أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


اتجاهات الصراع وطبيعته بعد حلب

العميد د. امين محمد حطيط –
 بات صارخا ان سقوط الإرهاب في حلب أسقط المشروع العدواني الذي استهدف سورية ومحور المقاومة والمنطقة برمتها، ولا يناقش عاقل خبير بالشؤون السياسية او العسكرية او الاستراتيجية في امر بات مسلمة ثابتة مفادها ان الصراع الدولي على ارض السورية حسمت وجهة نتائجه وطبيعتها في حلب التي سقط فيها الجيش الإرهابي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية وخرجت فلوله من حلب بالباصات الخضراء التي باتت حركتها من مواقع الإرهاب باتت رمزا للهزيمة الإرهابية.
فبعد حلب بات تصنيف أطراف الصراع ممكنا وبموضوعية ان هناك طرف منتصر وهو معسكر الدفاع عن سورية وطرف مهزوم وهو تحالف العدوان عليها وعلى المنطقة، ومن المرات النادرة التي يخرج فيها الاعلام الغربي والإسرائيلي معترفا وبوضوح كلي بالهزيمة التي حلت بالمعتدين ومقرا بنصر الدفاع وفي عنوان رئيسي في مجلات عريقة لديهم تصدرت صفحتها الأولى عبارة: “الأسد انتصر “.
والان سيطرح المعنيون بالصراع الدولي الجاري على الأرض السورية السؤال الكبير ماذا بعد حلب؟ هل سيتوقف الصراع ام تتغير طبيعته ويستمر، ثم ما هي الخطط البديلة وما هي اتجاهات المواجهة او المهادنة او التطبيع ان تم التفكير به؟ طبعا أسئلة وتحديات كبيرة ستفرض نفسها على المعنيين وتفرض عليهم الإجابة وتحديد المواقف بصددها، فالانتصار في حلب ليس انتصارا ميدانيا موضعيا وليس انتصارا في معركة معزولة بل انه كما أسلفنا سابقا يندرج في لائحة الاحداث العالمية الكبرى التي تعتبر منطلقا لتقويم دولي جديد من غير مغالاة او أفراط في الوصف ففي حلب سقط مشروع كوني وفي حلب شمخ دفاع إقليمي ذو بعد دولي الامر الذي يفرض الأسئلة من لطبيعة المتقدمة أعلاه.
اما في الإجابة فأننا نتوقف عند مواقف معسكر العدوان الأولية والتي تتمحور عند امرين أساسيين الأول الرفض العلني الظاهري للتسليم بالهزيمة وإطلاق مقولة ” انتهاء معركة حلب لا يعني انتهاء الحرب وتصفية الازمة “وتمسك البلهاء يمقولة جوفاء شبعت اهتراء وتآكلا “الأسد ليس جزءا من الحل” والثاني حالة الارتباك والتفكك والعجز عن ابداع خطة جديدة ذات طبيعة استراتيجية تمكن من تحقيق شيء من اهداف العدوان الاستراتيجية الكبرى كليا او جزئيا.
ففي حلب سقط مشروع تقسيم سوري و هو الخطة الاميركية البدلية التي اعتمدت بعد ان كانت سقطت قبلها في العام 2015 خطة الاستيلاء على كامل سورية و في حلب اكد ميدانها ان الحكومة السورية المنتخبة بقيادة الرئيس الأسد هي المؤهلة وحدها لقيادة سورية و أي عملية تصالحية وطنية او ما يسمى بالعملية السياسية التطويرية و كل ما يقال خارج هذه الحقيقة يكون كلاما فارغا لا يستند الى أرضية واقعية ، ما يعني ان اول تغيير بعد حلب سيطال العملية السياسية التي سيرى معسكر العدوان انها انتقلت مما كانت تريد أمريكا ان تكون عملية  علية أي من انتقال للسلطة من يد من انتخبه الشعب الى يد من تفرضه هي حاكما لسورية تحت عنوان الحكم الانتقالي .
اما اليوم فان أي حل سياسي قد يقود اليه تفاوض سوري سوري، لن يكون الا انطلاقا من الواقع السياسي السوري القائم بعد الإقرار الكلي بشرعيته التامة، والبحث عن تطوير ه يحظى بموافقة الشعب. حل سقفه بقبول ممثلي المعارضة غير المسلحة في عداد الحكومة القائمة بقيادة الرئيس الأسد. ولهذا ستصبح وثائق وأوراق كثيرة منتقية الصلاحية بدءا من بيان جنيف 1 الصادر في 30\6\2012 وصولا الى التفسير الأميركي المنحرف للقرار 2254 الصادر عن مجلس الامن وما بعده من اتفاقات ثنائية او جماعية داخل الأمم المتحدة او خارجها.
اما على الصعيد العسكري فأننا، وفي مقاربة لمواقف وحاجات وتطلعات كل من الطرفين المعتدي والمدافع، نجد ان المعتدي يلوح: بإطالة امد النزاع ” ودفع الأمور الى حرب استنزاف تحرم المدافع من استثمار انتصاره او العمل لتفريغ انتصاره من محتواه. وهذا ما سيفرض على المدافع ان يتعامل مع هذه الاحتمالات عبر تحصين الانتصار ثم اعتماد استراتيجية “الحسم السريع ” وفقا لجدول أولويات مدروس بعناية يعطل على المعتدي مسعاه.
وهنا نجد ان معسكر العدوان الذي يهدد بحرب استنزاف و التلويح بفتح اكثر من جبهة في ان واحد ، يعاني من نقطتي ضعف رئيسيتين الأول التشتت و تراجع الثقة المتبادلة بين مكوناته على الصعيد البنيوي ، و الثاني حجم الانهيار المعنوي في صفوف المسلحين الذين يستعملهم في عدوانه مضافا  الى تأكل البيئة الحاضنة التي كان يتحصن بها ، كل هذا سيكون معطوفا على تغيير ظاهري معلن في أهداف قيادة العدوان المتمثلة بأميركا بعد استلام ترامب للسلطة بعد شهر من الان ، خاصة انه حدد أهدافه ي سورية حتى الان بأمرين قتال داعش و الإرهاب ، و إقامة مناطق امنة في الشمال السوري بأموال الخليجيين اذا توفرت .
و اذا أجرينا تقدير موقف معمق من الوجهة العسكرية و الاستراتيجية للوصول الى ما يمكن ان يحصل في الميدان من قبل معسكر العدوان الذي حاله كما قدمنا لتوصلنا ببساطة الى القول بان المناطق الامنة المحكي عنها لن تكون ممكنة بعد المتغيرات الأخيرة ، اما قتال الإرهابيين فانه سيفرض بصورة او أخرى تجنب القوات السورية الشرعية و حلفائها لابل اجراء تنسيق و لو محدودا معها مباشرة او مداورة من اجل تفعيل المواجهة مع الإرهاب ، هذا ان صدقوا و ان اخلفوا و هو الأرجح فان اقل ما يقال لن يكون لدى العدوان خطة استراتيجية جدية تعيد الى الاذهان خططهم الخمس الساقطة و التي كلفت لإسقاطها الكثير من التضحيات التي قدمتها سورية و حلفاؤها ، و يبقى ما يحضر له من حرب استنزاف و هو ما سيكون التحدي الفعلي للدفاع .
اما على صعيد معسكر الدفاع فانه ومحكوما بقواعد العلم العسكري والاستراتيجي سيجد نفسه مدفوعا الى تحصين الانتصار ميدانيا عبر توسيع مروحة الأمان حول حلب شرقا باتجاه الباب وشمالا باتجاه اعزاز وغربا باتجاه ادلب الامر الذي إذا تحقق سينتج وضعا ثنائي المفاعيل، يكون فيه امن مستقر وبشكل نهائي لحلب وللشمال السوري، ويكون فيه أيضا امر استراتيجي هو وتغيير في دور العامل التركي في الازمة السورية من عدوان الى دفاعي وفي هذا قفزة نوعية تتم لصالح سورية وحلفائها.
اما المهمة الملحة الثانية التي سيواجهها هذا المعسكر فهي توسيع دائرة الأمان حول دمشق مركز الثقل النوعي الاستراتيجي الأول للدولة، ولا يكون ذلك الا عبر استكمال تطهير ريفها وغوطتها كلها من الإرهابيين وهذا لا يعني حصر المعالجة بالعمل العسكري فقط حيث ان المسار التصالحي الذي رسمته الدولة أدى الى نتائج رائعة يمكن البناء عليها خاصة في الآونة الأخيرة وان ما حصل في حلب برأينا سيسهل العمل على هذا لمسار بكل تأكيد ويبقى الخيار العسكري باليد يلجأ اليه في حال تعثر الأول. اما مواجهة حرب الاستنزاف فسيتطلب الحسم في مناطق الأولويات وعدم الانجرار الى افخاخ الجبهات المتعددة.
ومختصر القول ان المشهد بعد حلب سيكون من طبيعة واتجاهات مختلفة جذريا عما كان قائما قبلها اذ سيؤرخ لبداية الانطلاق نحو نهاية العدوان على سورية اعتبارا من 15 \12 2016 تاريخ سقوط الإرهاب والعدوان في حلب، وسيظهر التغيير سياسيا عبر عملية جديدة تكون وفقا لقواعد وأصول ومرجعيات جديدة وقد يكون اللقاء الروسي – التركي – الإيراني كما والروسي الإيراني المرتقب في استانا من الارهاصات الأولى لهذا التغيير رغم ادعاء اردغان بان اللقاء لن يكون بديلا عن جنيف. اما عسكريا فستظهر المتغيرات في طبيعة المواجهة وأهدافها حيث ستتحول الى ازعاج وارهاق مقدور عليه، كما ان شبكة التحالفات واهداف مكوناتها ستتغير الى حد قد يصل بالبعض من مكونات العدوان الى الانقلاب على ادواره السابقة.