العذراء: لا تصرفوا العمر بالكلام.. لكن مجدّوا الله بالأعمال…
💜♰💜
رسالة 25 نيسان 1991
أولادي الأحبة، اليوم أدعوكم جميعاً لتجعلوا صلاتكم صلاة قلبية حارّ. وليجد كلّ واحدٍ متّسعاً من الوقت للصلاة لكي يتمكّن من اكتشاف الله فيها. لا أريدكم أن تتحدثوا عن الصلاة وإنما أرغب في أن تصلّوا.
فليكن كلّ يومٍ من ايامكم مشحوناً بصلوات الشكر لله على حياتكم وعلى كلّ ما تملكون. لا أرغب في أن تصرفوا العمر بالكلام، ولكن مجّدوا الله بالأعمال. أنا معكم. وأشكر الله على كل لحظةٍ قضيتها وإياكم. اشكركم على تلبيتكم ندائي.
هذا أنا بولس
“كيف يُصلّى قلبياً؟” سؤالٌ غالباً ما يُردّده الحجّاج، وكم يشعرون بارتياح، عندما يلمسون لمس اليد بساطة مديوغورية الكبرى، إنهم كانوا يعرفون الجواب دون أن يعرفوا أنهم يعرفونه. فهم يصِلون إلى مديوغورية وهم مشغولون بأسئلةٍ ذهنية، ويعودون منها بفطرة الأولاد السليمة الراسخة، فطرة الصغار الذين تُظهَر لهم أسرار الملكوت.
وفي يوم مضى، أوضح لنا كاهنٌ فرنسي، المثل، إيضاحاً لافتاً للصلاة القلبية، بسرده حدثاً عادياً جرى في باريس، قال:
كان بولس يصرف معظم وقته خارج منزله. وكان يُضمر تعلقاً شديداً بكنيسة “القديس جاك” التي كان يستجدي تحت سقيفتها. ويجدر القول أن زجاجة الخمر كانت تحلّ لديه محلّ رفيقة العمر. وتشمّع الكبد، أحد الأمراض التي ترافقه، لم يكن يفارقه البتّة، ولون بشرته لم يكن ينبئ بفألٍ، وأبناء الحيّ ينتظرون اختفاءه بين يوم وآخر، دون أن يهتمّوا اهتماماً مباشراً بأمره.
على أن إحدى نساء الرعيّة، الطيبّة السريرة، السيدة ن. ، تناولت معه حديثاً عاماً، ذات يوم، وقد أحزنها مشهد عزلته الخانقة. ولاحظت كذلك، أنه كان يغادر مركزه تحت السقيفة بعض الوقت صباحاً، ويدخل الكنيسة (الخالية دائماً)، ويجلس على كرسيّ في الصفّ الأماميّ أمام “بيت القربان” و”هكذا” دون أن يفعل شيئاً. فسألته مرّة:
- بولس، ألاحظ أنك غالباً ما تدخل الكنيسة. فماذا تفعل وأنتَ تجلس هكذا، لمدة ساعة، دون أن تقوم بشيء؟ لا مسبحة لديك، ولا كتاب صلاة، ويمكن أن يغالبك النعاس أحياناً ماذا تصنع هناك؟ هل تصلّي؟ فأجابها:
- كيف تريدينني أن أصلّي!!! فمنذ الزمن الذي كنت فيه أتلقّى التعليم المسيحيّ وأنا صغير، صغير، نسيتُ جميع الصلوات! لم اعدْ أذكر واحدة! إذن، ماذا أفعل؟ ما افعله في غاية البساطة: أتقدّم من “بيت القربان” حيث يقيم يسوع وحيداً في علبته الصغيرة وأقول له: “يا يسوع، هذا أنا بولس! أنا آتٍ لأراك” ومن ثم أبقى لبعض الوقت. المسألة، مسألة أن آتي إليه! وهذا كلّ شيء!
فانقطع نفس السيدة ن. اندهاشاً. سجّلت الحدث، وراحت الأيام تمرّ وهي دائماً هي. لكن ما كان يجب أن يحصل قد حصل، وتوارى بولس من تحت السقيفة! أهو مريض! تراه مات؟ ربما! فاستقصَت أخباره وعثرت على أثره في المستشفى. فقامت بزيارته. مسكين بولس! إنه في أسوأ حالاته، فهو مدرّع بالأنابيب، ولونه رماديّ يصطبغ به مَن يشارف على الموت، والتشخيص الطبيّ يبدو من أسوأ التشخيصات سلبيّة.
وعادته في اليوم التالي وهي تتوجّس النبأ المفجع… وكُذِّبت هواجسها! فبولس جالسٌ في سريره مستقيم الظهر، حليق الذهن، حادّ النظر، متبدّل المنظر، وبشائر سعادةٍ لا توصف تنبعث من كل قسمات وجهه، ويشعّ منها كذلك، نورٌ.
ففركت السيدة ن. عينيها ولكن بلى! هو بولس بعينه! فهتفت:
- بولس! أمرٌ لا يُصدّق! لقد قمتَ من الموت! لم تعُد كما كنت، فما عساه ممكنًا أن يكون قد حصل؟
- حسناً! في هذا الصباح بالذات لم أكن على ما يرام أبداً. وفجأةً رأيت شخصاُ واقفاً عند قدميّ سريري. وكان جميلاً، وإنما ذات جمالِ لا يمكنكِ أن تتصوريه! وكان يبتسم لي، وناداني: “بولس! هوذا أنا، يسوع! أنا آتٍ لأراك!”
“أن نصلّي قلبياً”؟ يعني أن نتوجّه نحو الله كما نحن عليه، وبكلّ ما لدينا. وعندما لا يكون لدينا شيء فلنتوجّه بهذا اللاشيء. ومثل أرملة الإنجيل الفقيرة، لا شكّ بأن بولس عزّى يسوع اكثر مما عزاه آخرون كُثر…
الأخت إيمانويل مايار
كتاب مديوغورية 1990-1999 سنوات العقد التاسع
إنتصار القلب
منشورات التطويبات
السيرة
الأخت إيمانويل مايار باسم سير إيمانويل من مديوغوريه هي راهبة في أخوية التطويبات وصلت الى مديوغوريه في عام 1989. تعيش في بيت الجماعة في مديوغوريه من قبل اندلاع حرب البلقان. ذاعت شهرتها أبان الحرب بسبب رسائلها حول أوضاع القرية الصغيرة وأخبار الشهود الصغار والظهورات اليومية. ورسائل الأخت إيمانويل مرتبطة برباط وثيق مع مهمّة السيدة العذراء. كان لسير إيمانويل تأثيراً هائلاً على وطنها فرنسا، مما حفّز الكثيرين من الفرنسيين على الإستجابة والحضور بأعداد ضخمة الى مديوغوريه. لكن رسالتها توسّعت وتجاوزت فرنسا الى سائر أنحاء العالم بواسطة كتبها التي تُرجمت الى الكثير من اللغات.
سير إيمانويل وضعت ذاتها بحماس لا رجعة فيه الى جانب الشهود الستّة تتقاسم معهم المصير نفسه، كما قال عنها الأب يوزو كاهن رعيّة مديوغوريه في بداية الظهورات. اضطُهدت ودارت حولها الشكوك ورُذلت وكانت ضحيّة أكاذيب عديدة، لكنها قبلت صليبها ولم تتوقّف أبداً عن الشهادة. تنتقل بين القارّات الخمسة وتعرض عرضاً شيّقاً جذّاباً عن رسائل العذراء . حاول العديد من أصحاب النفوذ إبعادها من مديوغوريه، وربما كانوا سينجحون. إلّا ان سؤالاً وجّهته فيتسكا الى السيدة العذراء حسم الموقف. سألتها ماذا يجب على سير إيمانويل أن تفعل، هل تبقى أم تعود الى فرنسا؟ أجابتها العذراء “يجب على الأخت إيمانويل أن تبقى في مديوغوريه”..