ وغيرِها، لقد أخفَوا كلَّ هذه الحالاتِ المُميتةِ ليحصروها بالكورونا فقط! إنَّهم يُضخِّمون الحدثَ والأمور، وذلك لأجل إخافتنا كثيرًا، ومن ثَمَّ يُجبروننا بما قد حضَّروه لنا من مآسٍ، لنقبَلها. إذًا، لم يتوقَّف إيمانُ يائيرس عند نبأِ وفاةِ ابنتِه، بل سمع ليسوعَ الَّذي قال له: “لا تَخَف! يكفي أن تُؤمِنَ فتحيا ابنتُكَ!” (لو8: 50). فآمَن! وذلك لأنَّ كلمةَ يسوعَ لدى يائيرس لم تكُن كلمتَين، بل كلمةٌ ونقطةٌ على السطر. أؤمِن أو لا أؤمِن. لا وسطيَّةَ في الإيمان. آمَن فورًا يائيرس، ودعا يسوعَ للذهابِ معًا إلى بيته. ذهب يسوع، وأخذَ معه إلى داخل البيت، بطرس ويعقوب ويوحنَّا، وأبا الصبيَّةِ وأُمَّها، وبقيَ سائرُ الناس خارجًا.

العبرةُ من ذلك، هو أنَّ والدَيها هما اللَّذان أعطاياها الحياةَ شراكةً مع اللهِ بالخلْق، فوُجُودُهما أساسيٌّ وضروريّ، لأنَّ تشفُّعَ أهلها هو أكبرُ من أيِّ تشفُّعٍ آخَر. كذلك لم يُدخِل يسوعَ معه إلاَّ هؤلاء، لأنَّ كثيرًا منَ الحاضرينَ كانوا موجودونَ فضوليًّا للتشكُّكِ والسخريةِ والحشريَّةِ وليس لأنَّهم مؤمنون. وذلك كما يحدثُ عندما تحصلُ أُعجوبةٌ بشفاعةِ القدِّيسِ شربل، باسم الربِّ يسوع وبقدرتِه، كثُرٌ يأتون للمشاهدةِ وللتأكُّد، وكثُرٌ أيضًا هم الَّذين يأتونَ بإيمانٍ وانسحاقٍ للصلاةِ والشكر، وهم عارفونَ أنَّ يسوع هو الشافي وأنَّ شفاعةَ مار شربل كانت مسموعة. وأنتم تعلمونَ أنَّ أحد الأشخاص، منذ أسبوع تقريبًا، شاهد جسده محمولاً في التابوت ومأخوذًا إلى المدفن. وفجأةً قام من مرضِ كورونا المُميت، وكأنَّه لم يمرَض به أبدًا ولم تُفارق نفسُهُ جسدَه. كلُّ ذلك بشفاعةِ مار شربل لدى يسوع المسيح، وبطلبٍ من المريضِ نفسه، وبالأخصِّ بصلاةِ ابنه الواثقةِ والمُستغيثة. قد تقولونَ لماذا هذا الشخص وليس غيره. نحن نعلمُ أنَّنا كلُّنا سائرون إلى موتِ الجسد، ونعرف كثيرًا من الأشخاص الَّذين ماتوا بسبب وباء كورونا أو غيرها. فالشفاءُ هو عملُ يسوع، وهو إذا سمحَ بشفاءٍ ما، يكون ذلك ليزيدنا إيمانًا وليس لنفقد إيماننا ونكفر به. لأنَّ الَّذي يشفى ويعودُ من الموت، يحصلُ ذلك معه من أجلِه شخصيًّا. قد تكون رسالتُه على الأرضِ لم تنتهِ بعد، لا بل قد يوجد لديه أمورٌ يجب أن يتحرَّر منها بنفسه وبصلاته وبجهاده الروحيِّ على هذه الأرضِ قبل أن يلفظَ أنفاسَه الأخيرة. ويعني ذلك أن شفاءَه يكونُ خيرًا لنفسِه ولبعضِ الأشخاصِ المُحيطينَ به. وإذا سمحَ اللهُ للنفسِ أن تتركَ هذه الدنيا وهي جاهزةٌ لمُلاقاته، فهذا أيضًا خيرٌ لها وللمُحطينَ بها. بالتالي، هذا سِرٌّ عظيمٌ لا يُمكننا أن نغوصَ به فوق قدرتنا على الفهم وفوق طاقتنا على الإستيعاب. فلا نُجهِدَنَّ عقلنا بما لا يعنيه. نؤمِنُ أنَّ الشرَّ يَقتُل، ولكنَّ يسوعَ يُخلِّصُ النفوس. يسوعُ لا يريدُ موتَنا قتلاً، ولكنَّنا في النهايةِ سنترُكُ هذه الحياةِ الزمنيَّة، الآنَ أو لاحقًا.

بالعودةِ إلى النَصّ، دخل مع يسوعَ إلى بيتِ يائيرس، كلٌّ من بطرس ويعقوب ويوحنَّا، لأنَّهم يتمتَّعونَ بميزةٍ خاصَّةٍ بحفظِ ما يريدُ يسوعَ منهم أن يحفظوه. حصلوا على نعمةٍ قبلوها أكثرَ من سائرِ الرسل، ممَّا أهَّلهم لنصيبِ المشاركةِ في الأحداثِ المُميَّزةِ الَّتي جرت مع يسوع. ماذا فعلوا في الداخل، بينما الناسُ في الخارج يضحكونَ من يسوعَ لعلمِهِم أنَّ الصبيَّةَ قد ماتت؟ يسألون فيما بينهم، ماذا دخل يعمل؟! وهذا هو الَّذي يحدث في زمننا، كثيرٌ من الناس يهزأون بالمُصلِّين: إلى أين أنتم راكضون؟ ألِتُصلُّوا أمام القربان؟ لماذا تركعون وتُصلّون المسبحة؟… يضحكون علينا، فليضحكوا ليشبعوا… المهم، أمسكَ يسوع الصبيَّةَ بيدِها وقال لها: “أيَّتُها الصبيَّة، قُومي!” (لو8: 54). فقامَت!

بالنسبةِ لنا في هذه الأيَّام، إذا كنَّا نموت، والوطن يموت، والكنيسة تموت، فسوف يأتي الوقتُ الَّذي به سنشهَدُ أشخاصًا مميَّزينَ بإيمانِهم وأبمانتهم للربِّ يسوع، وسوف يقول لهم يسوع: “تعالَوا معي! وحدكم ستكونونَ معي في لحظة القيامة!”، قيامةِ لبنان والشرق والعالَم والكنيسة، وقريبًا بإذن الله. كذلك، سنشهَدُ وجودَ أُمٍّ وأبٍ، أرى شخصيًّا أنَّهُما العذراء مريم ومار يوسف البتول! سيكونان معنا، يحمياننا! “بَي العيلة وأمّ العيلة” سيكونان معنا في أيَّامِ المحنةِ هذه الَّتي دخلنا فيها ليحمياننا! وفي آخِر هذه المحنة، سوف يكونان معنا أيضًا، لأنَّهما سيكونان مع يسوع ليَرفعونا سويًّا إلى مجدِ القيامة! أي القيامةُ من هذه الظلمةِ الموجودة على الأرض: من بين الأوبئةِ والشرورِ والحروبِ والفسادِ الموجود. أو سوف يكونوا معنا (العائلة المُقدَّسة) لحظة انتقالِنا من هذه الأرض والصعود منها إلى المطهر فالسماء. سوف يكونوا معنا شخصيًّا، ويُرافقوننا بحضور ملاكِنا الحارس والأجواق الملائكيَّة وشفعائنا القدِّيسين. ولكن، سيُوجدُ معنا أيضًا على الأرض هنا، أشخاصٌ مثل بطرس ويعقوب ويوحنَّا، قد اختارهم يسوع منذ بدء التاريخ. اختارهم لأنَّهم يعتصمون بالأمانة له، كما كان كلٌّ من مريم العذراء ويوسف البتول والرُسُل الأحد عشر الأطهار. هؤلاءِ سوف يكونوا جميعُهم مع يسوع المسيح إلهنا لحظةَ قيامةِ الكنيسةِ والوطن لبنان. سنشهدُ قيامةً ولا أجمل، ونحن ننتظرُها! ونعرفُ أنَّها آتيةٌ، ونعلمُ بها أيضًا. وأقولُها لكم بشكلٍ خاصّ، وقد قلتُها سابقًا مرَّاتٍ عديدة وفي أماكن عديدة ومنذ سنين عديدةٍ أيضًا: “نورُ يسوعَ المسيح، نورُ قيامةِ البشريَّةِ والكنيسةِ سوف ينبثِقُ من لبنان!”. أي أنَّ قيامةَ لبنانَ ستكونُ الأولى! وسيشعُّ يسوع من لبنان على الشرق وعلى الغرب! فلا تخافوا! فكما قالها يسوعُ ليائيرس: “لا تخف!”، يقولُها لنا نحن في هذا الزمن الصعب: “لا تخافوا! يكفي أن تُؤمنوا لتَحيَوا، وتحيَا أوطانُكم، وتحيا الكنيسة! القيامةُ آتيةٌ لا محال. فقط تحمَّلوا آلامَ النزف، تحمَّلوا ظلمةَ الموت، موتِ الحياةِ الصالحةِ على هذه الأرض. فإذا لن تموتَ الحياةُ الصالحةُ (حبَّة الحنطة “إن ماتت تأتي بثمرٍ كثير” يو12: 24، المحبَّة تبذُلُ ذاتَها من أجل أحبَّائها يو15: 12-13) كما ماتَ المسيحُ الصالحُ، لن يكونَ هنالكَ قيامة. فإذا رفضنا أن ننزفَ دماءَ شهداءٍ، فلن تكونَ قيامة. لذلك علينا أن نقبل هذه المرحلة بفرحٍ ورجاءٍ وصلاةٍ وإيمانٍ ومحبَّة، ولا نكونَنَّ مُرتَمينَ إلاَّ عند يسوع المسيح. لأنَّه وحدَه الإلهُ المُخلِّص، لا أحدَ غيرَه من بني البشر، لا في لبنان ولا على وجه الأرضِ قاطبةً. الأُمناءُ ليسوعَ هم وسائل للمشاركة بالخلاص وليسوا المُخلِّص. مار شربل كان وسيلةٍ وما زال، وليس بالمُخلِّص. العذراء هي أُمُّ المُخلِّصِ وليست المُخلِّص. لذلك، حضِّروا ذواتكم أيُّها الإخوة، بالإيمانِ والرجاءِ والمحبَّة، بالتواضُعِ والإنسحاق، مثل يائيرس والمنزوفة، لتكونوا شهودًا للقيامةِ المجيدة، أي شُعاعاتٍ بنورِ المسيحِ لقيامةِ الوطن والكنيسة. عندها، يكونُ يسوعُ معنا أينما كنَّا، ويكونُ ساكنًا بقلبنا، فهو تجسَّدَ ليكونَ معنا وليس ليترُكنا، بل ليحلَّ في قلوبنا ليُقدِّسنا وليقوِّيَنا، لأنَّ قوَّتنا الوحيدة هي المسيح على ما أشارَ إليهِ الرسول بولس، لستُ أنا القويّ، بل المسيح هو القويُّ فِيَّ (فل4: 13 وغل2: 20 و2قور4: 7 و2قور12: 7-10 و2قور13: 3-4 وقول1: 11)، فخُذُوا القُوَّةَ من المسيحِ لا من أحدٍ آخَر!

لذلك، أُصلِّي وإيَّاكم أيُّها الإخوة: يا يسوع، أنتَ تعرفُ أنَّ جراثيمَ الموتِ المُتفشِّيَةِ في العالَمِ كلِّه، تقتلُ بناتِكَ وأبنائكَ وأحبَّائكَ. وهي قد تفشَّت أيضًا في نفوسِ الجاحدين والرافضينَ لمشيئتِكَ الإلهيَّةِ. هؤلاءِ الَّذين صنعوا بأفكارهم الشِرِّيرةِ وبأياديَهم الفاسدة، جرثومة كورونا واللقاح الرسول mNRA. ولا رسولَ منَ اللهِ الآبِ إلاَّ أنتَ وَحدَكَ يا ربَّنا يسوع. ولا رسولَ لكَ إلاَّ مَن هم قدِّيسونَ قد تقدَّسوا باسمِكَ القُدُّوس. إنَّ أولئكَ الرافضينَ يفعلونَ هذه الشناعة لهدفٍ شرِّيرٍ واضحٍ، هو تخفيفُ عدد البشر. وبالتالي ليتحكَّموا بالبقيَّة القليلة من البشرِ بحسبِ غرائزهم ورغباتهم. لقد صنعوا هذا اللقاح المسخ، اللقاح الرسول، بحسبِ تسميتِهم له، مُستغلِّينَ خوف الناس وقلقِهم، لامبالينَ بقدرتِكَ الخلاصيَّةِ الَّتي ستتدخَّلُ وتفعلُ فعلَها الخلاصيِّ في الوقتِ المناسب، وتُنقذُ البشريَّةَ من هذه الشرور. إجعلنا يا يسوع، نختبرُ حضوركَ معنا وبيننا وفي قلوبنا، وسطَ هذه الشِدَّةَ وهذا الضيق. إجعلنا نتعلَّمُ الصبرَ وطولَ الأناةِ بالثبات، وننتصرُ على اليأسِ بالرجاءِ لأنَّكَ رجاؤنا، وعلى الضلالِ بالإيمانِ لأنَكَ مُعلِّمُنا وإلهُنا، وعلى الشرورِ بالمحبَةِ الَّتي تبني وتُخلِّصُ لأنَّكَ وَحدَكَ المُخلِّصُ الوحيدُ لنا وللجنسِ البشريِّ. وبشفاعةِ أُمِّنا العذراء مريم، نطلبُ منكَ بأن تُشِعَّ بنورِكَ علينا في أسرعِ وقتٍ ممكنٍ، لنرفعَ إليكَ المجدَ والشكرَ، وللآبِ السماويِّ وللروحِ القدُوس، من الآنَ وإلى أبدِ الآبدين. آمين.