أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


الشرق أو الغرب؟ (بقلم الناشط السياسي ميشال غنيم)


لقد كثرت في الآونة الأخيرة التساؤلات والتحليلات عن تدخّل الصين في الشرق الأوسط وعن إمكانية قبول الدولة اللبنانية بالعروض التي تفضّلت بها بعض الشركات الصينية من مشاريع إنمائية واقتصادية قد تنعش ليس فقط لبنان، بل الجوار بأكمله. تلقّت هذه العروض المقدّمة ترحيباً واسعاً من قبل اللبنانيين إذا أنّ الشعب سيقبل أي مساعدة قد تأتيه في ظل هذه الأوضاع الرديئة اقتصادياً ومالياً، ولكن واجهت أيضاً تلك العروض حملة رفض شبه كبيرة من قبل بعض اللبنانيين الذين يروا أن الإنفتاح على الشرق ربما قد ينهي علاقة لبنان مع دول الغرب. فالسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: “هل الحل هو بتفضيل محور على الآخر أم وضع لبنان في موقع تنويع العلاقات؟”

لا يمكننا في يومنا الحالي إلّا الإعتراف بتحسّن جمهورية الصين على كل الأصعدة وانهائها أحادية الولايات المتحدة في أخذ القرارات وتنفيذها حيث أن الصين اليوم تشكّل قوة اقتصادية عظمى غيّرت كل المعادلات وخلطت كل الأوراق في لعبة العلاقات الدولية. فطريق الحرير مثلاً التي قام بها الصينيون والتي تضم 123 دولة حتى الآن تفوق أرباحها مئات مليارات الدولارات وهي تسهّل عملية وصول البضائع الصينية وغيرها إلى العالم بأكمله.

فهل يمكن لدولة مثل لبنان أن ترفض إقامة العلاقات مع الشرق، وتحديداً الصين؟

إن المبادرات المقدّمة كإنشاء مشروع سكك للحديد أو أنفاق كبيرة التي تسهّل عملية المواصلات أو حتى مشاريع للبنى التحتية لا يمكن رفضها ولكن على لبنان بوضعه الخاص أن يرعى أيضاً الدول الكبرى التي ساندته في صعوباته على مدى التاريخ. فالصين تعتبر أكبر منافس للولايات المتحدة من حيث الإقتصاد أولاً والسياسة والعسكر ثانياً وثالثاً، وقد تبيّن ذلك بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الفترة الأخيرة إضافةً إلى إنشاء السفارة الصينية في فنزويلا والمشاريع الإنمائية المنافسة في القارة الافريقية. لذلك، بعد كل هذا التحسّن التي شهدته الصين، لا يمكن إلّا أن نرى الكثير ممّن يريدون الإنفتاح عليها في ظل الكارثة المعيشية التي طرأت على الشعب اللبناني ممّا يبرّر هذا الطلب “الصعب” ويشرّعه من الناحية الإنسانية والغريزية، ولكن هل يمكن أن تبصر هذه المشاريع النور من الناحية الواقعية؟

من الناحية الأخرى، فمؤيدو فكرة هيمنة الغرب على لبنان سياسياً واقتصادياً واجهت الكثير من ردات الفعل السلبية، ولكن لهؤلاء حجتهم وأسبابهم التي دفعتهم على تكوين هذه الفكرة. منذ إنشاء دولة لبنان الكبير، كان للغرب الدور الأكبر إن لم يكن الوحيد في الشرق الأوسط وتحديداً لبنان في عملية صنع القرار والهيمنة سياسياً من حيث الإتفاقيات، وعسكرياً من حيث بناء القواعد العسكرية والسفارات الكبيرة، واقتصادياً ومالياً من حيث فرض الشروط التجارية والتحكم بسياسات المصرف المركزي التي تخدم المصلحة الأميركية بالدرجة الأولى. بغضّ النظر إن كانت هذه الهيمنة ايجابية أم سلبية، وبالرغم من كل النتائج التي تسببت فيها بلاد الغرب، لا يمكننا أن ننسى المساعدات المالية التي أعطيت للبنان إن كان في باريس ١ وباريس ٢ ولا يمكن أن ينسى البعض التقديمات العسكرية للجيش اللبناني رغم أنها لم تكن كافية أبداً لردع أي عدوان خارجي. فالسؤال الذي يكرره الكثر: “ماذا قدم الشرق للبنان مقابل كل ما قدمه الغرب لنا؟”

فلو كان هناك دولة محترمة لا فساد فيها، فلم يكن للبنان أن يصبح على شفير الإفلاس والإنهيار في ظل كل الأموال التي حصل عليها من تلك الدول. فالمشكلة الأساسية هي ليست بالتدخل الخارجي بالشؤون الداخلية بل سببها النظام الداخلي والمنظومة التي هدرت الأموال بدل الإستثمار فيها والتي سمحت للفساد أن يستشري في جذور الدولة ومؤسساتها.

ما يمكننا قوله اليوم هو أن الإنفتاح على محور واحد فقط لا يفيد لبنان على أي صعيد بل يضرّه ويجعل منه رهينة تستخدمها الدول بحسب مصالحها وقد أثبت لنا التاريخ ذلك. ولهذا السبب، إن الكلام في الآونة الأخيرة عن التوجه شرقاً لا يعني أن لبنان سيتوجه إلى الصين وينسى بلاد الغرب أو أن يتّبع سياسة “الإنزواء” التي يتكلم عنها البعض بل ربما فقط ضغط معنوي على صندوق النقد الدولي وعلى بلاد الغرب التي تلعب دوراً كبيراً بالحصار الإقتصادي على لبنان. إضافةً إلى ذلك، موقع لبنان الاستراتيجي جغرافياً والذي ينعم بثروة نفطية وغازية ضخمة لا يستطيع اليوم أن يكون إلّا صديقاً للجميع متجنّباً كل الصراعات الإقليمية والدولية. للأسف، فهناك الكثير من الضغوطات على دولتنا كالنفط مثلاً حيث يجب أن يكون نعمة بدلاً من أن يكون نقمة وزيادةً على ذلك إعلان صفقة القرن التي تدور في الأفق والتي سيتم إعلانها على الأرجح في الأشهر القليلة القادمة والتي سيترتّب عنها ضغط لتوطين الفلسطينيين في لبنان.

أخيراً، بالرغم من كل النزاعات التي تحصل بين العمالقة، فالإتفاق هو تحصيل حاصل على حساب الصغار ونحن اليوم لن نسمح أن يكون لبنان “كبش محرقة”. فالولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية سيجلسان على طاولة حوار مهما طالت هذه الأزمة وسيكون هناك اتفاق نووي جديد سيخدم مصلحة الدولتين وحينها سيكون من حرّض اتُّهم ومن قتل قتل ومن هرب هرب. فالتاريخ علّمنا ألّا نؤيد طرف أو محور واحد بل الإنفتاح على الجميع وإتباع سياسة تنويع العلاقات مع الجميع وأخذ ما هو أفضل لمصلحة لبنان وسيادته من كل دولة تريد التواصل مع لبنان أو الإستثمار فيه… فعند تغيير الدول، احفظ رأسك!