عَ مدار الساعة


وسيلة التغيير نحو الأفضل (كريستيا يوسف سلّوم)


المجتمعات لا تتطور إلا إذا كانت حرّة. فكيف تريدون التطور إذا كنتم لا تحترمون الحرية؟


تعرف هذه الوسيلة بالحق المقدس التي تعترف فيه الأديان كافة، فمن أجلها نشأت الحروب، ناهيك عن أنها حق من حقوق الإنسان الذي ينصّ عليها الدستور، إنها “الحريّة”.

من هنا، للحريّة قيمة نفسيّة إنسانيّة ودينيّة، فعلينا إحترامها لتبقى حريتنا مقدسة وكي لا يتجرأ أحد التعدي عليها. فهل للحرية قيمة في عصرنا ومجتمعنا هذا؟

أتكلم اليوم عن الحرية لأن إحترامها بات معدومًا وأصبحنا في زمن نتعدى فيه على بعضنا البعض لأن تفكيرنا مختلف ولأن إنتماءاتنا وثقافتنا تختلف عن بعضها…

لا شكّ أن ما مرّ به لبنان وخاصة بيروت صعب جدًّا ولا يمكن لدولة أن تتحمل حجم هذه النكبة الكبيرة ولا يمكن لشعب تخطّي دمار قلوبه وممتلكاته بهذه السهولة ولا يمكننا أن نهلّل لزعيم أقله لينشِف دماء الضحايا الأبرياء الّذين كانوا يقومون بعملهم من أجل الوطن أو من أجل لقمة العيش. كما أنه من الضروريّ أن كل من لا يعمل بحسب مسؤوليّاته ويهمل الأخيرة ويعمل ضد مصالح بلده وشعبه فهو معرّض للمسائلة لا بل للمحاسبة لأنه كان سبب إنهيار بلد بأكمله.

على الرغم من ذلك، حرية التعبير مقدسة، لذا إذا كانت مبادئنا مختلفة فلا يجوز أن “نعيّر” بعضنا البعض أو أن نتعدّى على بعضنا البعض، وإذا كان حق التظاهر معترف فيه بالدستور فهذا لا يعني أنه يمكننا التعدي على الأملاك العامة والخاصة رغم غضب الشعب الشديد…

نحن لا نتمتّع بنفس الثقافة والتفكير والمبادئ، لكن نتمتع بثقافة وفكر ومبدأ واحد تربّينا عليه منذ صغرنا وهو الوطن… الوطن الذي ناضل من أجله أبطال وخسرنا من أجله شهداء ونتيجة فساد مسؤوليه، أصبح الشعب اللبناني “ضحية” منهم من رحل الآن ومنهم من ينتظر دوره…

نحن الباقون لدينا قضية نضال لمساعدة لبنان على الخروج من جوّ الفساد المسيطر عليه، لذا، لم نبقى كي نتقاتل في الأفكار بل كي نجمع أفكارنا الموحدة لبناء الوطن.

نحن في بلد نعيش فيه أزمة وجود ونخشى ونتمنّى ألاّ ينطبق علينا قول الفيلسوف جبران خليل جبران: “ويل لأمة قسمت إلى أجزاء وكل جزء يحسب نفسه فيها أمة”.

نحن أحرار وكل واحد منا ينظر إلى الأمور بحسب تفكيره وإنتمائه ولكن في النهاية علينا الوصول إلى الحقيقة والأخيرة ليست بالتعدي بل بإبداء الرأي وإحترامه من قبل الطرفين وترك التحقيق والقضاء ليأخذ مجراه بالرغم من بعض الملاحظات على أدائه. إحترام الرأي الآخر مبدأ وأساس لبناء الوطن وكشف الحقائق. أما الحرية فهي حق نتمتع فيه “كلنا يعني كلنا”، والأخيرة يمكنها أن تكون فكرية أو تعبيريّة نستعملتها بعدة طرق، فإذا تكلمنا أو كتبنا فنحن أحرار، لكن للحرية حدّ يمنعنا المسّ بحرية ورأي الآخر… فلا تعملوا على المسّ بحريّة الشعب التي تعني بدورها حريّة البلد بأكمله…

لنأخذ مثل بسيط جدًا، في الآونة الأخيرة بعد زيارة الرئيس ماكرون وتعامله الإنساني مع الشعب اللبناني عندما زار أحد شوارع الجميزة لمساندتهم في النكبة التي حلّت على أملاكهم التي أصبحت مدمرة، بدأ المواطنون بالتهليل له بحجة أنّهم لم يروا “زعيمًا” بتواضعه لدرجة أنهم كانوا يطالبون بالعودة للإنتداب… لكننا شعب حرّ!! فكيف لنا أن نعيش تحت رحمة الإنتداب؟ أتذكرون دروس مادّة التاريخ؟ فالشعب ناضل من أجل الإستقلال آنذاك لأنه كان يعيش بلا حريّة!

تذكروا أن الشعب لم ولن يعيش بلا الأخيرة. استعملوها باستقلال عقولكم من التبعية والتزموا القناعة بمبادئكم التي تربيتم عليها ولا تسمحوا لأحد بالتأثير عليها.

في هذا السياق، على الجيل الصاعد من كافة المناطق والطوائف والأديان والأحزاب الخروج من هذه السَلَطَة والإتجاه نحو سُلطة قويّة عبر المشاركة في الإنتخابات إن كانت مبكرة أو عاديّة والتعبير عن رأيهم بحرية أيًّا يكن وليس بتبعيّة. أخيرا، المجتمعات لا تتطور إلا إذا كانت حرّة. فكيف تريدون التطور إذا كنتم لا تحترمون الحرية؟