التغيير معركة طويلة، لكنها ليست مستحيلة
من دون أدنى شك لا يوجد إختلاف بين اللبنانيين على أن الدولة يتحكم بإدارة مفاصلها رجال سياسة أتوا نتيجة حرب مدمرة فوضعوا ازلامهم في كافة مراكز الدولة بهدف التنعم بجميع مواردها.
أغلبية المواطنين يطلقون عبارة “المافيا” على هذه المنظومة لعدة أسباب، فالمافيا وضعت تفسيرات تناسب مصلحتها لنظام لبنان فطبقته كما يحلو لها وبالطريقة التي تخدُم مصالحها. كذلك عطلّت عمل الهيئات الرقابية وديوان المحاسبة )للتغطية على سرقاتها، وإستغلت السلطة التشريعية لوضع قوانين تُشرع نهب مقدرات الدولة وتزيد من توسعها عبر أخرى إنتخابية وُضعت على قياسها. وأنشأت عبر السلطة التنفيذية مجالس وصناديق موازية وبصلاحيات أوسع من بعض الوزارات بهدف الإستفادة المُطلقة من الهبات والقروض دون أي حسيب أو رقيب.
أما على صعيد المجتمع، عززت المافيا “الطائفية” عبر مؤسساتها الدينية ومن خلال إثارة النعرات الطائفية بإستخدامها لشعارات تجنِّد بها أبناء الطائفة للتراشق المدفعي أو الخطابي.
كذلك إعتمدت على أسلوب الترهيب والترغيب للسيطرة على المواطنين فمن لا يدعمها يُحرم من الخدمات أي من الحصول على حقوقه ويبقى لوحده في مواجهة نار الدنيا.
ولإستقطاب المواطنين تلجأ أحزاب المافيا لآلية خدماتية يتحكم بها منطق علاقات الإستزلام الطائفية، المناطقية، الحزبية أو غير الحزبية.
طرق التغيير التقليدية كأعمال الشغب أو محاولة التفكير بإزاحة السلطة بالقوة باطلة لأن ميزان القوة يصب في مصلحة المافيا.
كذلك التغيير السريع عبر إنتخابات نيابية مبكرة لن يأتي بنتائج تتيح قلب المعادلة التشريعية بهدف تشكيل حكومة تساعد على تنفيذ الإصلاحات الضرورية.
كل هذه عوامل تدفعنا للتفكير بنمط جديد يرتكز على القدرة الفكرية والإنتماء الفعلي للوطن بهدف تغيير الواقع السياسي في لبنان.
الإنطلاق في رحلة التغيير الفعلي تكون عبر إحترام حق الإختلاف على جميع الأصعدة، فلكل طرف سياسي مؤيدون ولا يمكن إعتبارهم أعداء التغيير فالأغلبية ربما غير راضية على الواقع لكنها خاضعة لمعادلة الترهيب والترغيب.
الهدف الأساسي لأي عملية نهوض بلبنان هي تعريف المواطنين وتوعيتهم على حقوقهم وواجباتهم وبالتالي سيدركون أن الخدمة التي يتوسلوا الزعيم للحصول عليها هي حق لهم وليست منّة منه. ويجب أن تترافق هذه التوعية مع خطوات تنفيذية لكف يد المافيا عن التحكم خاصة في قطاعيّ التربية والإستشفاء.
كذلك على اللبنانيين أن يدركوا أن الغاية من الخطابات والسجالات إثارة أبناء الطائفة وتجميعهم حول الزعيم. دون أن ينسوا أن عبارات السياسة التوافقية والسلم الأهلي ليست إلا حجج واهية تستخدمها المافيا لتأخيرالتقدم والإنجاز.
التغيير معركة طويلة، لكنها ليست مستحيلة. تتطلب التعامل مع الواقع اللبناني بطريقة جديدة هدفها الأول بناء الإنسان المواطن المنتمي لوطنه والمُتمتع بمناقبية ركائزها الأساسية الإنحياز الثابت للقيّم والمبادئ الوطنية والأخلاقية، التفاني في الدفاع عن الحق قولا وعملا. فضلًا عمّا يتوااكب مع هذا كله من ترفّع، وإستقامة ونظافة كف وتغليب للمصلحة العامة على كل ما دونها من مصالح.