تعليق على الإنجيل المُقَدَّس من الطوباويّ غيريك ديغني (حوالى 1080 – 1157)، راهب سِستِرسيانيّ ( لعظة الرابعة في زمن الميلاد )
«أَنا صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة»
“أَنا صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: قَوِّموا طَريقَ الرَّبّ”؛
أيّها الأخوة، يجب بدايةً أن نتمعّن في نعمة الوحدة ونعيم البريّة التي منذ بداية مرحلة الخلاص استحقّت أن تُخصَّص لراحة القدّيسين. حقًّا إنّ صوت القدّيس يوحنّا الصارخ في البريّة قدّس البريّة في أعيننا، تلك البريّة التي بشّر في ربوعها ومنح فيها معموديّة التوبة. لقد احتضنت الصحراء قبله كبارالأنبياء الذين اتّخذوا الوحدة كصديقة وكمساعدة للرُّوح القدس. لكنّ نعمة تقديس تفوق كلّ ما يمكن تصوّره حلّت على البريّة عندما قصدها الرّب يسوع بعد يوحنّا. بدوره وقبل تبشير التائبين، اعتبر الرّب يسوع المسيح أنّه يفترض به أن يعدّ مكانًا لاستقبالهم؛ لذا، توجّه إلى الصحراء لمدّة أربعين يومًا ليكرّس حياةً جديدةً في هذا المكان المتجدِّد… ليس لذاته بل لصالح مَن سيختارالصحراء كمسكن له من بعده. لذا، إن كنتَ قد اخترتَ الصحراء، اصبر فيها وانتظر مَن سينقذك من ضعف نفسِك ومن العاصفة… بطريقة أروع من الجموع التي فتّشت عن الرّب يسوع المسيح في الخلاء (راجع لو 4: 42)، سيشبعك الربّ، أنت الذي تبعته. وفي اللحظة حيث تعتقد أنّه تخلّى عنك منذ زمن بعيد، ستراه من طيبته آتيًا نحوك ليطمئنك وسيقول لك: “قد تَذَكَّرتُ لَكِ مَوَدَّةَ صباكَ مَحَبَّةَ خِطبَتِك لَمَّا كُنتَ تَسيرُ وَرائي في البَرِّيَّة في أَرضٍ لا زَرْعَ بِها” (إر 2: 2). وسوف يصنع الربّ من صحرائك جنّة من الملذّات، وستعلن ما يلي (على غرار النبيّ): “قد أتِيَت مَجدَ لبنان وبَهاءَ الكَرمَلِ والشَّارون (إش 35: 2). عندها، سيرتفع نشيد مديحك من روحك المرتوية: “تمجّد نفسي الربّ في عظمته تجاه البشر فقد روى الروح العطشى وأشبع النفس الجائعة”.
“يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك”
(يوحنا 6: 68)