أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


من “الفقر مقابل الحرب الأهليّة” الى تجديد الوضع السياسي والاقتصاديّ ككلّ.. (سايد درغام)


الوضع السياسي اللبناني
حوارٍ شاملٍ مع الدكتور سايد درغام (مجلة “بيبلوس” – عدد ١ حزيران ٢٠٢٠)


في خضمّ الوضع المتأزّم في مختلف الساحات الإقليميّة والعالميّة، يبقى الوضع السياسي في لبنان – بدوره – على أوجِه من السخونة والتأزّم.

وبين هذا وذاك تداخل مصالح ومحاور، ونتائج على مختلف الصُّعد الاقتصاديّة والاجتماعيّة عدا عن السياسيّة.
قراءةً لهذه المتغيّرات المتلاحقة وتصويباً لما يعتري المشهد اللبنانيّ من انقساماتٍ وتوجّهاتٍ على غير ما يلائم المصلحة الوطنيّة ويتناسب مع تطلّعات الشعب، يتحدّث الدكتور سايد درغام (وهو المفكّر والناشط السياسيّ البارز)، طارحاً العناوين التالية:

“الفقر مقابل الحرب الأهليّة”

“نسمع في الآونة الأخيرة مقولة “السلاح مقابل الحرب الأهليّة”.

لكنّ المطلوب بالواقع هو “الفقر والجوع مقابل الحرب الأهليّة”.

لأنّ ما يحصل يوضَع في إطار التدمير الذاتي autodestruction، أي أنّه أزمة مفتعلة.

أصبحنا اليوم مفلِسين والديون متراكمةً على الدولة، وهذا الحال هو نتيجة تراكماتٍ لسنواتٍ عديدة، وقد أتى يوم الاستحقاق. إذاً، ال MOMENTO لهذه المطالبات والشعارات سياسيّ، وتستفيد منه كلّ من الولايات المتّحدة وإسرائيل، فترى هتافاتٍ تدعو إلى تنفيذ القرار 1559.

وبالنظر إلى ما يجري في المنطقة من حروب (في سوريا والعراق واليمن وليبيا)، نرى أنّ الدمار الذي حصل فيها لا يمكن أن يعادله الدمار الذي قد تقوم به إسرائيل بنفسها. إذاً، إنّها سياسة التدمير الذاتي.

كما ولا ننسى الابتزاز الذي تعرّضت له السعوديّة من قِبل رئيس الولاايت المتّحدة الأميركيّة، حين طالبهم ترامب بدفع الأموال مقابل حمايتها، ومن ثمّ طلب منهم دعم صفقة القرن.

أنا لا أتّهم أيّ فريقٍ أو أيّ شخصٍ في لبنان بالعمالة، لكنّ وضعنا خاصّ ودقيق جدّاً. فالفساد مستشرٍ، والأموال منهوبة، ووضع المنطقة يتميّز بغياب الحريّات والديمقراطيّة ما يسمح بالاقتتال والتشرذم.

فالموضوع إذن يجعل كلّ لبنانيٍّ قابلاً لكي يتمّ التلاعب به.

نسمع أيضاً بأنّ حزب الله هو سبب الجوع الموجود اليوم، خاصّةً وأنّنا في محور الممانعة ونتلقّى تبعات “قانون قيصر”.

لكن، كيف ذلك، بينما حين كانت الحرب في سوريا قائمةً كانت الأوضاع الاقتصاديّة جيّدةً في لبنان؟

إذاً، تستغلّ إسرائيل الوضع القائم، بعد أن غيّرت سياستها الحربيّة بأخرى. فبوجود مواقع التواصل الاجتماعي، لم تعد تستطيع تصفية جيوشٍ كما فعلت في صحراء سيناء عام 1967 (حينما أعدمت آلاف الجنود المصريّين)، ولم تعد تستطيع القيام بالحروب؛ لا بل باتت تظهِر نفسها للعالم بأنّها ضعيفة ومسالمة، والشعوب من حولها تتقاتل بطريقةٍ همجيّة.

وعلى سبيل المثال، ففي عام 2006، ضربت إسرائيل الجسور في مناطق لا تتواجد فيها المقاومة بهدف إثارة بلبلةٍ شعبيّةٍ لتحقيق غايتها في حربٍ أهليّة، وفشلت.

ومن المهمّ معرفة أن لا فريق في لبنان يودّ الذهاب إلى حربٍ أهليّة”.

تبعات المطالبة بتنفيذ القرارات الدوليّة

“حين نقوم بالمطالبة بتنفيذ القرارات الدوليّة كالقرارات 1559 و1701 و1680، فإنّنا نساهم في إشعال نار الفتنة. لا أقصد هنا أنّ من يقوم بإطلاق هذه الشعارات هو عميل، لا بل لديه نظرة خاصّة للوضع القائم، لكنّ هكذا مطالباتٍ من الممكن أن تساهم بصراعٍ سنّيّ – شيعيّ، وما حصل في تحرّكات السبت السادس من حزيران الجاري، كان قطوعاً مرّ على لبنان وشعبه؛ ولولا وعي القيادات وتدخّل الجيش اللبناني لكنّا دخلنا في مرحلةٍ لا تحمد عقباها.

وفي مسألة المطالبة بنزع سلاح المقاومة تطبيقاً للقرارات الدوليّة، أريد أن أورد مثلا بسيطاً:

عام 1982، وكنت أبلغ آنذاك السابعة عشرة من العمر، انسحبت منظّمة التحرير الفلسطينيّة من مرفأ بيروت بعد هزيمتها على يد الإسرائيليّين. وقد رفع ياسر عرفات أثناء انسحابه علامة النصر.

وفي عام 1983، عُقد مؤتمراً للمجلس الوطني لمنظّمة التحرير في الجزائر، قال خلاله عرفات: “ثلاثة حيوشٍ عربيّةٍ هزمتها إسرائيل في ستّة أيّام، وقضمت ما قضمت من أراضٍ وقتلت ما قتلت من جنودٍ وبشر. ونحن مقاومة فلسطينيّة صغيرة وقفنا أمام الآلة العسكريّة الإسرائيليّة 88 يوماً وفرضنا عليهم وقف إطلاق النار والانسحاب المشرّف”.

إذاً، ما نتعلّمه من هذا المثل، أنّ إسرائيل لا تواجَه اليوم سوى بمقاوماتٍ صغيرةٍ وليس بجيوشٍ منظّمة، لأنّ هناك دائماً تفوّقاً عسكريّاً لها.

وبالعودة إلى حرب تمّوز 2006، فهل حقّقت إسرائيل مطلبها في القضاء على حزب الله وتسليم الجنديَّين الإسرائيليَّين الأسيرَين؟ لا.

وهذا بفضل تنفيذ تكتيك “تقصفوننا نقصفكم”، بواسطة الصواريخ القصيرة والمتوسّطة المدى التي لا تستطيع صواريخ الباتريوت إسقاطها والتي بإمكانها الوصول إلى تلّ أبيب وإلى أيّ بقعةٍ في فلسطين المحتلّة، بمقابل وصول الصواريخ الإسرائيليّة إلى بيروت”.

تجديد الوضع السياسي والاقتصاديّ ككلّ

“بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي، فهناك حلول وخطوات سياسيّة يجب اتّباعها كي ينعم لبنان بالاستقرار السياسي والذي سينعكس بدوره على وضعه الاقتصادي.

ويجب الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج، عبر تنمية الزراعة والصناعة والسياحة.

ونعطي مثلاً على ذلك، فنحن في بلدٍ طول شاطئه 210 كيلومتراتٍ بينما نستمرّ في استيراد الأسماك.

فيجب تنظيم الصيد وتفعيل قانون الصيد، وأقترح أيضاً إنشاء شركةٍ لبنانيّةٍ بمشاركة الصيادين، لإنتاج وتوريد الأسماك (وهذا المقترح رفعتُه بكتابٍ إلى دولة رئيس الحكومة).

إلى ذلك، فلبنان من أجمل البلدان السياحيّة، ونستطيع بسهولةٍ رفع أعداد السيّاح ومدخول السياحة، على شرط اتّخاذ خطواتٍ كالتالي:

  • تنظيف وترتيب الشواطئ.
  • إنشاء مزارع للسّمك على الشواطئ.
  • تنظيم وتنمية الشركات السياحيّة.
  • العمل على ثقافة استقبال السائح وعدم استغلاله، ووضع أسعارٍ مدروسةٍ للمنتجات السياحيّة.

وعلى الصعيد السياسي، صحيح أنّ الحكومة تضمّ أشخاصاً تكنوقراط، لكنّها محسوبة على فريقٍ سياسيٍّ بالطبع.

فالمرحلة الأولى لبناء وطنٍ يجب أن تكون عبر حكم أكثريّةٍ ومعارضة أقليّةٍ في المجلس النيابي.

صحيح أنّ هناك مواطنين ينتمون إلى أحزاب، ولكن هناك أيضاً من ليسوا متحزّبين، فعليهم أن يحاسبوا المؤتمنين على الوطن. فإمّا أن نعيد انتخابهم أو يذهبوا إلى منازلهم، كما يحصل في أيّ بلدٍ من البلدان المتقدّمة الديمقراطيّة. كما وأنّ ذهنيّة اللبناني يجب أن تتغيّر، فمثلاً منذ العام 1994 هناك هدر في الكهرباء وساعات الكيلووات كانت تُسعَّر على أساس برميل النفط الذي كان يعادل 20 دولاراً، وقد وصل في ما بعد إلى 100 دولار، ونحن كمواطنين نأخذ الكهرباء مدعومةً من الدولة، إذاً فنحن نساهم عن غير قصدٍ في الهدر العامّ ونزيد من العجز؛ كما وأنّ هناك الكثير ممّن يسرقون الكهرباء.

ومن ناحيةٍ أخرى، الموظّفون الذين يريدون قبض معاشاتهم من دون الحضور يساهمون في انتشار الفساد.
وغيرها من الأمثلة العديدة.

إذاً، في مقابل أكثريّةٍ تحكم يجب أن تراقب الأقليّة وأن تسعى للوصول إلى الحكم في دورةٍ مقبلة، وأن تكون قادرةً على محاسبة الحكومة وأعمالها.

المرحلة الثانية تكون في الإتيان بقضاءٍ نزيهٍ ومستقلّ، ويجب أن يكون للقضاء جهاز أمنيّ يحمي كلّ قاضٍ، لأنّ هناك خطراً محتملاً على حياته.

وبالتالي، يجب تنفيذ قانون “من أين لك هذا”، الذي يفسح في المجال لمحاسبة أيّ موظّفٍ عامّ بمجرّد الاشتباه في ثرائه المفاجئ.

فنرى اليوم أنّه حينما يقوم المواطن باتّهام الموظّف بالسرقة أوّل سؤالٍ يتمّ طرحه على المواطن: من أين لك هذه المعلومات؟ في حين أنّ السؤال يجب أن يوجَّه إلى الموظّف: من أين لك هذا؟ فيتمّ التحقيق مع المتّهم لإثبات براءته، عبر رفع السريّة المصرفيّة عنه وعن كلّ أقاربه وكلّ من يتعامل معه، وهذا يشمل الجميع أي كلّ موظّفٍ عامٍّ من رئيس الجمهوريّة ونزولاً.

المرحلة الثالثة هي انتخاب رئيس الجمهوريّة مباشرةً من قبل الشعب. فمنذ العام 1988 ونحن نتعثّر وندخل في فترات فراغٍ رئاسيّة.

وفي أيّام الوصاية السوريّة، حصل تمديدان للرئاسة الأولى خلافاً للدستور. التمديد الأوّل للرئيس الهراوي، والثاني للرئيس لحّود.

وصولاً إلى عام 2014، حين حدث الفراغ لمدّة سنتَين ونصف السنة.

اقتراحي أن نطبّق ما حصل في الجمهوريّة الفرنسيّة الخامسة، عندما انتُخب الرئيس ديغول عام 1958 من الشعب مباشرة.

وعكذا، يتمّ انتخاب الرئيس الماروني من الشعب مباشرةً بشكلٍ مؤقّتٍ على دورتَين، في الدورة الأولى يترشّح من يشاء.

وبعد أسبوعَين، تُجرى الدورة الثانية، ويخوضها أوّل اثنَين حازا على أكبر قدرٍ من أصوات اللبنانيّين، على أن يكونا من بين الأربعة الأوائل بأصوات المسيحيّين.

أمّا إذا انتقلنا إلى النظام المدني، فلن يكون هناك حديث عن مذهب رئيس الجمهوريّة أو رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النوّاب، مع إمكانيّة تأسيس مجلسٍ للشيوخ أيضاً”.