مؤسساتٍ إمبراطورية تعرف لبنان أكثر من الكسالى..
هل يمثّل حسان دياب علناً الإدارة الأميركية.. أم هو لبناني “أُح”
حكومة حزب الله.. بأكثر من ثلث أميركي معطل ( حسين أيوب )
قرر “عبقري ما” في الجمهورية إخراج الطائر النادر من طربوشه السحري، فقدّم للشعب اللبناني حسان دياب، المكلف بصنع وزارة موديل 2020، “الحلّ الأنسب للبنان”. زدْ على ذلك، هُوَ مُجَسَّد الإنتقام و”البديل الناجح” لسعد الحريري. سلاحه عناده. حائط نووي بإمتياز. “هُم”، بِيَدِهِم عصفورٌ استثنائي، جامعي، أكاديمي. ربطة عنق. وجهٌ يُضيّعُ الناظر إليه. لا يعارض الحريري ولا حزب الله. لا يعارض أميركا ولا سوريا ولا إيران ولا السعودية. هو كاره للحريرية والميقاتية ولكل بيت أو شخصية أو دولة أو أمة يمكن أن تصد طموحه، فكيف إذا كان طامحاً بلا حدود؟ “زيحوا من طريقه”، قالها أحد عارفيه في الجامعة الأميركية.
حسان دياب صار إبن ستين سنة، أمضى منها 35 في كنف الجامعة الأميركية في بيروت. صرحٌ يخرج آلاف الطلاب سنوياً، ممن يحتلون، بشهاداتهم، مراكز محترمة في أعرق المؤسسات، خاصة وحكومية، سواء في لبنان، أم في غيره من البلدان. صرحٌ يُركّز على ترويج الفكر الإقتصادي النيوليبرالي. منه، تخرج قادة في الفكر القومي والعربي. أعلام من لبنان وفلسطين ودمشق وبغداد وغيرها من أقطار العرب. أبسط القول أنّ الولايات المتحدة لا تدفع مئات الملايين من الدولارات على شبكة جامعات من دبي إلى القاهرة وإسطنبول وبيروت، بسبب محبّتها فقط لتعميم العلم، أو بسبب شغفها بالشعوب المتخلّفة أو بالثقافات أو لأنها غيورة على البيئة النظيفة والتربية الصالحة وشهادات “الأيزو”.
لا ضرورة لتبني شعار “الشيطان الأكبر”. لكن لا يجوز أن يكون توصيف سياسات الدول العظمى وأدواتها الإقليمية، خجولاً أو رقيقاً أو ناعماً. يكفي أنّ من عادات دولة كالولايات المتحدة دعوة المرشح لرئاسة الجامعة أو نائبه إلى جلسة تحقيق تفصيلية يفصح فيها عن مكنوناته. هذا من حقهم ولمصلحتهم. هم لن يدفعوا عشرات آلاف الدولارات شهرياً لموظف في بيروت من دون أن يضمنوا أنّه سوف ينفّذ المهمات التي سوف تُلقى على عاتقه، أو لنقل “الرسالة” التي من واجبه أن يكون أميناً في توصيلها أو تعميمها. لو شئنا أن “نحزر” ما هي هذه المهمات أو الرسائل، فإننا لن نستصعب الوصول إلى النتيجة المرجحة، وهي “أن ينفّذ ما يُطلب منه”، أما حدود الإجتهاد، فمفتوحة وبحدود مقبولة. رئيس حكومة اللون الواحد، كان حتى الأمس القريب، يستلم راتبه من “مجلس التعليم” (Board of Education) في نيويورك، وغداً سيقال في هذا المجلس، أننا تشرفنا بأن يحتل موظفٌ في جامعتنا أحد أعلى الألقاب في السلطة التنفيذية في لبنان. سينضم إلى لائحة إسمية من كل الجنسيات، يتباهى المجلس نفسه بـ”وصولها”، إلى حيث يجب أن تصل.. يجب ألا ننسى أن من يحمل الجنسية الأميركية وتثبت عليه تهمة العلاقة مع حزب الله في الولايات المتحدة، إنما يكون مخالفاً لـ”قانون الإرهاب”. محاكمته، في هذا الحالة، تصبح إجبارية وحتمية.
***
لم يأتِ حسان دياب إلى هذه الوظيفة، في السراي الكبير، في ساعة ترف أو ليحل مشاكل شعب “مرتاح”. لقد استلم هذه الوظيفة في ظروف ملتبسة، اقتنع فيها “عبقري ما” في “القصر” أو في “الجمهورية” بجدوى انتقائه. لا شكّ أنّهم وجدوا ضالّتهم بهذا الرجل المجهول الذي يعتمد نجاحه على إبقاء إسمه وصورته محاطين بالغموض. إنّها لعبة شطرنج، يظنّ فيها القصر أنّ غريمه غشيمُ فيها. لكن حسان دياب فاجأهم بأنه أقدر منهم، وأصرّ على اختيار وزراء تكنوقراط. فاجأهم بقدرات تعبيرية عالية. أن تكون عنيداً ومتمكناً وقادراً على التعبير، تلك مسألة تستوجب من الآخرين، أن يغاروا منه. حبذا لو كان الحريري، مثلاً، يستطيع أن يستعير قدرات حسان دياب الخطابية.
” لعبة الشطرنج بدأت تتضح، وهي تُنذر بحضور أميركي مباشر في القرار السياسي اللبناني. من يصدق، اليوم، أن حكومة حزب الله الجديدة، يملك الأميركيون فيها ما يتجاوز الثلث المعطل “
ربما كان رئيس الحكومة شديد الذكاء وواضح البصيرة ومتقدّم في التخطيط. فهو دكتور في علم الحواسيب وسيرةُ حياته مدهشة وعادية في آن معاً. والإمكانية الثانية أنّه ربّما ينعم بدعم مؤسساتٍ إمبراطورية تعرف لبنان أكثر من الكسالى الذين يُعشّشون في سلطته و”سياسته” الموحلة. المهمّ أنّه فاجأهم وذكَّرهم أنّ الأسابيع التي أضاعوها في تشكيل الحكومة كانت وقتاً ضائعاً وأنّه إستعمل كامل صلاحياته الدستورية لتأليف “حكومته”، على عكس سعد الحريري وحتى رفيق الحريري في “الزمن السوري”.
***
علينا إذاً أن نُبقي عيوننا مفتوحة، لأنّنا نعرف معنى الوزراء الذين بدأوا حياتهم السياسية في رئاسة الجامعة الأميركية. عندنا، اليوم، نائبة رئيس حكومة، “مدربة” جيداً. هذه قد تتفوق على رئيسها بالعلامات. وهي مثل رئيسها، أو من تحل محله في وزارة الدفاع، أقنعت الجميع، لا سيما فريق الأكثرية النيابية الحالية، أنّها “مِنَّا”، أي “من فريقنا”، كما فعل سلفها المتني من قبلها، وكما يوحي رئيس الحكومة. لقد وُضِع قائد الجيش في خانة المرشحين لرئاسة الجمهورية، وهو المقعد الذي يشوّش عقل جبران باسيل. لذلك، وصل مرشّح الجامعة الأميركية في دبي إلى منصب وزارة الدفاع قبل سنتين، وكانت وظيفته الوحيدة تأزيم العلاقة بين الجيش والقصر الجمهوري. ماذا ستكون وظيفة وزيرة الدفاع الجديدة؟ هل ستستكمل مهمة من سبقها أم أنها ستنظم السير بين بعبدا واليرزة، كما بين “الضاحية” واليرزة؟ وما هي حدود “إلتزاماتها”، لا سيما مع جبران باسيل؟
لعبة الشطرنج بدأت تتضح، وهي تُنذر بحضور أميركي مباشر في القرار السياسي اللبناني. من يصدق، اليوم، أن حكومة حزب الله الجديدة، يملك الأميركيون فيها ما يتجاوز الثلث المعطل. لن يمر قانون أو قرار أو مرسوم أو تعيين يحتاج إلى الثلثين، إلا بموافقة الأميركيين.
– جبران باسيل، بإختياره ناصيف حتي، للخارجية، وزينة عدرا للدفاع، يتصالح مع الأميركيين.
– حزب الله بإختياره عماد حب الله، يتصالح مع الأميركيين،
– حسان دياب، بإختياره دميانوس قطار وطارق مجذوب ومحمد فهمي، يخاطب الأميركيين.
– اللقاء التشاوري (السني) بإختياره طلال حواط الموظف في شركة حمالة أوجه، يتصالح مع الأميركيين.
– طلال ارسلان بإختياره الطبيب رمزي مشرفية يتصالح مع الأميركيين.
– ميشال عون وجبران باسيل بإنزالهما المفاجىء إسم راوول نعمة، وهو المقرب من علاء خواجة، بالباراشوت، إلى أحد المقعدين الكاثوليكيين، يتصالحان مع الأميركيين، وهلمجراً…
هذه بإختصار حكومة فك الإشتباك في لبنان مع الأميركيين. لكأن حزب الله يريد الإلتفات فقط إلى “المعركة الأكبر” في المنطقة حالياً، ولعل العراق يكون ساحتها الوحيدة، أقله في المدى القريب.
هل يمثّل حسان دياب علناً الإدارة والمصالح الأميركية في هذا المنصب؟ أم هو لبناني “أُح”، قادر على إخراج البلد بيدٍ سحرية من مصائبَ، تَعِبَ على تراكمها عباقرةُ الفساد اللبناني منذ ثلاثين سنة؟.
***
أوحى الرجل بخطابه على عتبة ما بعد التأليف أن هناك من يحيي العظام وهي رميم. عادت الروح إلى “إعلان بعبدا” الذي إحترقت لوحته، قبل ثلاث سنوات. كأن حسان دياب يسير على خطى ميشال سليمان وكل من إلتزموا بوصفة “النأي بالنفس” لصاحبها نواف سلام. من نجيب ميقاتي إلى سعد الحريري الأخير، مروراً بتمام سلام.
حسناً، لنتباهى، في هذه الأثناء، أننا جزء من المحيط العربي، ولننأى بأنفسنا عن صراعات الإقليم. لننتظر دعوة رسمية إلى أية دولة من دول الخليج. إنها الوصفة السحرية التي أخرجها “عبقري ما”، “مكيافيلي ما”، من جيبته، وما زلنا غير مصدقين أنها وصفة قابلة للحياة.