في أَحرج الأَوقات الّتي مرّت على برطانيا، كان رئيس الوزراء ونستون تشرشل، يبثّ في بني قومه روحًا جديدةً، وتصميمًا قاطعًا على الصُّمود في وجه العدوّ، حتّى يُكلّل النّصر جبينهم… أَو يهلكوا. وعلى رُغم توالي الهزائم، وتتابُع الكوارث، استمرّ القائد تشرشل ينفخ رُوح المُقاومة والصُّمود والتّصدّي… في نُفوس مواطنيه. وذات يومٍ خاطبهُم: “سنُثبتُ مرّةً أُخرى، أَنّنا قادرون على الذّود عن حياض جزيرتنا، وشقّ طريقنا خلال أَعاصير النّضال وأَنواء المعارك. وسنظلّ نُكافح تهديد الطُّغيان، ولو اضطُررنا إِلى القتال سنين كثيرةً، وإِلى القتال بمُفردنا إِذا اقتضى الأَمر ذلك”.
عندما اشتدّت المعركة، وقد صارت في أَوجّها، اعتقد البريطانيُّون أَنّ القصف الهائل هو تمهيدٌ لغزوٍ قريبٍ. وقد أَكّدت هذا الاعتقاد، الصُّور الّتي التقطها الطيّارون البريطانيُّون، والّتي أَظهرت تجمُّعاتٍ وحُشودًا كبيرةً على سواحل هولندا وبلجيكا وفرنسا. واستعدّ البريطانيُّون للدّفاع أَكثر عن بلادهم، فتوزّعُوا أَعمال الوقاية، وتأَلّفت منهُم فرق الإِطفاء، وفرق الرّقابة المعنيّة بالإِعلان عن دُنُوّ الأَلمان، إِذا ما اقتربُوا بطائراتهم، وفرق المُتطوّعين لرفع الرّدميّات عن الأَماكن المُستهدفة من نيران الأَلمان وإِزالة الأَنقاض. كما واهتمّ المُهندسون والاختصاصيُّون بدَورهم، بنزع كبسولات القنابل غير المُنفجرة أَو ذات الانفجار المُتأخّر، مِن دُون أَن ننسى دور الأَطبّاء والمُمرّضات واهتمامهم بالجرحى…
لقد انتظر الجميع نُزول الغُزاة، ولكنّ الأَيّام المُقبلة دلّت على أَنّ الغزو قد تأَجّل. غير أَنّ الغارات الجويّة ما انقطعت بين أَيلول وكانون الأَوّل 1940. فقد قُصفت لندن خلال 86 ليلةً مُتواصلةً، وبلغ عدد الطّائرات الأَلمانيّة المُغيرة في كُلّ ليلةٍ، حوالي 160 طائرةً. وأُصيبت الأَحياء والمحطّات كُلُّها، فكان يندلع في كُلّ ليلةٍ 900 حريقٍ تقريبًا. وأَمّا سُكّان لندن، فيبيتُون لياليهم في أَقبية “المترو”، ومعهُم أَطفالُهم وفراشُهم والأَغطيةُ، وأَثمنُ ما يقتنُون مِن مُمتلكاتٍ… وما إِن تُشرق الشّمس حتّى يعُودوا إِلى منازلهم، فيُذهَلوا بما يُعاينونه مِن دمارٍ فظيعٍ. بيد أَن الشّعب – وعلى رُغم هُول الفواجع – بقي صامدًا لا ينحني البتّة!. وللحديث صلة.
رزق الله الحلو – صحافيّ وخبير تربويّ
- “صانعو التّحرير في العالم”: سلسلة مقالاتٍ يعرضها تزامُنًا موقعا “أَغوراليكس” و”Arabic Academy Award”، منقولةٍ عن البرنامج الّذي حمل العُنوان نفسه، وبثّته “الإذاعة اللّبنانيّة” – الفنار، خلال العامين 1989 و1990. مع تحيّات النّاشرين: “جائزة الأَكاديميّة العربيّة”.