- ضرب الدور المسيحي في لبنان يبدأ بإضعاف الرئيس القوي ***
يمكن للمتضررين من استرداد لبنان لسيادته وحرية قراره، وللمرعوبين من إقامة دولة قوية في لبنان، على ركام الطائفية والفساد، ان يختبئوا بعباءة بكركي بقدر ما يشاؤون، ومن حق القوات اللبنانية وملحقاتها من مجتمع مدني، إعلان تحرك الى الصرح البطريركي في بكركي بتاريخ ٢٧ من شباط، تحت عنوان “دعمًا لموقف البطريرك الماروني”، مع العلم ان قوات سمير طعنت بكركي في الظهر بعهد البطريرك الراحل بطرس صفير مرات ومرات، وهي تستفيد اليوم من سياسة بكركي لاستكمال مشروعها التآمري على المسيحيين في لبنان، ولذلك على البطريرك الراعي الحذر من ألا يرتكب خطأ سلفه، بدعم سياسات القوات التي أدت في الماضي القريب الى تهجير المسيحيين، ويمكن لهذا السيناريو بأحسن الأحوال، ان يتكرر، هذا إذا لم يكن أسوأ فيعيد فرز الشارع المسيحي، كما كان حاصلا في الحرب اللبنانية حيث ارتفعت المتاريس بين المسيحيين كما بين اللبنانيين، فساد التشرذم والتشتت وازدادت الانقسامات.
في هذا السياق يستغل وليد جنبلاط أيضا مواقف بكركي لإضعاف المسيحيين وإعادة وضع اليد على الجبل، فيوفد العريضي إلى بكركي دعمًا لمواقف الراعي؛ فيما سعد الحريري يستظل ببكركي لتخطي رئيس الجمهورية، فلا يقيم وزنآ لرأيه، متسلحآ بمواقف البطريرك الراعي؛
وحتى السعودية تستغل سياسة بكركي، للعودة قوية الى الساحة الداخلية، وهي لا يمكنها تحقيق ذلك، إلا بضرب الرئيس القوي، العماد ميشال عون، لإعادة عقارب الساعة الى الوراء، حيث كان رئيس الحكومة وبدعم خارجي، الحاكم بأمره في لبنان.
زار صباح اليوم وفد من التيار الوطني الحر بكركي، ضم النواب: روجيه عازار، سيزار أبي خليل، جورج عطالله، سليم عون وسليم خوري، أشار فيه عازار الى أنّ الوفد بحث مع غبطته في المستجدات السياسية والهموم العامة، وفي مقدمتها الاستحقاق الدستوري المتصل بتشكيل حكومة قادرة بتركيبتها وبرنامجها على تحقيق الإصلاح المطلوب واكتساب ثقة اللبنانيين قبل كل شيء، مشددا على حرص غبطة البطريرك على أن يتم الاستحقاق بأسرع وقت ومن ضمن الأصول والقواعد الميثاقية والدستورية وعلى أساس الشراكه الوطنية الكاملة.
غير انني كلبناني وناشط عوني، مستمر في النضال بصفوف التيار الوطني الحر، وملتزم بمدرسة ميشال عون، التي تعلمنا فيها ان الأوطان لا تسترد إلا بالتضحيات، كما تعلمنا ان الوحدة الوطنية والشراكة الحقيقية والميثاقية في الحكم، هي طريق الخلاص، وأن لا مستقبل للبنان، إلا بالدولة المدنية، التي تقوم على المواطنة، لا على الإنتماء الطائفي المذهبي، ولكن لا يمكن الانتقال الى العلمانية من دون احترام التعددية في مجتمعنا اللبناني وبالتالي طمأنة كل المجموعات بعدم تهميش أي فئة على حساب أخرى او التعدي على حقوق بعض المكونات من شعبنا، وبموقعي هذا، لا يمكن ان أسلم في أي لحظة، ان تكون بكركي مرجعية سياسية، كما لا أقبل ان يشكل دار الإفتاء هذه المرجعية، لأن القرار السياسي في لبنان هو في بعبدا، لدى رئيس الجمهورية، في حين ان دور بكركي او دار الإفتاء، يجب ان ينحصر بالدور الروحي والوطني، فتشكل المقامات الروحية مرجعيات داعمة لشعبها على المستويين الروحي والمعيشي، ولا دخل لها بالشؤون السياسية.
إنّ الدور الوطني الذي نحرص جميعا، مسيحيين ومسلمين، على ان تلعبه بكركي، هو الدفاع عن لبنان كوطن لجميع اللبنانيين، وتحصين سيادته برفض التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية، والاهم الحفاظ على رسالته بالتعايش والتفاعل الايجابي بين جميع مكوناته، لما يشكله هذا التفاعل من نموذج حضاري، لكل دول العالم، التي تحولت مجتمعاتها منذ أواخر القرن العشرين الى مجتمعات مختلطة، تحتاج الى النموذج اللبناني المتنوع، للحؤول دون التصادم الداخلي بين مكوناتها.
أما بالعودة الى بكركي، فعليها وكما قاربت موضوع الحياد، مع العلم ان هذا المشروع مستحيل التحقق لوجود عدوعلى حدودنا، معتد ويخرق سيادتنا الجوية والبحرية والبرية يوميا، ويسرق مياهنا ونفطنا، ويحتل جزء من ارضنا، ويرفض عودة اللاجئين من أرضنا الى وطنه المحتل، كما ان مصير مشروع بكركي للتدويل غير قابل للتحقق، لانه يتعارض اولا مع مبدأ السيادة، وثانيا لانه يتناقض مع توجه الفاتيكان، الذي بالمناسبة تتقارب مواقفه مع مواقف التيار الوطني الحر وينسجم توجهه مع برنامج الرئيس ميشال عون؛ ولذلك على بكركي ان تقارب القضايا المصيرية التي تشكل خطرا وجوديا للبنان، كالمشروع الأميركي بدمج النازحين السوريين في المجتمعات المضيفة، وجاء تصريح قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، الجنرال ماكينزي، واضحا في هذا الاطار، ما يفتح الطريق أمام سؤال على بكركي ان تملك الاجابة عليه، وهو: ماذا يُحضر لمسيحيي لبنان؟ وهل تعاد تجربة كيسينجير بمحاولة إفراغ لبنان وبالتالي المشرق من مسيحييه؟ فهذا المخطط نجح جزئيا بتهجير المسيحيين من العراق، ولكنه توقف بتصدي الرئيس السوري بشار الأسد له، من خلال انتصاره على الارهاب التكفيري، لأنّ داعش والنصرة وملحقاتها، كانت أداة الغرب لتنفيذ هذا المشروع الشيطاني، وبالتالي فشل المشروع في تحقيق أهدافه، بسبب صمود مسيحيي سوريا وحملهم السلاح الى جانب الجيش السوري وحزب الله، للدفاع عن وجودهم، فقهروا برابرة العصر وانتصروا؛
فيما السؤال الثاني المهم، الذي يحتاج لجواب من بكركي: هل ستتنازلون عن الصلاحيات المتبقية للرئاسة الأولى بعد أن فرّط بها سلفكم في إتفاق الطائف؟ وايضا: ما هو موقفكم الصريح من التدقيق الجنائي؟ وكذلك ما هو موقفكم من طرح رئيس أكبر تكتل مسيحي، النائب جبران باسيل، بالتصويت على قوانين الإصلاح في المجلس النيابي وأهمها: قانون الكابيتال كونترول وإسترداد الاموال المنهوبة والمحولة الى الخارج، مقابل إعطاء تكتله الثقة لحكومة برئاسة الحريري، من دون المشاركة فيها.
هنا تكمن أهمية بكركي، وهكذا يكتمل دورها، لتعود وتلعب دورا رئيسيا في حياة الوطن، كما لعبت البطريركية دورا مؤسسا لكيان لبنان الحديث في زمن البطريرك الياس بطرس الحويك، الملقب ب “بطريرك لبنان الكبير”، فتمكنت بكركي آنذاك، من وضع لبنان في قلب المشرق، والمسيحيين في صلب المعادلة الوطنية، على أمل ان لا تشكل بكركي في زمننا بسبب سياساتها الخاطئة والفاقدة للرؤية، عاملا مدمرا للبنان الكبير في ذكرى المئة عام على نشوئه، وذلك بارتكابها خطيئة التفريط بالدور المسيحي في لبنان، بعد ان دفعنا أثمانا غالية في مسار نضالنا منذ عودة العماد ميشال عون من المنفى في ال 2005، لاسترداد حقوق المسيحيين؛ أما ضرب الدور المسيحي في لبنان، فيبدأ بإضعاف الرئيس القوي العماد ميشال عون.