مرّ عامًا مليئًا بالمفاجآت والتطورات السياسية والإقتصادية والأمنية والصحية لا مثيل لها على مرّ السنين. شهدنا حرب عالمية ثالثة ولكن من نوع آخر حيث تحول الرصاص إلى إعلام يتكل على الشائعات، والحرب العسكرية إلى حرب إقتصادية، والجيش إلى وباء قاتل قلب الطاولة وغيّر موازين القوى العالمية. بعد كل هذه الأزمات التي ضربت العالم في سنة واحدة، أصبح السؤال الأبرز لدى الناس: “ماذا ينتظرنا في عام ال٢٠٢١؟ هل ستكون بداية الفرج بعد سنة لُقّبت بسنة النحس؟ وما مصير الشرق الأوسط والإتفاق النووي؟” تبقى هذه الأسئلة إشكالية لا تحتاج إلى منجّمين وعلماء فلك، بل إلى تحليل منطقي واستنتاج لنبني على الشيء مقتضاه. فماذا تخبئ لنا ال٢٠٢١؟
لا تبدو سنة ال٢٠٢١ أقل جنونًا من سنة ال٢٠٢٠، ولكن كل مرحلة ظلام لا بد من أن تبصر النور بعد بلوغ ذروتها، وهذا هو الحال اليوم مع كل الأزمات التي نعاني منها. فالسنة الجديدة القادمة ستكون استكمالًا للسنة الماضية ومن ثم حلًّا على المستوى الدولي، وارتياحًا على الصعيد الإقليمي، ومن بعدها تحضيرًا لعقد اجتماعي جديد في الداخل اللبناني.
دوليًا، أصبحت الأيام معدودة أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليخرج من البيت الأبيض ويسلّم نظيره جو بايدن لقب الرئاسة. ولكن، هل سيخرج ترامب من هذا السباق دون ترك بصمات قد تبقى ذاكرتها خالدة عند الشعب الأميركي؟ لايزال حتى اليوم التصعيد الأميركي يؤثر على العالم بأكمله، فلن تكتفي الإدارة الأميركية بإستكمال ضرباتها العسكرية والإقتصادية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودليل على ذلك مقتل العالم النووي الإيراني مؤخّرًا. من ناحية أخرى، تصعّد هذه الإدارة أكثر فأكثر على الصين عبر اتهامها بصناعة فيروس كورونا الذي تسبب بالركود الإقتصادي والذي أضعف عمالقة الإقتصاد العالمي لتتربع الصين على العرش بدلًا من الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ما دفع ترامب إلى زيادة العقوبات التجارية والمالية عليها إضافةً إلى التهديد العسكري والجهوزية التامة في بحر الصين الجنوبي من كلا الطرفين. إن جو بايدن عند تسلّمه الرئاسة الأميركية، وبعد تعيين الفريق الجديد المختص بالشؤون الخارجية، سيوجه الأمور إلى حلحلة مع إيران عبر التفاوض على تقسيم الشرق الأوسط من جهة، ومع الصين عبر طاولة حوار لتقاسم النفوذ والمساهمة معًا بإعادة الإعمار في افريقيا والشرق الأوسط من جهة ثانية.
على الصعيد الإقليمي، يبقى مخطط التركي بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء وحلمه بإنشاء امبراطورية عثمانية جديدة يشكل تهديدًا على لبنان وعلى المناطق المجاورة. فهناك الكثير من الخلايا الإرهابية النائمة التي قد تتحرك بين الساعة والأخرى حين يُطلب منها، وذلك إذا أرادت تركيا أو إحدى الدول الحليفة لها أن تسجّل نقاطًا على خصمها فرنسا داخل لبنان. فالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عبّر بأكثر من مناسبة عن اهتمامه بالمشاركة في إعادة إعمار مرفأ بيروت والإستثمار داخل لبنان، وهذا ما قد يزعج الرئيس التركي اردوغان ويدفعه إلى عرقلة طموح فرنسا ردًّا على العقوبات الأوروبية عليه والوقوف بوجه حلمه بالتنقيب عن النفط والغاز في مياه المتوسط. أما على مستوى اللاجئين السوريين، فعودتهم قد تكون حلم يتحقق تدريجيًا بعد صيف ٢٠٢١ وذلك بعد الإنتخابات الرئاسية في سوريا. فمعظم اللاجئين السوريين ينتمون إلى الخط المعارض للنظام السوري برئاسة بشار الأسد، ووجودهم في سوريا في فترة الإنتخابات قد يؤثر على نتيجة الأصوات ويقلب المعادلة.
أخيرًا، وفي الداخل اللبناني، ثمّة خوف كبير لدى اللبنانيين من تفلّت أمني قد يؤدي إلى عدم الإستقرار الإجتماعي قد تكون نتيجته فتنة داخلية أو حرب أهلية. قد يكون الزمن تغيّر، ولكن تبقى هذه الإحتمالات موجودة في ظل وجود أمراء حرب داخل السلطة يتحكمون بمصير الشعب. فمن الواضح أن لبنان تحت نظام الطائف لم يعد ينتج، فهو أصبح أشبه بسيارة دون محرّك، يغيرون الساسة فيه الحكومات والأفراد في وقت يجب أن يتغير النظام ككل. إن تغيير هذا النظام والذهاب إلى عقد اجتماعي جديد أمامه خياران لا ثالث لهما: إمّا جمعية تأسيسية قد تحدث بالإتفاق بين اللبنانيين عبر طاولة للتلاقي والحوار، أو إعادة مشهد السبعينيات ليتترجم الدماء إلى نظام يُفرض ويُخيّط من قبل الأقوى في الساحة اللبنانية، أي من يمتلك السلاح وذاك بسبب فائض القوة. ومن هنا يأتي التخوف من اغتيالات مرتقبة قد تستهدف أفرادًا يمتلكون معلومات خطيرة عن تفجير مرفأ بيروت، أو سياسيين وقادة قد يتحرّك شارعهم بعد وفاتهم ليقلبون المعادلة كما حدث سنة ال٢٠٠٥ بعد استشهاد رفيق الحريري.
سنة ٢٠٢١ قد تكون أعنف من ال٢٠٢٠، ولكن نهايتها ستكون حلًّا دوليًا ومحليًا قد تُترجم نتيجتها في السنوات القليلة القادمة. ولكن الأهم من كل ذلك، أن نتمسّك بوطنيتنا كلبنانيين قبل أن نتمسك بطوائفنا وأحزابنا، لأن بالتفاهم والحوار نستطيع أن نتجنب الكوارث التي قد تنتج جراء التغيرات على الساحة الدولية بالإضافة إلى التوصل إلى حل مشترك قد يستفيد منه الشعب اللبناني ككل في حال ذهب لبنان إلى عقد اجتماعي جديد.