أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


صانعو التّحرير 2 – رسالة ديغول في الـ 1940 كَيف تُقرأ في الـ 2020؟

   … في الأَحوال غير العاديّة، تظهر دائمًا شخصيّاتٌ غير اعتياديّة… لا تكون معروفةً شعبيًّا، غير أَنّها تعيش مع الشّعب، تشعر بمُعاناته، تحكي بلسانه، وتنذُر تفسها لخدمة الوطن!***

   في 18 حزيران 1940، أَرسل الجنرال ديغول النّداء الآتي إِلى “جميع الفرنسيّين”، وقال لهُم: “إِنّ الرُّؤساء الّذين كانوا مُنذُ سنواتٍ كثيرةٍ، على رأس الجُيوش الفرنسيّة، قد شكّلوا حُكومةً. وهذه الحُكومة اتّصلت بالعدوّ، وهي تزعم بأَنّ جُيوشنا قد هُزمَت، لوقف القتال.

   صحيحٌ أَنّ قوّة العدوّ الآليّة في البرّ والجوّ أَغرقتنا وما زالت تُغرقنا، إِنّما هي دبّابات الأَلمان وطائراتهم، وسعة حيلتهم القتاليّة.

   وحيلتهم القتاليّة تلك، هي الّتي فاجأَت رُؤساءنا، فساقتهُم إِلى الانخذال الّذي يقفون اليوم عنده.

   ولكن هل قيلت الكلمة الأَخيرة؟ هل للأَمل أَن يتوارى مع الهزيمة؟ هل هي الكلمة الأَخيرة؟… حتمًا لا!.

   ثِقوا بي، أَنا الّذي أُحدّثُكم حديث المُدرِك لما حصل، وأَقول لكم: لم يضع شيءٌ على فرنسا، فالوسائل نفسها الّتي هزمتنا، يُمكن أَن تأتيَنا بالنّصر. وذلك لأَنّ فرنسا ليست وحدها!. إِنّ وراءها إِمبراطوريّةً رحبةً، ففي وسعها، بمُؤازرة الإمبراطوريّة البريطانيّة، المُسيطرة على البحار، أَن تستمرّ في الكفاح، وتنتصر.

   كما وفي إِمكانها، أَن تستخدم إِلى أَبعد حدٍّ، صناعة الولايات المُتّحدة الضّخمة… فهذه الحرب لا تنحصر في أَراضي بلادنا المفجوعة فحسب، بل إِنّها حربٌ عالميّةٌ، وكُلّ الأَخطاء والتّحالُفات والآلام الّتي حصلت، لن تُثبط عزائمنا، بل تُقوّي في قُلوبنا الأَمل، لنتمكّن مِن أَعدائنا يومًا ما…

   أَنا الجنرال ديغول المُقيم الآن في لُندن، أَدعو الضبّاط والجُنود الفرنسيّين، الّذين هُم على أَرض بريطانيا، أَو يأتون إليها، أَدعوهُم إِلى جمع أَسلحتهم، أَو تركها عند الضّرورة. كما وأَدعو المُهندسين، والعُمّال الاختصاصيّين، في صناعة الأَسلحة، الّذين هُم على أَرضٍ بريطانيّةٍ، أَو يأتُون إِليها، أَن يتّصلوا بي.

   لا يجوز، مهما جرى، أَن تنطفئ شُعلة المُقاومة الفرنسيّة، ولن تنطفئ”.  

عبرةٌ ودعوةٌ

   وقد يكون ما قاله الجنرال ديغول في 1940، يصلُح كعبرةٍ لنا اليوم، في أَواخر الـ 2020. والعِبرة أَنّ مِن شُروط السّيادة أَيضًا، أَن تنأَى الحُكومات بنفسها عن الإِملاءات الخارجيّة، فلا ترضخ لمصالح الغير وشروطه، وإِنّما ينصبّ هدفها على مصلحة ناسها وشعبها والوطن، وإِذّاك فقط تعيش التّحرُّر والاستقلال!.  

   وأَمّا الدّعوة الّتي يُمكن استخلاصها مِن الخطاب، فهي في عدم الاستسلام، حتّى ولو كانت ظُروف السّعي إِلى التّحرُّر غير مُتكافئة، لأَنّ إِرادة التّحرُّر تبقى الأَقوى!.

   فهل إِنّ لُبنان اليوم وحيدٌ، أَم أَنّ فرنسا الّتي لم تكُن في العام 1940 وحيدةً، هي الآن إِلى جانبه؟… قد يكون الجواب أَقلّ أَهميّةً مِن وجوب أَن يُبادر الشّعب اللُّبنانيّ بالاعتماد على نفسه واتّخاذ قراره، والعمل مع الشُّرفاء الوطنيّين الّذين يُشكّلون الخميرة الصّالحة، وهُم موجودون في كُلّ القطاعات…

   وإِذا كانت حرب فرنسا آنذاك حرب استقلالٍ وتحرُّرٍ وتحريرٍ وهي عسكريَّةٌ بامتياز… فإِنّ معركة لبنان المفتوحة اليوم إِنّما هي على تحرُّر النُّفوس وتحرير البلاد، من فسادٍ يُعشعش في النّفوس، وقد تجذّرت رقعته “المافيويّة” على امتداد الـ 10452 كلم2.

   لقد كان الجنرال ديغول عن حقّ، زعيم المقاومة الفرنسيّة، ولولا صُمود الشّعب الفرنسيّ آنذاك، وقرار التّحرير، لما كانت مقاومة ولا كان انتصار!… وللحديث صلة.

رزق الله الحلو – صحافيّ وخبير تربويّ  

______

* “صانعو التّحرير في العالم”: سلسلة مقالاتٍ يعرضها تزامُنًا موقعا “أَغوراليكس” و”Arabic Academy Award”، منقولةٍ عن البرنامج الّذي حمل العُنوان نفسه، وبثّته “الإذاعة اللّبنانيّة” – الفنار، خلال العامين 1989 و1990. مع تحيّات النّاشرين: “جائزة الأَكاديميّة العربيّة”.