***
أردوغان، عثماني عندما يرغب باستنهاض العرق القومي لدى الأتراك، وتركي عندما يحلل لنفسه عقد أكثر من 60 إتفاقية مع إسرائيل، وهو مسلم عندما يُبدي غيرة على الحمقى من المسلمين العرب، وهو عروبي عندما يُنافس زعماء الدول العربية في الغيرة على الإسلام من سوريا الى ليبيا، وهو أولاً وأخيراً خرِّيج الماسونية العالمية التي تبرر لنفسها أن تجعل من هذا العالم محفلاً لها لتحقيق طغيانها بكل الوسائل.
( أمين أبوراشد )
إذا كان مصطفى كمال أتاتورك، قام عام 1934 بتحويل كاتدرائية آيا صوفيا الى متحف، بهدف تعميم الفكر العلماني في تركيا، فقد سبقه حسَّان البنا عام 1924 بتأسيس جماعة الأخوان المسلمين في مصر، بهدف استعادة عزّ دولة الخلافة بعد انهيار السلطنة العثمانية، ورجب طيب أردوغان القادم من حزب الفضيلة التركي الإسلامي الى حزب العدالة والتنمية، هو أحد أوقح العثمانيين الحالمين في استعادة أمجاد السلاطين على حساب إرث أتاتورك، ولا عجب لو أقدم الحالم بأداء صلاة الجمعة في المسجد الأموي بدمشق، أن يحوِّل كاتدرائية عريقة الى مسجد، طالما أنه يشتري بذلك ولاء بعض المسلمين التكفيريين في تركيا وسواها من بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا.
جماعة “الأخوان المسلمين” التي يُعتبر أردوغان من تلامذتها، هي التي أسَّست لكل المدارس التكفيرية التي نشأت بعدها، سواء حركة طالبان التي دعمتها المملكة الوهابية السعودية، أو حركات الإسلام السياسي التي نشأت لاحقاً، من تنظيم القاعدة الى داعش الى جبهة النصرة وصولاً الى بوكو حرام، وجميع هذه المدارس منهاجها واحدٌ: فكر إبن تيمية الذي وضع مبادىء تكفير أي آخر لا يعتمد التشدد الحاقد على المسلمين الرافضين للتكفير قبل سواهم من “الكُفَّار”!
أزمة أيا صوفيا في تحويلها الى مسجد بقرار من القضاء التركي ممهوراً بتوقيع أردوغان، هي نتاج الضربات التي تلقاها هذا الأخواني في سوريا، وعدم تحقيق حلمه السلطاني التركي بالوصول الى المسجد الأموي في دمشق، وسقوط حلمه الأكبر بقبول تركيا عضواً في الإتحاد الأوروبي، وإذا كانت علمانية أتاتورك شاءت الإنفتاح على أوروبا، فإن “أخوانية” أردوغان جاءت ردَّة فعلٍ على الخيبة التركية القديمة / الحديثة بتلميع الصورة المسِخَة للسلطنة العثمانية لدى الغرب.
أردوغان، عثماني عندما يرغب باستنهاض العرق القومي لدى الأتراك، وتركي عندما يحلل لنفسه عقد أكثر من 60 إتفاقية مع إسرائيل، وهو مسلم عندما يُبدي غيرة على الحمقى من المسلمين العرب، وهو عروبي عندما يُنافس زعماء الدول العربية في الغيرة على الإسلام من سوريا الى ليبيا، وهو أولاً وأخيراً خرِّيج الماسونية العالمية التي تبرر لنفسها أن تجعل من هذا العالم محفلاً لها لتحقيق طغيانها بكل الوسائل.
هذا المزيج من “الشيطنة الشخصية” في فكر رجب طيب أردوغان، لا يمكن مواجهته سوى بمواقف أممية ذات وزن وبنوايا واضحة، لأن الغرب الأوروبي المُلحِد الذي يبيع الكنائس ويُبيح تحويل بعضها الى متاحف ومراقص لن يقِف الى جانب قضية آيا صوفيا، ولا الفاتيكان الذي أبدى الحزن الشديد على آيا صوفيا هو بمستوى المواجهة، ولا مَن يدَّعون الإعتدال من العرب مستعدون للقتال من أجا آيا صوفيا والمسجد الأقصى مُنتهكة حرمته من العدو الصهيوني، سيما وأن مصير هذا المسجد لن يكون مستقبلاً أفضل من وضع آيا صوفيا طالما أن التقسيم واقع داخل جدرانه حالياً بين مسجد إسلامي وحَرَم إبراهيمي.
وسط تواطؤ بعض الإسلام السياسي مع العثماني رجب طيب أردوغان للقضاء على الإرث المسيحي، والصمت المُريب للغرب المسيحي المُلحِد، لا يلوح في الأفق سوى قبس من نور الأمل قادم من روسيا الأرثوذكسية، ليس لنصرة الكنيسة والوجود المسيحي من زاوية دينية فقط، بل من زاوية إنسانية رافضة لتهجير الأقليات والقضاء على حضارتهم في هذا الشرق، وما لم تتدخَّل روسيا لوقف النزف ومواجهة المحنة فعلى آيا صوفيا وعلى كل ما تبقى من إرث المسيحيين الرحمة والسلام…