عَ مدار الساعة


لا تخف أيها القطيع الصغير.. لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون 🌸♰🌸


{طيور الملكوت}
🌸 ♰ 🌸
تفسير مُعمَّق من الآباء والقديسين لِ “القطيع الصغير” (لوقا ١٢: ٣٢-٣٤)

القطيع الجديد ومسرة الآب

“لا تخف أيها القطيع الصغير، لأن أباكم قد سّر أن يعطيكم الملكوت” [32].
يا لها من عبارة معزية فإنه يدعو الله “أبانا”، فنطمئن من جهة رعايته واهتمامه وتدابيره لحسابنا. حقًا تبقى الكنيسة على الدوام “القطيع الصغير” لأن كثيرين يُدعون وقليلين ينتخبون. تختفي هذه القلة في العالم، لكنها محصاة في عيني الله، إذ يقول الرب لإيليا الذي ظن أن القطيع قد فني تمامًا: “قد أبقيت في إسرائيل سبعة آلاف كل الركب التي لم تجثُ للبعل، وكل فم لم يقبله” (ا مل 19: 18).
إنه قطيع ليس فقط من جهة العدد، ولكن من جهة الإمكانيات البشريَّة، لا حول له ولا قوَّة زمنيَّة، لكنه موضع سرور الآب، ووارث الملكوت الأبدي! إنه القطيع الصغير في عيني العالم لكنه علي صدر الله يتمتع بنعمته الإِلهيَّة، ويغتصب بالحب ملكوت السماوات!

هذه بالحقيقة هي تعزية روحيَّة، والطريق الذي يقودنا إلي الإيمان الأكيد… بقوله: “لا تخف” يقصد أنه يجب أن يؤمنوا بهذا الأمر المؤكد الذي لا يحمل شكًا وهو أن أباهم السماوي يهب طريق الحياة للذين يحبُّونه. أنه لن يتجاهل خاصته، بل يفتح يده التي تشبع المسكونة بالصلاح…

الذي يهب هذه الأمور العظيمة والثمينة، ويمنح ملكوت السماوات هل يمتنع من جانبه عن أن يترفق بنا؟ أو هل لا يمدنا بالطعام والملبس؟ أي خير أرضي يعادل ملكوت السماوات؟ ماذا يمكن أن يُقارن بما سيمنحه الله من أمور لا يمكن إدراكها ولا أن ينطق بها؟ “ما لم تر عين، ولم تسمع أذن ولم يخطر علي بال إنسان ما أعده الله للذين يحبُّونه” (1 كو 2: 9). عندما تمتدح الغنى الأرضي وتعجب بالسلطان الزمني فإن هذه لا تقارن بالنسبة لما قد أُعد، إذ قيل: “لأن كل جسد كعشب وكل مجد إنسان كزهر عشب” (1 بط 1: 24). فإن كنت تتحدَّث عن الغنى والترف والولائم، فقد قيل: “العالم يمضي وشهوته” (1 يو 2: 17). الأمور الإلهيَّة لا تقارن بما للعالم. فإن كان الله يهب ملكوته لمحبيه أفلا يريد أن يقدَّم لهم طعامًا وثيابًا؟ لقد دعاهم “قطيعًا صغيرًا”، لأننا أقل من جموع الملائكة غير المحصيَّة، التي تفوق في القدرة أمورنا المائتة بما لا يقاس. هذا ما علمنا إيَّاه المخلِّص بنفسه في المثل المذكور في الأناجيل، إذ يقول: “أي إنسان منكم له مئه خروف وأضاع واحدًا منها ألا يترك التسعة والتسعين في البريَّة (علي الجبال) ويذهب من أجل الضال حتى يجده؟ وإذا وجده فالحق أقول لكم يفرح به أكثر من التسعة والتسعين الذين لم يضلوا (لو 15: 4 الخ). لاحظوا إن كان عدد الكائنات العاقلة يمتد إلي عشرة مضروبة في عشرة، فإن القطيع الذي علي الأرض ليس إلا واحدًا من مئة.
مع أنه صغير من جهة الطبيعة والعدد والكرامة أن قورن بطغمات الأرواح العلويَّة التي بلا عدد لكنه بصلاح الآب الذي يفوق كل وصف ويُعطى له نصيب مع الأرواح الفائقة، أقصد ملكوت السماوات. (القدِّيس كيرلس الكبير)

يعني ربَّنا بالقطيع الصغير أولئك الذين يريدون أن يصيروا تلاميذه (القليلي العدد)، أو ليظهر أن القدِّيسين في العالم يبدون صغارًا بسبب مقرهم الإختياري، أو لأنهم يُضمون إلي جموع الملائكة الذين يفوقوننا في كل ما نعتز به بما لا يقارن.
لقب “الصغير” أعطاه ربَّنا لمختاريه بمقارنتهم بالأعداد الضخمة من الأشرار، أو ربَّما من أجل تواضعهم الورع. (الأب ثيؤفلاكتيوس)

انظر أن تنتمي إلي القلة المختارة، ولا تسلك ببرود متمثلاً بتراخي الكثيرين. عش كالقلة حتى تتأهل معهم للتمتع بالله “لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون” (مت 20: 16). (القدِّيس يوحنا كاسيان)

لكل واحد منا قطيع يقوده إلي المراعي الخضراء. (القدِّيس يوحنا الذهبي الفم)

القطيع الجديد والصدقة

إن كان السيِّد المسيح قد دعا قطيعه بالصغير ليُحسب أهلاً لمسرة الآب الذي يهبهم الملكوت، فإنه يليق بهذا القطيع أن يعلن شوقه لهذا الملكوت المجاني بتخليه عن كنوز العالم وتقديمها للفقراء كمن يحفظونها لهم في البيت الجديد أي في السماء. بهذا يقدَّم لنا السيِّد المسيح مفهومًا جديدًا للعطاء أو الصدقة، ألا وهو الكشف عن تفريغ القلب من حب الزمنيات بقصد الشبع السماوي.

“بيعوا مالكم وأعطوا صدقة.
أعملوا لكم أكياسًا لا تفنى، وكنزًا لا ينفذ في السماوات،
حيث لا يقرب سارق، ولا يبلى سوس.
لأنه حيث يكون كنزكم هناك يكون قلبكم أيضًا” [33- 34].

يقول القدِّيس أغسطينوس: [ليت أعماله تعلن صوته] ، بمعنى أن كان المؤمن يتحدَّث عن الملكوت، فليعلن حديثه هذا عمليًا بالعطاء.

ليكن شغفنا نحو الأمور المقبلة ثابتًا، لنخزن الرجاء في الأمور العتيدة ككنزٍ لنا. لنجمع أمامنا لأنفسنا كل هذه الأمور التي بها نتأهل لعطايا الله. (القدِّيس كيرلس الكبير)

الصدقة دواء لكل جرح. لكن الصدقة لا تُمارس بالعطاء المالي وحده، بل بكل ما يمكن للإنسان أن يريح به آخر، فالطبيب يعالج والحكيم يقدَّم مشورة. (القدِّيس يوحنا الذهبي الفم)

قد يسأل أحد: على أي أساس يلزمنا أن نبيع ما لنا؟ هل لأنها أمور ضارة بطبعها؟ أو لأنها تمثل تجربة لنفوسنا؟
نجيب علي ذلك أولا بأن لو كان كل ما في العالم شرِّيرا في ذاته لما حُسبت خليقة الله، لأن خليقة الله صالحة (1تى 4: 4). ثانيًا أن وصيَّة ربَّنا تعلمنا أن ننزع الشر الذي فينا لا أن نقدَّمه للغير، قائلاً “اعطوا صدقة”. (القدِّيس باسيليوس الكبير)

📖 كلمات من نور🕯 {طيور الملكوت}

قال الربّ يسوع: “تأمّلوا الغربان، فهي لا تزرع ولا تحصد، وليس لها مخازن وأهراء، والله يقوتها. فكم أنتم بالحريّ أفضل من الطيور؟”. (لو ١٢ : ٢٤)

الغربان لا تزرع: تحلّق عاليًا تبحث عن طريدة تصطادها لتأكلها…
الإنسان يزرع: ويبقى أكثر من ثلاث أرباع البشر في مستوى الفقر، والربع يتضوّرون من الجوع. بسبب الطمع والفجع والجشع…
الزرع المطلوب: الربّ أرادنا في الخليقة طيورًا لملكوته، نزرع المحبة والسلام، ونتقاسم مواسم الأرض ومنتوجاتها بعدالة حتى لا يبقى جائع ومحتاج.
رسالتنا هي التحليق في أجواء العلم والاختراعات ✨ وكل أنواع الإبداع الفكري والصناعي، وتقنيات التواصل ✨ وفي أجواء الفقراء والمهمشين، والجهلة، والخطئة و و… من أجل أن نُدخل إلى هذه الاجواء جوّ الملكوت السماوي، حاملين على جناحي الرحمة والمحبّة، غلال الروح 🔥 التي وحدها تُشبع جوع المتخمين والجياع، من أغنياء وفقراء. وننفح بنسمته الوجود وننعشه ونعطّر الخليقة بأسرها بعطر طيب المسيح…

أنتم أفضل من الطيور: هناك طيور تَغزي الحقول وتغتصب المواسم والغلال، وثروات الأرض… لا فضل لنا إذا كنّا مثل هذه الطيور.
نكون أفضل، إذا غزَوْنا قلوب الناس لنزرع فيها محبة الله ☝ وإذا غزَونا أذهان البشر وضمائرهم، لنزرع فيها بذور ثقافة الإنجيل 📖 ومفاهيم علم الروح القدس 🔥 وإذا شرّعنا نوافذ الحضارات على نور شمس حضارة المحبة… بذلك ننقّي جوّ المادّة المسموم، بنقاء جوّ المحبة الصافي، ويصبح لنا على العالم فضل، ونكون أمام الله من أهل الفضل والفضيلة.

المجد والحمد والتسبيح والشكران، لك أيها الربّ يسوع المسيح. يا من نزلت من ملكوتك الأزلي، تحمل إلينا على أجنحة الروح، الرحمة والمحبة.
المجد لك، لأنك لا تريدنا أن نكون مثل الغربان نحصد تعب غيرنا، بل أرَدْتنا أن نكون طيورًا نحلّق في أجواء روحك 🔥 نحمل على أجنحته رسائل المودّة والسلام 🕊 وغلال الرحمة والمحبة. وننشد آيات الحمد والمجد والشكر لكَ…

👈 في أي أجواء يحلّق فكري وقلبي، ويدور اهتمامي، أجواء هذا العالم، أم أجواء ملكوت المسيح ❓❓❓

👈 صلاة القلب ❤

يا ربّي يسوع، أحيني بروحك 🔥 واجعلني طائرًا في سرب ملكوتك.
يا ربّي يسوع، قوّني بروحِك لأحمل على أجنحته، رسائل المحبّة والأخوّة والسلام، إلى العالم.
يا ربّي يسوع، هبني روحك القدوس 🔥 ليحصّنني بالقناعة، والرضى، والشكر والكرم، والعطاء.

يا ربّ اذكر جميع الموتى في ملكوتك.🕯
وَالمَجْد لِيَسُوعَ الۤمَسِيح… دَائِماً لِيَسُوعَ المَسِيح