أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


السهر والهجعة الثانية والثالثة..

🌸 ♰ 🌸
تفسير مُعمَّق من الآباء والقديسين لإنجيل القديس لوقا البشير – السهر (١٢: ٣٣-٤٠)

القطيع الجديد والصدقة

إن كان السيِّد المسيح قد دعا قطيعه بالصغير ليُحسب أهلاً لمسرة الآب الذي يهبهم الملكوت، فإنه يليق بهذا القطيع أن يعلن شوقه لهذا الملكوت المجاني بتخليه عن كنوز العالم وتقديمها للفقراء كمن يحفظونها لهم في البيت الجديد أي في السماء. بهذا يقدَّم لنا السيِّد المسيح مفهومًا جديدًا للعطاء أو الصدقة، ألا وهو الكشف عن تفريغ القلب من حب الزمنيات بقصد الشبع السماوي.

“بيعوا مالكم وأعطوا صدقة.
أعملوا لكم أكياسًا لا تفنى، وكنزًا لا ينفذ في السماوات،
حيث لا يقرب سارق، ولا يبلى سوس.
لأنه حيث يكون كنزكم هناك يكون قلبكم أيضًا” [33- 34].

يقول القدِّيس أغسطينوس: [ليت أعماله تعلن صوته]، بمعنى أن كان المؤمن يتحدَّث عن الملكوت، فليعلن حديثه هذا عمليًا بالعطاء.

ليكن شغفنا نحو الأمور المقبلة ثابتًا، لنخزن الرجاء في الأمور العتيدة ككنزٍ لنا. لنجمع أمامنا لأنفسنا كل هذه الأمور التي بها نتأهل لعطايا الله. (القدِّيس كيرلس الكبير)

الصدقة دواء لكل جرح. لكن الصدقة لا تُمارس بالعطاء المالي وحده، بل بكل ما يمكن للإنسان أن يريح به آخر، فالطبيب يعالج والحكيم يقدَّم مشورة. (القدِّيس يوحنا الذهبي الفم)

قد يسأل أحد: على أي أساس يلزمنا أن نبيع مالنا؟ هل لأنها أمور ضارة بطبعها؟ أو لأنها تمثل تجربة لنفوسنا؟
نجيب علي ذلك أولا بأن لو كان كل ما في العالم شرِّيرا في ذاته لما حُسبت خليقة الله، لأن خليقة الله صالحة (1تى 4: 4). ثانيًا أن وصيَّة ربَّنا تعلمنا أن ننزع الشر الذي فينا لا أن نقدَّمه للغير، قائلاً “اعطوا صدقة”. (القدِّيس باسيليوس الكبير)

القطيع الجديد ومجيء الصديق

إذ يرفع السيِّد قلب قطيعه الصغير نحو السماء، ويسأله أن يقدَّم كل كنوزه إلي المخازن السماويَّة حيث لا ينفذ إليها سوس، ولا يقترب منها سارق، يلهب القلب بمجيء العريس السماوي، راعي القطيع الجديد، فيبقى الجسد متمنطقًا كمن هو مستعد للرحيل معه، والنفس كسراج متقد بحب العريس القادم، وكل ما في كيان الإنسان في حالة سهر ويقظة ليرحل الكل إلي حيث يوجد العريس.

“لتكن أحقاؤكم ممنطقة وسرجكم موقدة.
وأنتم مثل أناس ينتظرون سيِّدهم متى يرجع من العريس
حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت” [35-36].

ما هي الأحقاء الممنطقة إلا الجسد العفيف الذي يسلك كما في حالة انضباط وتأدب؟ وما هي السرج الموقدة إلا النفوس الملتهبة بروح الله واهب الإنارة؟ ومن هم الأناس الذين ينتظرون سيِّدهم إلا طاقات الإنسان ودوافعه بكل عواطفه وأحاسيسه ومواهبه؟… الكل يعمل كما في يقظة من أجل العريس القادم ليملك.

تمنطق الأحقاء وربطها بجلد ميت (حزام جلدي يسمى المنطقة) من حولها يعني أن الإنسان يمارس إماتة هذه الأعضاء التي تضم بذار الشهوة والدنس، فيعرف علي الدوام وصيَّة الإنجيل: “لتكن أحقاؤكم ممنطقة”، مطبقًا ذلك كتفسير الرسول: “فأميتوا أعضاءكم التي علي الأرض الزنا النجاسة الهوى الشهوة الرديَّة” (كو 3: 5). نجد في الكتاب المقدَّس الذين يمنطقون أحقاءهم هم وحدهم الذين يهلكون بذار الشهوة الجسديَّة، مترنمين بقوَّة، مرددين كلمات الطوباوي داود: “قد صرت كزقٍ في الدخان” (مز 119: 83). (القدِّيس يوحنا كاسيان)

ماذا يعني: “أحقاؤكم ممنطقة”؟ اترك الشر (مز 34: 14).
ماذا يعنى “سرجكم موقدة”؟ اصنع الخير. (القدِّيس أغسطينوس)

الأحقاء الممنطقة تعني البتولية (أو العفة)، والسرج الموقدة الأعمال الصالحة. (القدِّيس أغسطينوس)

ماذا يعني أن نمنطق أحقاءنا؟ أن نضبط شهواتنا، الذي هو عمل العفة. أما إبقاء سرجنا يعني أن نشعلها ونوهجها بالأعمال الصالحة، أي بعمل البر. (القدِّيس أغسطينوس)

“لتكن أحقاؤكم ممنطقة”، أي تكونون دائمًا علي استعداد لتمارسوا عمل ربكم. “وسرجكم موقدة” أي لا تسلكون الحياة في ظلمة، إذ يكون لكم نور التعقل الذي يكشف ما يجب أن تفعلوه وما تمتنعوا عنه. فإن هذا العالم هو ليل، فمن لهم الأحقاء ممنطقة يمارسون حياة عملية نشطة. لأن هذا هو حال الخدم الذين يجب أن تكون لهم المصابيح الموقدة أي عطيَّة التمييز، فيكون الإنسان العامل قادرًا علي تمييز ليس فقط ما يجب أن يفعله، وإنما كيفيَّة ممارسته حتى لا يسقط مندفعًا في هوة الكبرياء.
لنجاهد ممارسين الفضائل، فيكون لنا سراجان منيران هما الفهم العقلي الذي يشرق في النفس فنستنير، والتعليم الذي به ننير للآخرين. (الأب ثيؤفلاكتيوس)

يليق بالرسل أن يتمنطقوا ليحملوا سرج الإنجيل. (القدِّيس جيروم)

لا يقل أحد أن السيِّد يريدنا أن نمنطق جسدنا، ونمسك بسرج في أيدينا (بالمعنى الحرفي)، فإن هذا التفسير يناسب غباوة اليهود وحدهم، أما بالنسبة لنا فالأحقاء الممنطقة تعنى استعداد الذهن للعمل بقوَّة في كل ما هو ممدوح… والسراج يمثل يقظة الذهن والفرح العقلى. (القدِّيس كيرلس الكبير)

يمكننا أيضًا أن نقول أن هذين الأمرين يشيران إلي شركة الجسد مع النفس في الحياة المقدَّسة، فمنطقة الأحقاء تشير إلي الجسد الذي قمعه الرسول، واستعبده لا ليحطمه، وإنما ليربيه بالروح القدس فيحيا مقدَّسا للرب، والسرج المنيرة هي النفس بكل طاقاتها تضيء داخل الجسد ليعيش الإنسان في وحدة وتناسق تحت قيادة الروح لحساب مملكة النور.
إن كان هذان العملان يمارسهما الإنسان بالعمل الروحي، فإن وصيَّة الرب جاءت تعلن الالتزام بالعمل خلال اليقظة والسهر المستمر حتى يأتي السيِّد ويحلّ في الوسط عريسًا للنفس، إذ يقول: “وأنتم مثل أناس ينتظرون سيِّدهم متى يرجع من العرس حتى إذا جاء وقرع يفتحون له للوقت” [36].

يليق بنا أن نتطلع إلى مجيء المسيح الثاني من السماء، فإنه سيأتي في مجد الآب مع الملائكة القدِّيسين… سيأتي المسيح كما من وليمة، لهذا يظهر بوضوح أن الله سكن كما في أعياد (عرس)، الأمر الذي يليق به. فإنه لا يوجد حزن قط في الأعالي، إذ لا يوجد قط شيء يحزن الطبيعة التي فوق الأهواء والتي لا تتأثر بها قط. (القدِّيس كيرلس الكبير)

عندما صعد ربَّنا إلي السماوات ذهب إلي العرس، كعريس التصق بجموع الملائكة السمائيين. (البابا غريغوريوس (الكبير))

إنه يأتي كما من فرحٍ كعريس يطلب عروسه البشريَّة؛ إه يقرع فيفتحون له للوقت [36]. ماذا يعني قرعه علي الباب إلا إصداره الأمر بالقيامة! وفتح الباب للوقت إلا استعدادهم السريع لملاقاته، إذ رقدوا على هذا الرجاء منتظرين يوم العرس الأبدي. يفتح المؤمنون الحقيقيون الباب ليدخل العريس كما في مملكته، ويفتح هو لهم لينعموا بأحضان الآب، أما الأشرار فيقومون لكن كما في موتٍ أبديٍ، لا يحملون بهجة القيامة، ولا يتمتعون برؤية الأمجاد الإلهيَّة… وهكذا تبقى أبوابهم مغلقة لا يدخلها العريس، وأبواب العريس الدهريَّة مغلقة لا يقدرون العبور فيها.

يكمل السيِّد المسيح حديثه، قائلاً: “الحق أقول لكم أنه يتمنطق ويتكئهم، ويتقدَّم ويخدمهم” [37].

يا للعجب العريس يتمنطق مكرمًا عروسه التي يتكئها، ويقوم فيخدمها بنفسه. إنه يخدم الذين سبقوا فتمنطقوا في العالم وقاموا يخدمون الآخرين لحساب العريس السماوي فتأهلوا لأن يخدمهم هو… يشعل هذا المنظر قلب القدِّيس يوحنا الذهبي الفم، فيقول: [إذ نسمع عن هذه الأمور يليق بنا ألا نهتم بأهل الإيمان وحدهم (غل 6: 10) مهملين الآخرين. أن رأيت أحدًا في ضيق فلا تكن محبًا للاستطلاع فتكثر الأسئلة، بل مادام في ضيق فاحسب هذا فيه كفاية لينعم بعونك. أنه إنسان الله سواء كان وثنيًا أو يهوديًا، حتى أن كان كافرًا فهو محتاج إلي عونك].

إننا ننال مكافأة مشابهة، إذ يتمنطق هو بالنسبة للذين منطقوا أحقاءهم. (القدِّيس كيرلس الكبير)

يمنطق حقويَّة بمعنى أنه يستعد للدينونة. (البابا غريغوريوس (الكبير))

إنه يتمنطق ويتقدَّم للخدمة بعد أن يتكئهم أو يجلسهم [37].
يتكؤهم كمن يلطف من تعبهم، مقدَّمًا أمامهم الملذّات الروحيَّة، ويعد لهم مائدة عطاياه الفاخرة. (القدِّيس كيرلس الكبير)

الاتكاء هنا يعني الراحة من أتعاب كثيرة، والحياة بلا قلق، والتغير لطبيعة الذين يقطنون في النور فتغتنى بكل المشاعر المقدَّسة وتفيض عليها كل العطايا، فيمتلئون فرحًا. فيسوع يتكئهم ليهبهم راحة أبديَّة ويوزع عليهم بركات بلا عدد. (القدِّيس ديونسيوس الأريوباغى)

إذ كشف عن حال القطيع الصغير المترقب مجيء صديقه الفريد وراعيه الواحد وعريسه السماوي، بدأ يؤكد الالتزام بالسهر وترقب هذا المجيء، بقوله:

“وإن أتى في الهزيع الثاني أو أتى في الهزيع الثالث
ووجدهم هكذا فطوبى لأولئك العبيد.
وإنما اعلموا هذا أنه لو عرف رب البيت في أية ساعة يأتي السارق
لسهر ولم يدع بيته يُنقب.
فكونوا أنتم إذًا مستعدين
لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان” [38-40].

يرى الأب ميثوديوس أن السيِّد المسيح قد يأتي في الهزيع الأول عندما يكون الإنسان في طفولته، وربما ينتظرنا حتى الهزيع الثاني، أي عندما نبلغ النضوج (الرجولة) أو في الهزيع الثالث أي في الشيخوخة. إذن لنستعد لملاقاته إن كنا أطفالاً أو كبارًا أو شيوخًا. وقد قدَّم لنا القدِّيس كيرلس الكبير ذات التفسير.

📖 كلمات من نور 🕯 {الرجاء الحيّ}

قال ربّنا يسوع: “كونوا من أناس ينتظرون سيّدهم أن يعود من العرس، حتى إذا جاء وقرع، يفتحون له حالاً”.
(لو ١٢ : ٣٦)

سهرة العرس: غالبًا ما تمتد إلى الفجر. فعلى الخدّام أن يسهروا متيقظين، حتى متى وصل السيّد من العرس يفتحون له الباب حالاً، لو بعد نصف الليل…

السهر المطلوب: أن نسهر على علاقتنا بربّنا يسوع ☝ لتبقى علاقة إيمان حارّ، ومحبة أمينة تغمر قلوبنا، ورجاء حيّ ننتظر بفضله صابرين، منتظرين بفارغ الصبر عودته من العرس ✨ أن نسهر على ضميرنا، كي لا يتسرب إليه الجهل والضبابية والظلام ✨ نسهر على صلاتنا كي لا نغرق بالفتور واللامبالاة ✨ نسهر على علاقتنا باخوتنا، كي لا تسود فيها الأنانية والمصلحة الشخصية، والطمع ووو… بل تبقى كل المساحة للمحبة الاخوية، والخدمة المجّانية…

إذا جاء وقرع: إن السيّد سيأتي، وموعد عودته غير محدّد، لهذا السهر مفروض، والتأهب والجهوزية مطلوبان. توبتنا وموتنا عن أنانيتنا، هما الباب الذي يدخل منه لحاضرنا الزمني، وموتنا الجسدي، هو الباب الذي ندخل منه نحن إلى حاضره الأبدي… على مقدار إيماننا وحبّنا ورجائنا، يكون انتظارنا، وتكون جهوزيتنا، ويكون استعدادنا…

المجد والحمد والتسبيح والشكران، لك أيها الربّ يسوع المسيح. السّاهر الذي لا ينعس ولا ينام.

المجد لك، لأنك وهبتنا روحك 🔥 ليجعل منا أبناء النور وأبناء النهار، لنسهر الليل مشدودين إلى فجر عودتك للقائك بقلوب عطشة ✨وعيون ساهرة ✨ وضمائر يقظة ✨ وإرادة ناشطة نخدمك بالإخوة، بعزيمة لا تفتر ولا تمل…

المجد لك، على الإيمان الذي غمرتنا به لنراك بنوره منذ هذا الدهر، وعلى المحبّة التي تفيضها في قلوبنا، لتحرّرنا من الأنانية وحبّ التملّك والاستمتاع، على حساب الفقراء… وعلى الرجاء الذي يجعلنا نسهر ونصبر منتظرين بفارغ الصبر عودتك وقرعك بابنا، لندخل إلى خدر ملكوتك، لنحمدك ونمجدك ونشكرك، إلى الأبد…

🌸 ♰ 🌸
👈 صلاة القلب ❤

يا ربّي يسوع، املأني من روحك 🔥 لانتظر عودتك، بإيمان حار ✨ وقلب محب ✨ ورجاء ساهر.

يا ربّي يسوع، إجعل قلبي مفتوحًا لحبّك ✨ وضميري مفتوحاً لإنجيلك ✨ وانتظاري مفتوحًا لرجائك.

يا ربّي يسوع، اجعلني بروحك 🔥 من أبناء النور وأبناء النهار…

يا ربّي يسوع أذكر موتانا في ملكوتك. 🕯

وَالمَجْد لِيَسُوعَ الۤمَسِيح… دَائِماً لِيَسُوعَ المَسِيح