أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


الدولة أمام «فخّ» سلامة


سندات «اليوروبوندز» هي الشغل الشاغل للسلطة. هل تدفع أم لا تدفع؟
(صحيفة الأخبار)

لا قرار لدى الحكومة حتى اليوم. لقاء القمة الذي عقد في بعبدا وتبعه اجتماع الحكومة لم يتوصل إلى أي نتيجة. وحده رياض سلامة سعى إلى إيقاع الجميع بالفخ. يريد أن يستمر بالسياسات التي أوصلت البلد إلى الانهيار، متجنّباً إعادة هيكلة الدين. آخر ألعابه دفع الديون الخارجية والتوافق مع المصارف المحلية على تمديد آجال ديونها مقابل أرباح عالية

لم يُسفر اجتماع بعبدا عن أيّ حلول. لا يزال النقاش على حاله: ندفع استحقاق آذار من الدين أو لا ندفع؟ لكن صورة رئيس جمعية المصارف سليم صفير في اجتماع يضم رئيس الجمهورية ورئيسَي مجلس النواب ومجلس الوزراء، إضافة إلى عدد من الوزراء، تثير الاستغراب. ليس هو صاحب منصب رسمي، بل هو يمثل القطاع الخاص، وتحديداً حملة سندات الدين. هل بهذه الصفة يُشارك؟ إن كان كذلك، فلماذا لم يُدعَ دائنون أجانب إلى اجتماع القصر الجمهوري؟ في الأساس، دور صفير لا يختلف عن دور رياض سلامة. كلاهما يتوليان مهمة إقناع السياسيين بخطورة التخلف عن سداد الدين. كرر الطرفان الأمر نفسه أمس: عدم الدفع يؤدي إلى ضرب المصارف. أما الحل «الفخ» الذي يطرحه سلامة ويوافق عليه أصحاب المصارف، فهو دفع مصرف لبنان للديون التي يحملها دائنون أجانب في استحقاق آذار 2020، المقدرة قيمتها بـ 700 مليون دولار، مقابل استبدال للدين المحمول من المصارف المحلية (تمديد آجال التسديد)، والذي يُقدّر بنحو 500 مليون دولار. بالنسبة إليه، فإن هذا الاستبدال، ذا الكلفة العالية، سيؤدي إلى حماية القطاع من خطر توقّف المصارف المراسلة عن التعامل معه أو تعريض لبنان لمزيد من التخفيض في تصنيفه. تلك الوصفة التي ستدرّ، مجدداً، أرباحاً طائلة على المصارف، لن تؤدي عملياً إلا إلى شراء الوقت، إذ سرعان ما سيتلاشى تأثيرها مع الاستحقاقات المقبلة، حيث ستكون قد ازدادت مخاطر انخفاض مجموع احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية.

مقابل رأي سلامة والمصارف، بدأ يتشكل رأي غالب بين الكتل السياسية. إن كان من مكروه سيصيب القطاع المصرفي فهو سيصيبه عاجلاً أو آجلاً. وبعنى آخر، إن كانت إعادة الهيكلة ستكون حتمية بعد أشهر، فلماذا تبديد موجودات مصرف لبنان اليوم؟ فاقتراح سلامة يعني عملياً إهدار نحو 10 في المئة من موجوداته القابلة للاستخدام، والتي ينبغي الحفاظ على كل «سنت» منها لتأمين استيراد المواد الأساسية، كالقمح والدواء والمحروقات. مع ذلك، فإن خليّة أزمة يفترض أن تُشكّل، مهمتها الأساسية تبدأ منذ اليوم الذي يلي يوم الاستحقاق (9 آذار)، وخاصة أن لأي قرار سيُتخذ تداعياته التي يفترض التحضير لها. لكن التركيز على الدَّين وحده مقلق. الاقتصاد منهار، بالإضافة إلى القطاعَين المالي والنقدي، ولذلك لا حلول بدون البدء بمداواة الاقتصاد، بالتوازي مع شطب جزء من الديون. لكن مع ذلك، فإن «اجتماع القمة» الذي استضافه قصر بعبدا انتهى كما بدأ. لا قرارات حاسمة، بل مزيد من هدر الوقت ريثما تشكل لجنة تقنية، من القطاعين الخاص والعام، تكون مهمتها الاتفاق على الإجراءات التي ستتخذ قبل نهاية شباط، علماً بأن توجّه الحكومة صار شبه محسوم، بعدما طلبت، بشكل رسمي، مساعدة تقنية من صندوق النقد الدولي (إرسال وفد تقني للمساعدة في إعداد خطة اقتصادية ونقدية ومالية شاملة لإنقاذ البلاد من الأزمة). وهو الطلب الذي سرعان ما ردّ عليه المتحدث الرسمي باسم الصندوق غاري رايس، مؤكداً تلقي طلب من السلطات اللبنانية للحصول على الاستشارة والخبرات التقنية. وقال: إننا جاهزون للمساعدة، موضحاً أن «أي قرار بخصوص الديون السيادية يجب أن يؤخذ من السلطات اللبنانية نفسها».

هذا الأمر، تناولته أمس مؤسسة الدراسات البريطانية «كابيتال إيكونوميكس»، إذ أشار باحثوها إلى أنه قد يتعين على حائزي السندات اللبنانية شطب 70 بالمئة من استثماراتهم، وخفض قيمة عملة البلاد للنصف بموجب خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي. وسيلتهم ذلك، بحسب المؤسسة، رؤوس أموال البنوك، إذ ستصل كلفة إعادة رسملتها إلى حوالى 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وقد تفيد مساعدة فنية من صندوق النقد في الحدّ من الضغوط. كما أشارت الدراسة إلى أنه «ستكون هناك حاجة أيضاً إلى تقليص الإنفاق الحكومي بين ثلاثة وأربعة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لمنع تصاعد عبء الديون». وسيتركز التقشّف في كبح الزيادة في رواتب القطاع العام وإصلاح شركة الكهرباء بالبلاد. خلاصة الأمر أن صندوق النقد صار حاضراً بقوة. ومن غير المفهوم أصلاً سبب طلب استشارته، لأن مشورته الدائمة معروفة، ويكررها على مسامع المسؤولين، ويعلنها في تقاريره، وتتركز على التقشف والخصخصة وزيادة الضرائب المباشرة على الاستهلاك وخفض حجم القطاع العام، وأي إجراءات تؤمن استدامة الدين العام.

اقتراح سلامة يعني عملياً إهدار نحو 10 % من الموجودات القابلة للاستخدام

بعد الاجتماع المالي الذي سبق اجتماع الحكومة، قال الوزير غازي وزني، في تصريح، إن الاجتماع تناول استحقاق «اليوروبوند»، والـ«كابيتال كونترول». أضاف: في ما خص استحقاق «اليوروبوند»، هناك خيارات متعددة طرحت، وقد تمّت دراسة كل خيار بعمق، سواء لناحية الدفع أو عدمه، واتُّفق على استمرار البحث في المرحلة المقبلة لاتخاذ القرار المناسب، لأن المسألة مهمة للغاية بالنسبة إلى البلد والمودعين والمصارف، كما للقطاع الاقتصادي وعلاقاتنا الخارجية على حد سواء. أما بالنسبة إلى «الكابيتال كونترول»، فأوضح أنه «تم التوصل الى تفاهم يقضي بأن يصدر تعميم واضح في اليومين المقبلين من قبل مجلس الوزراء لوضع حد للاستنسابية في التعاطي بين المصارف والعملاء، وبما يؤمن حماية للعملاء في الدرجة الأولى، سواء المقترضين منهم أو المودعين».

والنقاش انتقل إلى جلسة مجلس الوزراء، حيث أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن «المطلوب من الجميع العمل بوتيرة سريعة في كل الظروف الاقتصادية والمالية والنقدية والمصرفية الاستثنائية التي نعيشها، والبدء بتنفيذ مضمون البيان الوزاري لجهة إعداد خطة الطوارئ وخطتَي المرحلة الأولى والمرحلة الثانية».

من جهته، طلب رئيس الحكومة من الوزراء «إعداد ملف يتضمن المشاريع الملحّة والضرورية التي يفترض أن تعرض خلال زيارات إلى الخارج أو مع الزوار العرب والأجانب عندما يزورون لبنان، وكذلك مع الجهات المانحة، على أن تكون هذه الملفات جاهزة خلال الأسبوع المقبل».