عَ مدار الساعة


عن دخول المسيح الى الهيكل.. وتسبحة سمعان الشيخ.. (ختان السيّد)



✨🕯️ ⛪🙏
تفسير مُعمَّق من الآباء والقديسين لدخول المسيح الى الهيكل (لوقا ٢: ٢٢-٣٥)

تقديم ذبيحة

يقول القدِّيس كيرلس الكبير:
[وبعد ختان المسيح انتظرت مريم يوم تطهيرها، وعند تمام الأربعين يومًا من الميلاد حملت أورشليم السيِّد المسيح، الله الكلمة، الذي يجلس عن يمين الآب. وهناك مثَّل في الحضرة الإلهيّة على صورة إنسان كما نمثل نحن، وطبقًا للناموس اُعتبِر بكرًا، فقد اعترف الناموس حتى قبل تجسّد الفادي بمركز البكر الممتاز فكان يُعتبر مقدَّسًا ويُكرَّس لله ويقدِّم ذبيحة للعزَّة الإلهيّة. حقًا ما أعظم وأعجب سرّ الخلاص والفداء: “يا لعمق غِنى الله وحكمته وعلمه” (رو 11: 33). إن الذي في حضن الآب، ذلك الابن القدِّوس الذي يشارك الآب في العرش السمائي والذي به خُلقت الأشياء بأسرها، يخضع لما تتطلَّبه الطبيعة البشريّة، ويقدَّم الذبيحة لأبيه الإله العظيم، وهو الذي تعبده الخليقة طُرًا، وتمجّده مع أبيه السماوي كل حين!
وماذا كانت تقدمة المسيح؟ قضى الناموس أن كل بكر يقدِّم ذبيحة هي “زوج يمام أو فرخا حمام”. وما الذي يشير إليه اليمام والحمام؟ تعالوا معي ندرس هذه الإشارة.
إن اليمام أكثر طيور الحقل جلبة وضوضاء، بينما الحمام طائر وديع هادئ. كان الفادي كذلك، فقد أظهر لنا منتهى اللطف والرحمة، وكان أيضًا كيمامة يسير في كل مكان ليملأه عطفًا ورقَّة وبركة وعزاء، فإنَّه مكتوب في سفر نشيد الأناشيد “صوت اليمامة سُمع في أرضنا” (نش 2: 12). فالمسيح اسمعنا كلمة الإنجيل وهي كلمة الخلاص للعالم أجمع.
قُدِّم اليمام والحمام ذبيحة إذن كما أن المسيح الابن مثَل أمام الله الآب في الهيكل، فكنت ترى في موضع واحد الرمز والحقيقة.
قدَّم المسيح نفسه رائحة زكيّة عطرة لكي يقدَّمنا نحن إلى الله الآب، وبذلك محا العداء الذي اُستحكمت حلقاته بين الإنسان والخالق على أثر تعدِّي آدم على شريعة الله العظيم، ونزع سلطان الخطيّة الذي استعبدنا جميعًا، فإنَّنا نحن الذين كنَّا نصرخ في الزمن القديم، كل منَّا ينادي الله قائلاً: “التفت إليّ وارحمني” (مز 25: 16).]

ويقول القدِّيس يعقوب السروجي:
[أُعطيَ الناموس لموسى على الجبل مع أبيه، وأتى ليكمِّل الترتيب الذي علم بأقنومه.
أتى للختان لكي لا يكفُر أحد بتأنُّسِه، وأتى بالذبيحة ليُري أنه ليس غريبًا عنَّا.
تقدَّم باليمام الذي صاغ رمزه!
حملت مريم قابل الكل مع قربانه، ليأتي بالذبيحة لهيكل القدس حسب الناموس. حمل يوسف الفراخ، وجاء من أجل الصبي، ولبيت القدس صعد ليقدِّم كالناموسي.]

ويقول القدِّيس أمبروسيوس:
[هذا هو معنى المكتوب: “إن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدِّوسًا للرب” (خر 13: 12). لقد كانت كلمات الشريعة رمزًا لثمرة بطن العذراء القدِّوس الحقيقي الذي بلا دنس، يؤيِّد ذلك كلمات الملاك: “القدِّوس المولود منك يُدعى ابن الله” (لو 1: 35). فالعذراء لم تحبل بزرعٍ بشريٍ، بل من الروح القدس الذي حلّ فيها وقدّسها. والرب يسوع هو الوحيد الكُلي القداسة بين المولودين من النساء…
ولكن كيف يمكننا أن ندعو كل ذكر قدِّوسًا بينما نلاحظ أن كثيرين منهم كانوا أشرارًا؟! هل كان آخاب قدِّوسًا؟… لكن هذا هو القدِّوس الذي فيه تتحقَّق الأسرار التي رمزت إليها الشريعة، ألا وهو المخلِّص المنتظر الذي به وحده يمكن للكنيسة المقدَّسة البتول أن تلد شعبًا لله برحم مفتوح ولميراث بلا دنس، هذا الذي وحده خرج من أحشاء العذراء.]

إذن إذ قدَّمت العذراء الابن البكر قدِّوسًا للرب، إنما قدَّمت ذاك الذي من أجله جعلت الشريعة كل ذَكَر فاتح رحم قدِّوسًا كرمزٍ له.

تسبحة سمعان الشيخ

تتلخَّص قصَّة سمعان الشيخ كما وردت في التقليد الكنسي في أنه كان أحد الاثنين وسبعين شيخًا من اليهود الذي طلب منهم بطليموس ترجمة التوراة إلى اليونانيّة، والتي سُمِّيت بالترجمة السبعينيّة. قيل أنه أثناء الترجمة أراد أن يستعيض كلمة “عذراء” في نبوَّة إشعياء النبي: “ها العذراء تحبل…” بكلمة “فتاة”، إذ تشكَّك في الأمر، فظهر له ملاك الرب وأكّد له أنه لن يموت حتى يرى مولود العذراء هذا. وبالفعل إذ أُوحى له الروح القدس حمل الطفل يسوع على يديه وانفتح لسانه بالتسبيح، مشتهيًا أن ينطلق من هذا العالم بعد معاينته بالروح خلاص جميع الشعوب والأمم.
قَدَّمت لنا أحداث الميلاد بالحقيقة صورة مفرحة لصداقة ربنا يسوع مع الجميع، فها عذراء فقيرة تحبل وتلد رمزًا للكنيسة التي تنعم بالعذراويّة الروحيّة خلال اتِّحادها بالعريس البتول فتُنجب أولادًا بتوليِّين روحيًا، والعاقر الشيخة تلد، والكاهن الصامت يسبِّح، والجنين في الأحشاء يرتكض وحَنَّة الأرملة تمجِّد الله وسمعان الشيخ البار المتوقِّع تعزيّة إسرائيل يقوده الروح ليحمل صديقه السماوي بين ذراعيه…
اسم “سمعان” يعني “المُستمع” أو “المُطيع” فيشير إلى المؤمنين الطائعين من اليهود الذين طال بهم الزمن مترقِّبين تحقيق النبوَّات، والتمتَّع بذاك الذي هو مشتهى الأمم. وإذ قادهم الروح القدس إلى الهيكل حملوا السيِّد بين أذرعتهم واشتهوا بصدق أن يخرجوا من العالم بعد ما استراحت قلوبهم من جهة خلاص الشعوب وإعلان مجد الله بين الأمم.

إن كانت امرأة قد لمست ملابسه الخارجيّة (هُدب ثوبه) فشُفيت في الحال، فأي نفع ناله سمعان الذي حمله على ذراعيه وتهلَّل بالفرح؟!
إنه يحمل الطفل الآتي ليحرِّر المأسورين ويخلِّصهم من رباطات الجسد. إنه يعلم أنه لا يوجد من يُخرجه من سجن الجسد مع الوعد بالحياة الأبديّة إلا هذا الطفل الذي بين يديه. إليه وجّه الحديث: “الآن يا سيِّد تطلق عبدك حسب قولك بسلام”. لأنه منذ زمان طويل لم أحمل السيِّد المسيح، لم أضمُّه بين ذراعيّ. كنت مسجونًا ولم أستطع أن أفك رباطاتي.
هذه الكلمات لا تخص سمعان وحده، إنما تخص كل البشريّة التي تنتظره…

بالتأكيد أكّد برهانًا وحمل شهادة أن لخدام الله سلامًا وحرِّيَّة وراحة هادئة، فعندما ننسحب من زوابع هذا العالم نبلغ ميناء مدينتنا وأمننا الأبدي، عندما يتحقَّق هذا الموت نبلغ الخلود. (الشهيد كبريانوس)

سمعان انطلق؛ لقد تحرَّر من عبوديّة الجسد. الفخ انكسر والطير انطلق. (القدِّيس غريغوريوس النيسي)

الآن إذ حمله سمعان الكاهن على ذراعيه ليقدَّمه أمام الله أدرك أنه ليس هو الذي يقدَّمه، بل سمعان يُقدِّم لله بواسطته. فالابن لا يقدِّمه العبد لأبيه، إنما بالحري الابن يقدِّم العبد لربِّه… الذي ينطلق لله بسلام إنما يُقدِّم تقدِمة للرب! (القدِّيس مار أفرام السرياني)

حُمل المسيح إذن إلى الهيكل وهو بعد طفل يُحضَن، وما وقع نظر سمعان المغبوط على الطفل يسوع حتى أخذه على ذراعيه، وبارك الله وقال: “الآن تطلق عبدك يا سيِّد حسب قولك بسلام لأن عينيّ قد أبصرت خلاصَك الذي أعددته قدَّام وجه جميع الشعوب، نور إعلان للأمم، ومجدًا لشعبك إسرائيل”. فإنَّ سرّ الفداء كان منذ القدَّم وقبل تكوين العالمين، ولكن لم يُعلن إلا في آخر الزمان فكان نورًا للساكنين في الظلمة، أولئك الذين تملكهم يد الشيطان القويّة “الذين عبدوا المخلوق دون الخالق” (رو 1: 25)، الذين ألّهوا التنِّين مصدر الشرّ والإثم وأطاعوا طغمة الشيَّاطين النجسة وسجدوا لها كما يسجدون للإله الواحد، رغمًا عن كل هذا دعا الله هؤلاء الأقوام إلى نور ابنه الحقيقي، إذ يقول النبي: “أُصفِّر لهم وأجمعهم لأني قد فديتهم ويكثرون كما كثروا، وأزرعهم بين الشعوب فيذكرونني في الأراضي البعيدة” (زك 10: 8). حقًا إن الذين ضلَّوا هم شعب كثير إلا أن الله دعاهم وقبلهم وافتداهم ونالوا كضمان للسلام نعمة التبنِّي بيسوع المسيح.
زُرع الرسل الأطهار بين الشعوب وماذا كانت النتيجة؟ اقترب كل من كان بعيدًا إلى العرش الإلهي، حتى أن بولس الرسول يبعث برسالة إليهم يقول فيها: “الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح” (أف 2: 13). وباقتراب هؤلاء الناس إلى المسيح سيتمجَّدون به كما وعدهم الله الآب.
يقول: “وأقوِّيهم بالرب فيسلكون باسمه” (زك 10: 12)، ويقول المرنِّم المغبوط في هذا الصدد: “يارب بنور وجهك يسلكون، باسمك يبتهجون اليوم كله، وبعد ذلك يرتفعون” (مز 89: 15-16) ويتضرَّع النبي إرميا إلى الرب، فيقول: “يا رب عزِّي وحصْني وملجأي في يوم الضيق. إليك تأتي الأمم من أطراف الأرض ويقولون إنما ورث آباؤنا كذبًا وأباطيل وما لا منفعة فيه” (إر 16: 19).
كان المسيح إذن نورًا ومجدًا لإسرائيل، ومع أن بعض اليهود ضلُّوا الطريق وجهلوا الكتب وأنكروا المسيح، إلا أن قومًا منهم خلصوا وتمجَّدوا بيسوع وكان على رأسهم الرسل المقدَّسون الذين أضاءوا بنورهم مصباح الإنجيل في أقاصي الأرض.
والمسيح مجد إسرائيل أيضًا لأنه يُنسب إليهم حسب الجسد مع أنه “على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد” (رو 9: 5). (القدِّيس كيرلس الكبير)

ويلاحظ في تسبحة سمعان الشيخ الآتي:
أولاً: يعلن عموميّة الخلاص وجامعيّة الكنيسة، فإنَّ كان شعبه إسرائيل الذي تجسّد منه وحلّ في وسطه قد تمجَّد، وقبِل بعض اليهود الإيمان به خاصة الاثنى عشر رسولاً، لكن إسرائيل الجديد ضم من كل الأمم، إذ أعلن انفتاح ذراعيّ الله بالحب العملي على الصليب لأجل كل الأمم، إذ يقول:
“لأن عينيّ قد أبصرتا خلاصك (صليبك)،
الذي أعددته قدَّام وجه جميع الشعوب.
نور إعلان للأمم” [30-32].

هذه النظرة الروحيّة تلقَّفتها الكنيسة بفرح، فقد قيل:
علّق على الشجرة ذاك الذي يجمع الكل فيه.
إذ فقدناه خلال شجرة، فبالشجرة أيضًا أُعلن للجميع، مظهرًا نفسه الارتفاع والطول والعرض والعمق، وكما أخبرنا أحد السالفين أنه أعاد الاتِّحاد بين الشعبين في الله خلال انبساط يديه. فقد كانت هناك يدان إذ وُجد شعبان منتشران إلى أقاصي الأرض، ووُجدت رأس واحدة، إذ يوجد إله واحد. (القدِّيس إيريناؤس)

الصليب هو طريق رباط المسكونة. (القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص)

الصليب هو سُلم يعقوب، هذه الشجرة ذات الأبعاد السماويّة ارتفعت من الأرض إلى السماء، أقامت ذاتها غرسًا أبديًا بين السماء والأرض، لكي ترفع المسكونة… وتضم معًا أنواع مختلفة من الطبيعة البشريّة. (القدِّيس هيبوليتس)

إن كانت الكنيسة في بهجتها بالتسبحة الملائكيّة (المجد لله في الأعالي…) صارت تترنَّم بها كل صباح، فإنَّ في فرحها بهذه التسبحة التي لسمعان الشيخ (الآن يا سيِّد تُطلق عبدك…) صارت تتغنَّى بها في تسبحة نصف الليل كما في تسبحة النوم.

ثانيًا: إذ سمع يوسف والقدِّيسة مريم هذه التسبحة كانا يتعجَّبان، لأنه ما أعلنه لهما الله عند البشارة صار معلنًا لسمعان الكاهن والشيخ بصورة واضحة. وإذ تمتَّعا ببركة سمعان الكاهن، وجَّه هذا الشيخ حديثه للقدِّيسة مريم، قائلاً: “ها إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم” [34].
إن كان الله الآب قد أرسل ابنه لخلاص العالم (يو 3: 16) خلال علامة الصليب ♰ لكن ليس الكل يقبل هذه العلامة ويتجاوب مع محبَّة الله الفائقة، بل يقاوم البعض الصليب ويتعثَّرون فيه. هذا ومن ناحية أخرى فإنَّ سقوط وقيام الكثيرين يشير إلى سقوط ما هو شرّ في حياتنا لقيام ملكوت الله فينا، فعمل السيِّد المسيح أن يهدم الإنسان القديم ليُقيم الإنسان الجديد؛ يقتلع الشوك ليغرس في داخلنا شجرة الحياة.

هذا الفكر من جهة سقوط وقيام كثيرين في إسرائيل، أي سقوط الجاحدين وقيام المؤمنين، وسقوط الشرّ فينا لقيام برّ الله داخلنا قد وضَّح في كتابات الآباء، إذ جاء فيها:
“لأننا رائحة المسيح الزكيّة لله في الذين يخلُصون وفي الذين يهلَكون” (2 كو 2: 15). يقول سواء في الذين يخلُصون أو الذين يهلِكون يستمر الإنجيل في عمله اللائق؛ وكما أن النور وإن كان يحسب عَمَى بالنسبة للضعيف لكنه يبقى نورًا… والعسل في فم المرضى مُرّ لكنه في طبعه حلو؛ هكذا للإنجيل رائحته الزكيّة حتى وإن كان البعض يهلك بسبب عدم إيمانهم به، لأنه ليس هو السبب في هلاكهم إنما ضلالهم هو السبب… بالمخلِّص يسقط ويقوم كثيرون لكنه يبقى هو المخلِّص حتى وإن هلك ربوات… فهو لا يزال مستمرًا في تقديم الشفاء. (القدِّيس يوحنا ذهبي الفم)

هوذا سمعان يتنبَّأ بدوره أن ربَّنا يسوع المسيح قد جاء لسقوط وقيام كثيرين حتى يجازي أعمال الأبرار والأشرار، ويعطي كل واحد حسب أعماله كديّان حقيقي وعادل، إما بالعذاب أو بالحياة. (القدِّيس أمبروسيوس)

في رأيي أن الرب هو لسقوط وقيام الكثيرين (لو 1: 34)، ليس لأن البعض يسقط والبعض الآخر يقوم، إنما يسقط فينا ما هو شرّ ويقيم فينا ما هو أفضل. مجيء الرب محطَّم للشهوات الجسديّة ومقيم لسمات النفس الصالحة، وكما يقول بولس: “حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قوي” (2 كو 12: 10). في الشخص نفسه يوجد ما هو ضعيف وما هو قوي، إذ يكون ضعيفًا في الجسد وقويًا في الروح…

الذي يقوم تسقط خطيَّته وتموت بينما يحيا في البرّ ويقوم، هذا هو ما تمنحه إيَّانا النِعم الخاصة بإيماننا بالمسيح.
ليسقط فينا ما هو شرِّير لكي يجد ما هو أفضل الفرصة ليقوم! فإن لم يسقط الزنا عنَّا لا تقوم الطهارة فينا. وإن لم يتحطَّم فينا ما هو مخالف للعقل لن يبلغ عقلنا إلى الكمال. هذا هو معنى “لسقوط وقيام كثيرين”. (القدِّيس باسيليوس الكبير)

إذن السيِّد المسيح الذي هو حجر الزاويّة المختار الكريم الذي أقامه الآب في صهيون، لكي من يؤمن به لن يخزى (رو 2: 9)، إذ سقط علي غير المؤمن سحقه، وإن سقط غير المؤمن عليه يترضَّض (لو 20: 18). هذا الحجر الكريم يُعلن في صهيوننا الداخليّة، فيحطِّم فينا كل فسادٍ ويسحق كل شرٍ، لكي يقوم بناء الله الداخلي في استقامة وبرّ. إنه الحجر الذي لا يقوم علي أساس خاطئ، لذلك به “يسقط ويقوم كثيرون”!
وحينما نتحدّث عن السيِّد المسيح إنما نتحدّث عنه بكونه “المصلوب” ♰ إذ يكمل سمعان الشيخ حديثه قائلاً: “لعلامة تقاوم”، وكما يقول القدِّيس باسيليوس الكبير: [نفهم بلياقة العلامة في الكتاب المقدَّس أنها الصليب ♰] ويقول القدِّيس كيرلس الكبير: [أما العلامة التي تُقاوم فيقصد بها علامة الصليب ♰، إذ يقول الحكيم بولس: “لكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبًا لليهود ولليونانيِّين جهالة، وأما عندنا نحن المخلَّصين فهي قوّة الله” (1 كو 1: 18)، فترون أن علامة الصليب ♰ عند قوم جهالة وعند آخرين رحمة وحياة.]

مرة أخري يرى القدِّيس باسيليوس الكبير أن العلاقة التي قاومها الهراطقة هي “حقيقة تجسُّد المسيح” فالبعض قالوا:
– أنه جسد سماوي منكرين حقيقة التجسُّد وذلك كالغنوسيِّين،
– البعض قال أنه جسد موجود قبل كل الدهور،
– آخرون قالوا أن المسيح بدأ وجوده من مريم، أي أنكروا لاهوته.

ثالثًا: إن كان السيِّد المسيح الذي جاء لخلاص العالم قد صار موضع مقاومة، فإنَّ القدِّيسة مريم تشارك ابنها الصليب بكونها تمثِّل الكنيسة، التي تحمل صورة عريسها المصلوب المقاوَم. إذ يقول: “وأنتِ أيضًا يجوز في نفسك سيف. لتعلَن أفكار من قلوب كثيرين” [35].
وكما يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [يُراد بالسيف الألم الشديد الذي لحق بمريم وهي ترى مولودها مصلوبًا، ولا تعلم بالكليّة أن ابنها أقوى من الموت، وأنه لابد من قيامته من القبر، ولا عجب أن جهلت العذراء هذه الحقيقة فقد جهلها أيضًا التلاميذ المقدَّسون، فلو لم يضع توما يده في جنب المسيح بعد قيامته، ويجس بآثار المسامير في جسم يسوع لما صدق أن سيِّده قام بعد الموت.]

وجاء في قطع الساعة التاسعة: [عندما نظرت الوالدة الحمل والراعي مخلِّص العالم علي الصليب معلَّقا، قالت وهي باكية: أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص، وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابني وإلهي.]

يقدَّم لنا القدِّيس أمبروسيوس مفهومًا آخر للسيف الذي يجوز في نفس القدِّيسة مريم، ألا وهو “كلمة الله” التي يليق بنا أن نتقبَّلها في أعماقنا كسيفٍ ذي حدين (عب 4: 12)، تفصل الشرّ عن الخير الذي يقوم… [لم يذكر الكتاب ولا التاريخ أن مريم استشهدت، غير أن السيف المادي لا يجوز في الروح بل في الجسد، إنما كلمة الله قويّة وفعّالة وأمضى من كل سيف ذي حدِّين، وخارقة إلى النفس والروح (عب 4: 12).]

رابعًا: ماذا يعني بقوله “لتُعلن أفكار من قلوب كثيرة” [35]؟ إن كان السيف – سواء الألم أو كلمة الله – يجتاز نفس القدِّيسة مريم، فإنَّ هذا يفضح فكر الكثيرين وقلوبهم، مثل الكتبة والفرِّيسيِّين الذين يتظاهروا بحفظ الناموس والغيرة علي الشريعة، فإنَّهم أمام الله مع القدِّيسة مريم تنفضح حقيقتهم الداخليّة، ويظهر رياءهم الباطل.

وَالمَجْد لِيَسُوعَ الۤمَسِيح… دَائِماً لِيَسُوعَ المَسِيح

📖 كلمات من نور 🕯 {خدمة الكاهن}

فجاء (سمعان) بدافع من الروح القدس إلى الهيكل. وعندما دخل بالصبي يسوع أبواه، ليقوما بما تفرضه التوراة في شأنه، حمله سمعان على ذراعيه، وبارك الله وقال: “الآن تطلق عبدك بسلام أيّها السّيّد، بحسب قولك، لأن عينيّ قد ابصرتا خلاصك” (لو٢: ٢٧-٣٠)

  • قدّمه الآب إلى مريم إلهًا، قبلته، وقدمته لسمعان طفلاً.

حمله سمعان بين يديه رضيعًا، وكشف الروح له أنّه إلهٌ وإنسان.

  • قدّم ذاته على الصليب، ذبيحة فداء وغفران، ليقدّمه الكاهن حياةً للنّاس في الكلمة والقربان.
  • ابتهج سمعان عندما رآه بنور عيني الجسد، وبصيرة الإيمان.
    وقال: الآن كل الغنى اقتنيت، الآن المخلّص أبصرت، والخلاص ربحت. الآن شبعت من السنين، الآن حصلت على الحياة.
  • هنيئًا لك أيها الكاهن، لأن الحياة الأبدية بين يديك.
  • امتلئ من روحه 🔥 ليسكن فيك، حتى عندما تعلن كلمته تسمعه أنت قبل غيرك، ويطرب قلبك لسماعك كلامه. وعندما تقدّمه قربانًا، تكون أول من يرتوي من حبّه… وعندما تلتفت حولك وتنظر بعينيك، تراه في كل رضيع، وشاب، وأب وأمّ، ومسنّ، وفقير ومشرّد وخاطئ، وفي كلّ إنسان.

المجد والحمد والتسبيح والشكران، لك أيها الربّ يسوع المسيح. المجد لك، لأنك أنرت سمعان، وملأته من الروح القدس، لكي يراك إلهً وإنسان، وأنت طفل صغير بين يديه. المجد لك، لأنك ما ذلت تقدّم ذاتك لي أنا الكاهن، لأنعم بك☝ وأغتني بغناك، وامتلئ من روحك 🔥 واحيا بك. وأقدمك بخدمتي لكل مؤمن بالكلمة 📖 والأسرار… وشهادة الحياة… مخلّصًا وفاديًا، وقوة روح وحياة… لك كل الحمد والمجد والشكران.

👈 المسيح يقدّم ذاته لي، كاهنًا كنت أو مؤمن، كيف الاقيه، وأتقبله، وأقدمه❓

👈 صلاة القلب ❤

يا ربّ وإلهي يسوع المسيح، املأني من روحك القدوس. 🔥
يا ربّ وإلهي يسوع المسيح، قوّي إيماني لأقبلك بلهفة وعطش وشوق في الكلمة 📖 والأسرار والقربان.
يا ربّ وإلهي يسوع المسيح، أنر عيني بنور عينيك، لأراك وأحبك واخدمك في كلّ إنسان.
يا ربّ وإلهي يسوع المسيح، اغمرني بنعمة كهنوتك، لاخدمك في قلب الكنيسة والعالم، كما يليق بك وتستحق.

👈 نيّة اليوم: نصلّي، من أجل الكهنة الراقدين، ليكونوا في ملكوت السّماوات، متّحدين مع الربّ يسوع المسيح، الكاهن الأزلي، أساس ومرجع خدمة الكهنوت.

عيد دخول المسيح إلى الهيكل

إنّ عيد دخول المسيح إلى الهيكل يُسمى أيضاً عيد اللقاء ، فهو اللقاء بين يسوع وشعبه ، وهو عيد النور أيضاً ، ففي هذا العيد تُعدُّ شموع لتتبارك وفق رتبة طقسية خاصّة .

إلى ما ترمز شمعة دخول المسيح إلى الهيكل ؟
ترمز الشمعة التي تُبارك يوم دخول المسيح إلى الهيكل إلى نور المسيح الذي هو نور العالم (يو 8/ 12)، وننتظر النور ونَحمله كما إنتظره وعاينه وحمله سمعان الشيخ . تُبارك الشموع في هذا العيد وتوّزع على المؤمنين ، دلالة على أن الرب في آلامه المحيّية أرسل أشعة نعمته على اللّذين كانوا جالسين في ظلمة الخطيئة وظلال الموت . ونحن نحمل هذه الشمعة إلى بيوتنا علامة على أنّنا نحمل نور المسيح إلى بيتنا . غالباً ما يكون إستخدامها في أوقات الشدّة وفي حالات المرض والضيقة .

لماذا يكون الشمع عسلياً ؟
يُصنع الشمع من شهد العسل ، والعسل من الطبيعة ولا تدخله اي مادة إصطناعية ، فالنحل يأكل من الطبيعة (والنحلات هي بتولات). كذلك إن الطبيعة البشريّة في المسيح أُخِذت من البتول مريم ، والخادم الذي يوقد الشمع يجب أن يحوي جميع الفضائل .
هذا الرمز الحسيّ يشير إلى “لقاء” الكنيسة بالإيمان ، من هو “نور البشر” وتقبّله بكل حماسة الإيمان ، لتنقل هذا “النور” للعالم .

👈 مباركة الشموع تعود للقرن الأول يوم كانت تستخدم للإنارة في الدياميس المظلمة تحت الأرض. فرأى بها المؤمنون حالا رمزاً المسيح الذي قال عن نفسه: أنا نور العالم من يتبعني لا يمشي في الظلام. (يوحنا : ٨ – ١٢)
أنر بنور بركاتك السماوية هذا الشمع ليكون مستنيراً بقبولنا أياه حتى إذا ما قربناه إليك نصبح مضطرمين بنار محبتك الإلهية .

تُضاء الشموع في الكنائس عندما يُقرأ الإنجيل حتى ولو كان نور الشمس يَملأ المكان، فالإضاءة ليست لتبديد الظلمة فقط وإنّما لإعلان الفرح، إعلانًا وشهادة عن نور الإنجيل. (القدّيس جيروم)