كتابُه الذي لم تمضِ ساعات على وجوده بين يديّ، ومُثولي بحضرته، قرأته قبل أن أقرأه، مرجعاً تاريخياً تأريخياً من عنوانه الغريب “أجمل التاريخ كان غداً”! لدولة رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي، يروي فيه قصَّة حياته، ويقع في ما يُضاهي الثمانمئة صفحة.
أن تقرأ سيرة ومسيرة عائلة من الجدّ الطبيب ملحم في زمن العثمانيين، الى العم المحامي النائب أديب، المتفوِّه بالصدحات على منابر الحق وأقواس العدالة، الى الأب المحامي الألمعي نجيب، ووصولاً الى مشروع الطبيب إيلي، الذي غدا محامياً ونائباً وصولاً الى الكرسي الرابع في الدولة اللبنانية، فإنك تقرأ دروساً في العلم والثقافة والسياسة من جبل لبنان مروراً ببلاد العرب ووصولاً الى روسيا، اختصرت العائلة “الفرزلية” فصولاً منها، وهي لا تملِك من الأرزاق سوى العِلم والتربية البيتية والتنشئة الإنسانية المُقدَّسة.
أنا لا أسوِّق لكتاب، لم أقرأ بعد سوى مقدِّمته، التي أسماها المؤلف توطئة، تحت عنوان “الرقص مع الذئاب”، ولست من أحفاد “سيبويه” لأتجرأ على الكتابة في فكر إيلي فرزلي، الذي لا يحتاجني في خدمات الدعاية والتسويق لهذه الرائعة الأدبية والفكرية والسياسية/التاريخية، بل أنا وجدت ضالتي التي طالما بحثت عن تفاصيلها وكتبت عنها: التعايش السُنِّي- الشيعي- المسيحي- الدرزي في البقاع، وفي البقاع الغربي- راشيا تحديداً، وأذكر بالخير دائماً، أنا الذي تجاوزت الرابعة والستين، الرباعي الذي طوَّق الفتنة من جهاتها الأربع منذ منتصف السبعينات في منطقة البقاع: المرحوم الرئيس سليمان فرنجية، المرحوم الشيخ قاسم القرعاوي، المرحوم العماد اسكندر غانم، وأطال الله بعمره إيلي فرزلي، الذي بدأ حياته كمحامٍ متدرِّج من زحله، ليغدو “قاضي صلح” من بلدة الى بلدة ومن بيتٍ الى بيت، حتى بلوغ حافة الشهادة الجسدية في “إنفجار زحلة” كي تبقى الناس في أرضها ومنازلها، وفي الكنيسة والمسجد والخلوة!
مقالتي المتواضعة هذه، شئت فيها فقط، الوقوف على عتاب هذا الكتاب/ المرجع، لأقرأ ويقرأ معي مَن يرغب، مُعاناة من يمتلك طينة وفكر وتربية إيلي فرزلي، وجلجلة المُعاناة التي يعيشها أبناء المدرسة الإنسانية الجامعة الحاضنة، عندما يُكتَب عليهم أباً عن جد، العمل في السياسة اللبنانية، وأقرأ أمام الله وأمام مَن يؤمنون بالله وبالمواطَنة، سبب تسمية إيلي فرزلي لكتابه: “أجمل التاريخ كان غداً”، واختياره تسمية المقدِّمة/ التوطئة: “الرقص مع الذئاب”.
1) يقول في أصل تسمية الكتاب: “عندما اخترتُ مقطعاً لشاعر لبنان الكبير سعيد عقل، رحمه الله، “أجمل التاريخ كان غداً” عنواناً لكتابي هذا، قصدتُ إظهار الأفق المستقبلي لتاريخٍ مضى وبقي مثلوماً، ومُلوثاً بشتى اللوثات الفكرية والثقافية الهجينة، الوافد منها والنابت في تربتها، من خلال التعبير عن أزمة الوجود اللبناني، التي نحنُ جزءٌ منها معنيُّون بمعالجتها، إن لم نكُن قادرين على حلَّها”.
2) ويقول في عنوان التوطئة، “الرقص مع الذئاب”: “إذا كان الشعب هو مُرتكز الوجود، فإن الخلل المُتمادي والمُتفاقم في الحالة اللبنانية، يعود الى علَّة في صيغة الكيان القائم… وأن ما يُسمُّونه “الكيان” ما هو إلَّا مُجمَّع من المكوِّنات الذي يتألَّف – بسبب حصريته التمثيلية وبسبب “شرعيته” بالتوافق أو بالعُرف – من “فئات” غير قابلة للتجانُس..
أكتفي بهذا القدر من قراءتي للأزمة التي يعيشها مَن يُشبه إيلي فرزلي في محاولاته المُضنيَة للتوفيق بين “ملوك الطوائف” في حالات الحرب والسلم على مدى نصف قرن من فنون الرقص مع الذئاب وأقول: علمانية إيلي فرزلي، هو الأرثوذكسي المؤمن، لم تبلُغ الإلحاد، بل ارتقى بمذهبه الى رحاب وطن يُريده لجميع أبنائه، بينما “تديُّن” بعض المذهبيين بلغ حدود الإتجار بالدين، وتقديم الوطن والشعب قرابيناً مظلومة على مذبح الله، وهُم يستخدمون الله، والعياذ بالله، في رقصة شياطين لا يرضى إيلي فرزلي أن يكون فيها سوى “قاضي صُلح” وليس “مايسترو” لرقصات التجديف والكُفر، وستبقى السياسة في فكر وتربية إيلي فرزلي، جمعُ الناس من كل أطيافهم على الخير واالعيش بسلام، والعمل من أجل دولة تحضُنهم ضمن كيان المواطَنَة..