أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


شربل قرداحي لفوربس (2/1): المصرف المركزي وجمعية مصارف ونواب فاعلون تكاتفوا لإسقاط خطة الحكومة من دون بديل..


قرداحي يخالف البنوك محذّراً..
الإنقسام في لبنان ليس سياسي.. الإنقسام هو بين إصلاحيين وغير إصلاحيين…


– دكتور شربل، أولًا، بعد استقالة مدير عام وزارة المال آلان بيفاني، والصرخة التي أطلقها، كيف تصف الوضع حاليًا؟

· الحكومة اللبنانية أعدت خطة إنقاذ مالي شاملة في شهر إبريل/نيسان الماضي، أقرها مجلس الوزراء، وهذه الخطة جاءت مع حديث طويل مع مستشارين ماليين وقانونيين، وبعد نقاش مع الجهات المختصة في الداخل والخارج.

الهدف الأساسي من هذه الخطة كان التصدي للتدهور الاقتصادي الكبير والأزمات المتعاقبة… الحكومة اللبنانية أعدت خطة للإنقاذ المالي الشامل، وافق عليها مجلس الوزراء، وبدأ التفاوض مع صندوق النقد الدولي على أساسها. إلا أنه في الداخل اللبناني، هناك مجموعات لم تستسغ هذه الخطة، لأنها اعتبرت أنها ستأخذ من امتيازات كانت تكونت عبر الزمن لمجموعات معينة، وهذه المجموعات تقاتل الآن بشراسة إما لإنقاذ مصداقية باتت مفقودة عبر الإيحاء بأنهم لم يقعوا في الخسائر، وإما للمحافظة على امتيازات معينة سواء في رؤوس الأموال أو في الشؤون الضريبية، وغيرها من الأمور التي باتت من المستحيل المحافظة عليها.

وكما تعرفون، أراد المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني أن يرفع الصوت، ووجد أن الوضع سيتدهور، فارتأى ألا يتابع الطريق، وقدم استقالته معددًا أسباب الاستقالة خلال مؤتمر صحافي.

– السؤال الذي يطرحه اليوم كل مواطن لبناني من أي فئة: الحكومة وضعت خطتها.. فما الذي يعوق التنفيذ؟

الحكومة اللبنانية أعدت خطتها وذهبت بها للتفاوض مع صندوق النقد، لكن ما هو واضح أيضًا أن هناك أطرافًا لبنانية فاعلة جدًا وقوية لا تريد المفاوضات مع صندوق النقد، لأن لهذه المفاوضات موجبات إصلاحية عميقة. ومن لا يريد المفاوضات لا يملك حاليًا الجرأة ليقول علنا إنه لا يريد صندوق النقد الدولي، ولا يريد التفاوض معه. لكن عمليًا، الأطراف الرئيسة، وهي المصرف المركزي وجمعية مصارف لبنان التي تمثل البنوك العاملة في البلاد، مع عدد محدود لكنه فاعل جدًا من النواب داخل البرلمان، تكاتفوا معًا لإسقاط التفاوض مع صندوق النقد، ولتحقيق مشروع بديل، لم يعبروا عنه حتى الآن، لكنه أصبح واضحًا، وهذا المشروع يقوم على إخفاء أو تزوير الخسائر التي تراكمت لدى مصرف لبنان، وعلى تخفيض النقص في الالتزامات مقابل المطلوبات في موجودات مصرف لبنان، عبر طبع المزيد من العملة.

سعر صرف الليرة يتدهور على نحو كبير لأسباب بنيوية من الأزمة الحالية، وهذا السبب الأول لاستدانة الدولة من البنك المركزي، وهذا لا مفر منه الآن بفعل غياب الإيرادات الضريبية بسبب الانهيار الاقتصادي الحاصل. لكن هناك أيضًا إرادة نقدية لدى هذه المجموعات، التي تعبر عن نفسها بالتلميح إلى أنها تعمل لحماية المودعين في البنوك. وهذا الكلام قطعًا غير صحيح، فهم يريدون إلغاء هذه الخسائر من خلال خفض الإيداعات بالدولار، عبر إعطاء المودعين ودائعهم الدولارية بالليرة اللبنانية…

وهناك مؤشر آخر لهذا المشروع البديل، وتفوقه في التنفيذ على الخطة الحكومية الإنقاذية، وهو تراجع مستوى الودائع من نحو 172 مليار دولار في نهاية العام الماضي، إلى حدود 140 مليار دولار حاليًا، ما يعني أن هذه العملية مستمرة على قدم وساق، وأعتقد أن هذا هو المشروع البديل الذي سيدفع ثمنه للأسف اللبنانيون العاديون. هذا المشروع قد ينقذ ميزانية مصرف لبنان المركزي، لكنه من خلال تجربتي لن ينقذ البنوك اللبنانية. فللأسف ربما تعتقد البنوك أن هذا الأمر سينقذها، وأنا أؤكد أنه لن ينقذها، بل سيزيد من بؤس اللبنانيين ومن الصعوبات التي يواجهونها في حياتهم اليومية. وخوفي الكبير أنه إذا طار التفاوض مع صندوق النقد، وهو ما يعمل عليه هذا اللوبي، المكون كما قلت من البنك المركزي والمصارف التجارية وبعض البرلمانيين، ويبدو أنه بدأ ينجح، سننتقل من أزمة تموينية إلى أزمة تمويلية، أي بمعنى آخر، لن تعود لدى لبنان القدرة على تمويل الاستيراد، مع ما لذلك من انعكاسات اجتماعية واقتصادية.

– ماذا تنتظر الحكومة؟ هذه الحكومة كانت تعرف حجم المقاومة التي ستواجهها، فلماذا لا تتحرك على الأرض؟

· لا يمكنني أن أتحدث بلسان الحكومة، صحيح أنا خبير مالي واقتصادي أعمل مع الدولة اللبنانية، وأعاون السلطات المالية من خلال هذا الدور، لكن هذا الموضوع يترك للقادة وللسياسيين.. نحن كخبراء وضعنا أمامهم الوقائع وهم يعرفون ما يحصل، ويبقى أنهم هم أصحاب القرار.

لا شك أن لبنان متنوع ويخضع للتجمعات واللوبيات، وللأسف الشديد نجد صعوبة كبيرة في اتخاذ القرار بسبب هذه التركيبة، وهذا التأخير من الأمور الجوهرية التي تزيد من عمق الأزمة المالية والاقتصادية ومن تأثيراتها.

– نحن أمام أزمة اقتصادية وأمام شرخ سياسي عمودي، فهل الحل في رأيك سياسي أم اقتصادي؟ وكيف يمكن تحقيق نقطة التقاء لزرع بذور الحل؟

في الموضوع المالي نحن لسنا أمام انفصام سياسي، بل أمام انقسام من نوع آخر بين إصلاحيين وغير إصلاحيين.. هو في رأيي انقسام عابر للأحزاب السياسية وعابر للمجموعات الطائفية وغيرها في الاتجاهين. هناك مجموعات كانت في الماضي متخاصمة التقت على هدف المحافظة على امتيازاتها، من خلال إسقاط مشروع التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وإسقاط الخطة الحكومية.. وهناك مجموعات أخرى من المجتمع والأحزاب والجامعات ترى مخاطر عدم الذهاب إلى اتفاق مع صندوق النقد وتتحدث بهذه اللغة.. لا أنكر أن الفريق المعارض هو الأقوى من خلال الوسائل المتاحة لديه، ومن خلال دفاعه عن منظومة مترسخة.