عباس ضاهر – لم تمر ثمان وأربعون ساعة على حادثة إستهداف إسرائيل لسيارة “حزب الله” في منطقة جديدة يابوس السورية قرب الحدود اللبنانية، حتى جرى توزيع المشهد الذي التقطته إحدى كاميرات المراقبة التابعة لأحد المحال التجارية في تلك المنطقة السورية. عادة، كانت تبقى الرسائل المشابهة بين الإسرائيليين و”حزب الله” غير مكشوفة إعلامياً وللرأي العام. لكن طبيعة المكان المكشوف إستلزم تعاملاً مختلفاً عند الطرفين.
أظهر المشهد ما كانت تحدّثت عنه “النشرة” بعد حادثة الإعتداء، بأن ركّاب السيارة التابعين للحزب غادروها بعد سقوط صاروخ إسرائيلي تحذيري أمامها، ليستهدف الصاروخ الثاني السيارة في رسالة إسرائيلية واضحة، أبرزها الإسرائيليون لاحقاً بأنها أتت في سياق محاربة “مشروع الصواريخ الدقيقة التي يطوّرها حزب الله”. برزت الأسئلة بعدها: لماذا لا يريد الإسرائيليون التصعيد والإكتفاء بالرسائل؟ هل تخشى تل أبيب من رد فعل الحزب؟ ما علاقة الروس بإبلاغ السوريين أن الطائرات الإسرائيلية تلاحق سيارة لحزب الله، مما عجّل في ترك المحازبين السيارة على عجل؟
كل تلك الاسئلة تجد جواباً اساسياَ أن “محور المقاومة” وإسرائيل، يستكملان المضي قدماً في الحرب غير المباشرة، لكنهما لم يخرقا قواعد الإشتباك القائمة فعلياً. لكن تل أبيب عملت على تجييش الرأي العام لديها على أساس انها تريد منع وجود بنية عسكرية للمحور المذكور في الجولان. فجاءت كل تحليلات عسكرييها تصبّ في هذا الإطار، بإدّعاء أن “إيران أرسلت منظومة صواريخ دقيقة إلى سوريا وحزب الله، لإستخدامها لاحقاً في الجولان، يقتضي إجهاض غايتها”.
مساء الجمعة، تلاحقت الرسائل التي وجهها حزب الله لإسرائيل، من دون أن يُصدر او يتبنّى الحزب لا مباشرة ولا بشكل إعلامي غير مباشر، أي خبر أو حدث أو عملية. لكن بمجرد السماح بتوزيع لقطات إستهداف السيارة في جديدة يابوس، ثم حصول عملية قطع الشريط الذي تضعه إسرائيل على حدود لبنان الجنوبية، يعني أن معنى الرسائل هو: قادرون على الرد عليكم هنا، بالوصول الى داخل المستعمرات أو المراكز العسكرية الإسرائيلية في الجليل بسهولة، وساعة نشاء، ومن دون الحاجة إلى إستخدام مساحة الجولان السوري كممر او معبر. وهو ترجمة لكلام قيادة الحزب بأن الرد يكون من داخل الأراضي اللبنانية.
فماذا حصل جنوباً؟
إنتبه الإسرائيليون إلى أنّ الشريط الحدودي الشائك جرى تقطيعه في ثلاث نقاط: الأولى، في نقطة قريبة من مستوطنة المطّلة قبالة بلدة كفركلا وسهل بلدة الخيام. الثانية، في منطقة قريبة من مستوطنة يفتاح الواقعة قبالة بلدتي عيترون وميس الجبل. الثالثة، في نقطة قريبة من مستوطنة أفيفيم قبالة بلدة مارون الراس.
لم يعلّق حزب الله على ما أورده الإعلام العبري ولا بشأن ما تحدث عنه الجيش الإسرائيلي بأن “هذا يدل على عمل منسّق لا يتم إلا بموافقة حزب الله”. لكن الرسالة وصلت بالكامل، وهي أشد قلقاً لتل أبيب من الرد الصاروخي الناري. لأن من يستطيع أن يقص الشريط بثلاث نقاط، يقدر على قطعه في عشر نقاط. خصوصاً أن إختيار النقاط المذكورة أعلاه، له دلالات إستراتيجية أيضاً بإعتبارها تؤدي إلى الوصول لتلك المستعمرات الشمالية والأمكنة الحسّاسة إسرائيلياً. ومن يستطيع أن يقطع الشريط، يستطيع أن يصل إلى داخل تلك الأمكنة خلال بضع دقائق، قبل أن يتحرك الإسرائيليون.
تقوم فكرة التواجد الإسرائيلي شمالاً على الأمن الذي يسمح للمزارعين بالقيام بأعمالهم، والصناعيين بإنتاج صناعاتهم، وعيش المستوطنين بإستقرار نسبي، لكن الإقدام على الإطاحة بركيزة الأمن عبر قطع الشريط الشائك، يمهّد لترجمة فرضية الدخول إلى الجليل ساعة يشاء حزب الله، وينسف فكرة الردع الأمني الإسرائيلي من أساسها في كل الجليل.
صحيح ان الحزب خرق في الشكل قواعد الإشتباك القائمة ضمنياً بينه وبين الإسرائيليين. لكن رسالته جاءت معبّرة: خرق لقواعد الإشتباك في الشكل، وعدم المس بها في المضمون، بما يطبّق عنوان التوازن في الردع.
لم تقتل إسرائيل عنصرا واحداً للحزب خلال استهداف السيارة، ولم يقتل الحزب اي فرد إسرائيلي. لم تُخِلْ تل أبيب بقواعد الاشتباك القائمة، ولم يغيّر الحزب قواعد الإشتباك بشكل جوهري. أرسلت تل أبيب رسالة نارية واضحة، فأرسل الحزب رسالة أخطر وأعمق وأكثر دلالة للإسرائيليين.
هل تقف الأمور عند هذا الحد؟.
المصدر: النشرة