أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


«النزوح السوري» و«الداعشيون» إلى أين… ماذا فعلنا في لبنان وتركيا؟

على وقع الخسائر الميدانية التي يتكبّدها تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، يبرز تحدي عودة الآف المقاتلين الذين التحقوا بـ«دولة الخلافة». عودةٌ تُؤرق الدولَ الغربية والعربية على حدٍّ سواء، خصوصاً أنّ عدد المقاتلين يُقدَّر بنحو 25 الى 30 ألفاً، في حين تعيش دول جوار سوريا تحدياتٍ وجودية، إذ يفوق عدد اللاجئين قدرتها على تلبية حاجاتهم. واقعٌ انطلقت منه «الإستشارية للدراسات الإستراتيجية والتواصل» في الطاولة المستديرة التي نظّمتها أمس الأوّل في سن الفيل تحت عنوان «أمن منطقة الشرق الأوسط تجاه الهجرة غير الشرعية»، وجمعت شخصياتٍ لبنانية وسورية وتركية وأوروبية، في ظلّ معطيات أوروبية عن احتمالات مراوَحة أزمة اللاجئين مكانَها للسنوات العشر المقبلة.

تُعدّ البلدية الوحدة المركزية الأولى التي تتعاطى مع ملف النزوح السوري، ولكنّ حجم الأزمة يفوق قدرتها، على حدّ تعبير رئيس بلدية الدكوانة ورئيس مجلس أمناء «الإستشارية» أنطوان شختورة، فيقول: «نعيش في لبنان احتقاناً إجتماعياً ناجماً من أزمة النازحين.

منافسة سورية لليد العاملة اللبنانية واستنزاف في الخدمات الصحية، وضغط على البنى التحتية التي أصبحت ضيّقة على اللبنانيين، فالمياه ليست كافية والدولة لم تعد قادرة على دعم سعر الرغيف، الإكتظاظ في الأبنية ورفع أسعار الإيجارات، بات المواطن اللبناني يعيش أزمات على صعيد السكن والتعليم والنقل».

سوريا لم تعد موجودة؟

من جهته، يحذّر المونسنيور كميل مبارك من مشاريع تُعدّ لمنطقة الشرق الأوسط، مُستشهِداً بكلام للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي دعا إلى توطين اللاجئين السوريين كأنّ «سوريا لم تعد موجودة». ويستعرض مبارك الإقتراحات التي رُفعت إلى الاتحاد الأوروبي حتى لا يضيّع السوري هويته.

فعلى المستوى التربوي، يلفت إلى ضرورة فتح المدارس بعد الظهر وتدريس السوريين وفق المنهج السوري وليس اللبناني، ليتمكّن الطلاب السوريون من متابعة دراستهم لاحقاً في بلدهم.

في الشق الاقتصادي، يذكّر مبارك بأنّه اقترح على الاتحاد الأوروبي ووكالات الغوث أن تعطى المساعدات الى الدولة اللبنانية وليس النازحين، لإقامة مشاريع إنمائية يعمل فيها السوريون.

ويقول: «المواليد السوريون في لبنان فاق عددهم الـ 40 الفاً، ولدينا سفارة سورية، فلماذا لا يتمّ تسجيل هؤلاء ولماذا انتظار إعطائهم هوية قيد الدرس؟ لماذا لا تُلزَم السفارة السورية بتحميلهم بطاقات سورية؟».

ويلفت إلى أنّ هناك «نحو 3 ملايين و872 غريباً في لبنان، سيصبح عددهم مساوِياً للبنانيين، فالدول تنهار إذا فاق عدد الغرباء فيها 12 في المئة من سكانها».

ويختم مبارك حديثه بالإشارة إلى أنّه في سوريا مناطق ليس فيها حروب ومساحتها أكبر تسع مرات من لبنان»، متسائلاً: «لماذا لا يتمّ أخذ النازحين السوريين اليها».

وزارة مستقلّة للاجئين

الأمين العام للمؤتمر الداعم للفدرالية ألفريد رياشي يطالب بإنشاء وزارة مستقلة للّاجئين. ويقول: «تداخل الوجود السوري داخل الأحياء والمناطق اللبنانية تسبّب في خلق إشكاليات إجتماعية وأمنيّة»، مشيراً إلى أنّ «هناك عمّالاً سوريين لا ينطبق عليهم مصطلح نازح».

في المقابل، يشدّد رئيس التحالف المدني الإسلامي أحمد الأيوبي على أنّ لبنان دفع ثمن إشكالية التعريف والالتباس لعدم اعتباره النازحين السوريين لاجئين، وهو ما أدّى الى عدم تلقّيه الدعم المطلوب.

ويسلّط الأيوبي الضوء على المشاكل المتعلّقة بحقوق الإنسان الأساسية التي يعاني منها اللاجئون، فعلى سبيل المثال عندما يُعتقل أيّ نازح سوري لا يمكنه تكليف محامٍ.

25 مليار دولار كلفة الأزمة

وبخلاف الأيوبي، يُعيد الخبير الإقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة التذكير بأنّ الحكومة اللبنانية تستخدم مصطلح النازحين لا اللاجئين رفضاً للتوطين. ويقول عجاقة: «في الأردن تمّ إنشاء مخيمات للاجئين، في تركيا على سبيل المثال كان هناك قرار سياسي موحَّد للتعاطي مع هذه الأزمة، بعكس الانقسام القوي جداً في لبنان».

وتبقى المشكلة الأبرز التي يثيرها النازحون السوريون حسب عجاقة أنّهم يأتون الى لبنان للاستفادة إقتصادياً وقسم منهم يعود الى سوريا خلال نهاية الاسبوع، لافتاً إلى أنّ كلفة الأزمة السورية على لبنان 25 مليار دولار من العام 2011 الى اليوم.

ويتّهم عجاقة المجتمع الدولي بممارسة «الخبث» تجاه النازحين، فهم «قالوا في مؤتمر لندن حرفياً… هذه أموال وابقوا اللاجئين لديكم».
وبخلاف المونسنيور مبارك، يعتبر عجاقة أنّه «لا نستطيع أخذ السوريين ووضعهم في أراضٍ قاحلة وإجبارهم على العودة».

مخيّمات على الحدود

في خضمّ هذا الجدال، يرى رئيس حركة البناء الوطني في سوريا أنس جودة أنّ الحلّ بإنشاء مخيمات على الحدود، وهو قد ناقش هذه المسألة عند لقائه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في اوسلو.

حينها أوضح باسيل لجودة أنّه حاول كلّ جهده، لكنّ الدولة اللبنانية لم تتّخذ إجراءات بسبب الخلاف السياسي، فضلاً على أنّ المشكلة ترتبط في الوقت عينه بالطرف السوري حسب باسيل.

وفي وقت تشير الأرقام المتداوَلة الى خسارة اللبنانيين 800 ألف فرصة عمل، يعتبر جودة أنّ السوريين يعملون في وظائف لا يقبل اللبنانيون بها.
من جهتها، تشير رئيسة المركز اللبناني للانتشار في جامعة NDU الدكتورة غريتا حوراني إلى أنّ تدخّل الحكومة اللبنانية تدرّج من التدخل الخفيف عام 2014 بالتعاطي مع مسألة اللاجئين بجدية ولا سيما ضد الذين يدخلون البلاد بشكل غير شرعي، وحظر التجوّل من بعض البلديات في حقّ السوريين، ومن ثمّ إغلاق الحدود فقط وعدم السماح إلّا للحالات الإنسانية الصعبة، إلى أن بلغ التوتر أوجه، حيث بدأ المجتمع الدولي بمساعدة لبنان بتبادل المعلومات الاستخبارية، وتنظيم برامج تدريب للقوات المسلّحة لتعزيز قدراتها على مواجهة الإرهاب، ودهم بعض مجتمعات النازحين حيث اتّهم بعضاً من عناصر «داعش» بالتسلّل بين النازحين، ولا سيما في عرسال والبقاع.

وتلفت حوراني إلى أنّ الحكومة اللبنانية وقّعت مذكرة تفاهم مع المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين UNHCR، وهذا يعني أنّها باتت تتعامل مع النازحين كلاجئين.

أين اللاجئون العراقيون؟

التركيز على النازحين السوريين فقط، يثير غضب منسّق حملة اللاجئين العراقيين في لبنان روي مرعب، فيقول: «إنّ 80 في المئة من اللاجئين العراقيين في لبنان هم مسيحيون. يأتي العراقي بالطائرة إلى لبنان ترانزيت لطلب الفيزا الى كندا، اوستراليا أو اميركا في بلد آخر، ولكن بعد شهرين يواجه مشكلة انتهاء الإقامة ويصبح وجوده غير شرعي».

ويشير مرعب إلى جهود مطرانية الروم الكلدان في سد البوشرية بالتعاون مع بلدية الدكوانة في مساعدة 100 ألف لاجئ عراقي. ويقول: «الأمم المتحدة لا تقدّم دولاراً واحداً للعراقي».

ويذكّر بحادثة تعرّض لها طفلٌ عراقي، وكانت عائلته لا تملك فلساً لعلاجه، فاضطرّوا لنقله الى مستشفى حكومي في صيدا، حيث لم يستطع الوالد الذي يعاني من شلل نصفي من دفع مبلغ 950 ألف ليرة فرق التغطية.

التجربة التركية

في تركيا أيضاً التي لديها تحفّظات على معاهدة جنيف الخاصة باللاجئين، كان هناك التباسٌ في توصيف الوضع القانوني للنازحين السوريين، إذ كان يطلق عليهم في البداية «الضيوف» و اليوم يُعرفون بأناس تحت «الحماية الموقّتة»، على حد تعبير المستشار في مركز Center for
Middle Eastern Strategic Studies
ORSAM ، والأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية في جامعة Uludag فرحات بيرنشي. وبخلاف الدعوات إلى إنشاء وزارة خاصة للنازحين في لبنان، يشير بيرنشي إلى أنّ الحكومة التركية لا تفكّر في إنشاء وزارة جديدة لهم، إذ تعتبر ذلك خطة لدمجهم في المجتمع التركي.

ويقول: «سعينا منذ 2011 الى إنشاء سلطة لإدارة الأزمة السورية وقمنا بأنفسنا بتسجيل السوريين، كانت تعرف بسلطة ادارة الكوارث التي كانت تتّبع رئيس الحكومة، وحالياً تتولّى مديرية عامة تعمل ضمن نطاق وزارة الداخلية هذا الملف».

ويرى أنّه منذ عام 2013 بدأ عدد اللاجئين يرتفع بعكس لبنان، ومن المتوقع أن يزداد عددهم مع بدء عمليات الإجلاء في حلب، إذ يُتوقع أن نستقبل 50 ألفاً خلال أيام. ويضيف: «إنّ 15 في المئة من السوريين يعيشون في المخيمات.

في البداية كانوا يتركّزون في المناطق الحدودية، اليوم هم موجودون في 68 منطقة في تركيا، اسطنبول وحدها تستضيف 400 ألف سوري»، مُذكّراً بتكبّد بلاده «25 مليار دولار لتأمين حاجات النازحين، فالمجتمع الدولي لم يعطِنا سوى 2 في المئة، وهو عبارة عن 500 مليون دولار قدّمها الإتحاد الاوروبي، أمّا الاتفاق الذي يقضي بمنح تركيا 3 مليارات دولار فلا يزال مؤجَّلاً».

فضلاً عن ذلك، يستعرض بيرنشي التداعيات الأمنية للأزمة السورية على تركيا، حيث بات التطرّف يشكّل التهديدَ الأكبر، ولا يقتصر على التهديد السلفي بل هناك حزب العمّال الكردستاني وأخواته في سوريا و»داعش» الذين يهدفون الى القيام بأعمال إرهابية تتخطّى الحدود، من دون إغفال محاولة الإنقلاب الفاشلة في 15 تموز الماضي لحركة «غولن».

ويقول: «نحن نتشارك الحدود الأطول مع سوريا، ما دفع البعض الى الاعتقاد أنّ تركيا كانت تساعد «داعش»، وأنّها كانت ممرّاً للمحاربين الاجانب، ولكن يظهر أنّ التونسيين يتصدّرون لائحة الإرهابيين الذين يقاتلون في سوريا».

ويشير إلى أنّه في البداية كان هناك غيابٌ لتشارك المعلومات الإستخبارية، ولكن مع بدء إدراك الدول الأوروبية لخطورة «داعش» بدأوا يتعاونون في مجال تبادل المعلومات، ورحّلت تركيا بعدها 3500 أجنبي، ومُنِع أكثر من 40 الف تركي من المغادرة بفضل تشارك المعلومات.

أمام هذا الواقع، يتساءل المدير العام للإستشارية الدكتور عماد رزق: «إذا كانت هناك مصالحة مستقبَلاً في سوريا فإلى أين سيعود المقاتلون الأجانب والإرهابيون؟ على الأرجح الى ليبيا، وهذا سيجعل شمالي أفريقيا مصدرَ تهديدٍ للدول الأوروبية»، التي كانت ممثلة في اللقاء بشخص سفير رومانيا وممثل مصالح الإتحاد الأوروبي في سوريا دان ساندوفشي.

ويعتبر رزق أنّ «ما شاهدناه من اتصالات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان لجهة وجود بعض التعاون لدفع عملية السلام، ولدفع الإسلاميين المتطرّفين الى الخروج، أغضب الأميركيين».

ويختم بالتذكير أنّ التفجيرات الأخيرة التي وقعت في اسطنبول قد تحدث في أيّ دولة أخرى، مُحذّراً الدول الاوروبية من أنّ المقاتلين الأجانب قد يصبحون على أبوابها عاجلاً أم آجلاً، مُرجِّحاً استمرارَ الحرب السورية بدليل أنّ الاوروبيّين يتحدّثون عن 10 سنوات لتمويل الأزمة.

في المحصّلة، أجمَع المشاركون على ضرورة التعامل بإنسانية مع اللاجئين، لكنّ الوضع في نظرهم لم يعد يحتمل، إذ بات مصيرُ اللبناني نفسه ومستقبله في مهب الريح.

الجمهورية – مي الصايغ