الإصلاح ليس نزهة.. مسؤولية وفرصة للمجتمع اللبناني بكل قواه الحية. (ميشال ابو نجم)
يعيش مؤيدو الرئيس ميشال عون والنهج الإصلاحي التغييري، والقوى السياسية المتمسِّكة بإعادة التوازن، حالةً من الفرح الكبير، وهذا طبيعي بعد 26 عاماً من ضرب القوى الممثِلة للبيئة المسيحية وإقصائها عن الحكم. لكنْ الواجب أيضاً، مصارحة الناس بأنَّ الإصلاح ليس نزهة، وأنّه مسار طويل ستتخلّله مواجهاتٌ كثيرة. سبقَ لرئيس البلاد أنْ حذَّر شبابَه أيامَ النضال والمقاومة بأنَّ معركة تحرّر المجتمع ستكون أصعب بكثير من تحريرِ الوطن.
يحملُ عهد عون أولاً تغييراً استراتيجياً في البيئة المسيحية، قوامه التفاهم بين أبرز قوتين حزبيتين شابتين صاعدتين منظمتين. هذا بحد ذاته مثار قلق للقوى المحلية والإقطاعية الصغيرة، لكنّه في المقابل أيضاً فرصة لمن يودّ من هذه القوى توسيع مقاربته ولا يبقى أسير الانعزال المحلي. إن هذا الحدث بحد ذاته، يعيد تثبيت المواقع المسيحية في الدولة ويمنع وضع اليد عليها كما كان يحصل في السابق. فالموقع المسيحي في الدولة ليسَ مشاعاً ولا تفليسة.
التغيّر الثاني، هو أنَّ محدِّدات عهد عون تتمثّل في مواجهة الفساد البنيوي ووضع ركائز لدولةٍ مفقودة ومجوّفة.
التغيّر الثاني، هو أنَّ محدِّدات عهد عون تتمثّل في مواجهة الفساد البنيوي ووضع ركائز لدولةٍ مفقودة ومجوّفة.
ويسند الرئيس عون في معركته هذه تمثيلُه الشعبي الواسع وحزب صاحب تجربة طويلة في الشارع والنضال ومنذ الـ2005 في الدولة، والحلفاء الجدد، وهذا ما يمنحه نقطة قوة في مقابل قيادات جمعت بين العظمة الوطنية والبعد الإصلاحي، مثل فؤاد شهاب وشارل ديغول. سبق لكريم بقرادوني وكريم مروة أن حددا في حوارات كتاب طانيوس دعيبس «الوطن الصعب والدولة المستحيلة» بأنَّ نقطة الضعف الأبرز في عهد فؤاد شهاب كانت في عدم تأسيسه حزباً يدعم طروحاته ويستكمل تحقيقها في مواجهة «أكلة الجبنة»، الذين لا يقارنون بجشع أمثالهم الحاليين. وفي كتاب « Comprendre le Malheur francais» وهو حوارات مع المفكر الفرنسي مارسيل غوشيه، يرى أنَّ واحدة من نقاط ضعف ديغول التي أدّت إلى فشل مشاريعه التي رمى منها تعزيز المشاركة بعد دروس 1968، تتمثل في أنه رجل «صُنِع في مقابل الأحزاب، لكنه لم يهتم أبداً وجدياً بتنظيم قوة سياسية تجسّد أفكاره، مع أشخاص قادرين على حملها».
نحن إذن أمام مسؤولية كبرى بقدرِ ما هي فرصة. والمسؤولية تتخطى القوى الداعمة لرئيس الجمهورية إلى كلّ المجتمع اللبناني وقواه الحية. الحالة المتمثلة بعون الرئيس لن تتكرر في المدى المنظور، ويجب استغلال اندفاعها أقله لوقف الانهيار الوجودي الحاصل وإعادة التأسيس. والعرقلة الحاصلة، لها جانب التخوف من حجم القوات اللبنانية بعد التفاهم، لكن جانبها الآخر الأعمق وقف الاندفاعة لإعادة تأسيس الدولة. من هنا، فإن حلفاء الرئيس هم كل الإصلاحيين. وهذا يقتضي أيضاً من «التيار الوطني الحر» بكلّ هيئاته أن يكون على قدر المسؤولية والفرصة التاريخية.
صحافي وباحث سياسي