“الثوار” مُطالبون بالمراجل على مَن أوصل البلاد الى هذه الهاوية (أمين أبوراشد / الثبات)
لا تكمُن قوَّة الرئيس المُكلَّف الدكتور حسان دياب، في قدرته على تشكيل حكومة أخصائيين كما اشترط عند تكليفه، بل في أن يملأ – هو المغمُور – الفراغ الذي كان حكراً على آل الحريري ومَن يدور في فلكِهِم منذ العام 1992، وما حصل بعد 17 تشرين من إيجابيات للحراك، هو في تطبيق سياسة “تفجير الطوائف” من الداخل، مما سَمَح بِفَرض دياب نفسه على نادي رؤساء الحكومات، ليس بقوَّته الشعبية والتمثيلية السُنِّية، بل بضعفهم وسيرَتهم السوداء وتاريخهم الداكن.
“تفجير الطوائف من الداخل”، هي فلسفة سياسية يؤمن بها من المنظور الوطني دولة الرئيس إيلي فرزلي، وشرحها لي باقتضاب عندما زرته في أيار 2018 وتحديداً في نهار الإنتخابات النيابية، ويرى دولته، أن قانون الإنتخاب الحالي غير كافٍ لتحقيق عدالة التمثيل، ومن الضروري خروج الناس، كلٌّ ضمن طائفته، من عباءة الأحزاب التقليدية ونشوء أحزاب رديفة وطنية جامعة متنوِّعة طائفياً تُحرِّر المؤمنين بالوطن من قيود الطائفة والمذهب الى أهداف إنسانية جامعة تتخطى الأديان.
“تفجير الطوائف” حصل في ساحات الحراك، الحراك المطلبي، الذي نفصله عن ما يُسمُّونها “ثورة” والتي عاثت في الأرض فساداً، وفي الإقتصاد انهياراً، وأمعنت في قطع الطرق وتقطيع أوصال المنطقة الواحدة وأوصال الوطن، والتي تُديرها أحزاب باتت معروفة تُنفِّذ أجندات سفارات لقاء مبالغ مالية هائلة، وهدفها واحد: منع الرئيس ميشال عون من الحُكم لأنه حليف المقاومة. وإذا كان صغار الثوار من قُطَّاع الطُرق لا يعرفون تفاصيل المؤامرة ويكتفُون بتقاضي أجورهم، فإن مُشغِّليهم يدرون ماذا يفعلون.
وكما أن المواطنين البسطاء، من أصحاب الحقوق المطلبية، قد قاموا فعلاً بعملية تفجير الطوائف وتحطيم الحواجز في ما بينهم، كذلك جمع “الأخضر الأميركي” الثوار بصرف النظر عن الإنتماء الطائفي، وبالتالي فإن التفجير قد حصل على مستوى القواعد الشعبية ووصل الى رأس الهرم، بحيث أنه بات من غير الممنوع أن تُنجِب الطائفة السُنية، كسواها من الطوائف، طاقات من خارج المنظومة الفاسدة، المُتمثِّلة بالثلاثي الحكومي، المُغتاظ من التفجير الشعبي والسياسي الذي أدخل دياب وسوف يُدخِل سواه مستقبلاً نادي رؤساء الحكومات.
ومع تسجيل الكثير من الفُرقاء السياسيين، باستثناء شركاء الحريري، اللوم لرئيس حكومة تصريف الأعمال على هذا الإستخفاف بالواجب الوطني والوظيفي، بحيث إدَّعى فور عودته أنه يقوم بتصريف الأعمال، ولو من المقاهي والمُنتجعات الفرنسية، فإن جماهير المُتظاهرين كان أولى بها استقباله بلفتة تنديد أمام بيت الوسط بدل أن تُطوِّق المبنى الذي يسكنه دياب، بحيث بدا الأمر وكأن جحا مش قادر غير على خالتو، خاصة أن دياب لم يتخطَّ حتى الآن المُهلة الزمنية التي أعطاها لنفسه في تشكيل الحكومة.
نعم، حكاية جحا وخالتو، طبَّقوها على دياب، سواء من قادة الأحزاب ورؤساء الكتل النيابية الذين يتأرجحون بين حكومة التكنوقراط والتكنو- سياسية، وبين الثوار الغوغائيين الذين لا يطرحون بدائلاً، وجميعهم يُحمِّلون دياب ما لا يُحتمَل، رغم أن الرجل كان واضحاً منذ البداية بأنه لن يرأس سوى حكومة أخصائيين.
وعلى أمل قُرب ولادة هكذا حكومة، فإن أهل السياسة ومعهم “الثوار”، مُطالبون بالمراجل على مَن أوصل البلاد الى هذه الهاوية، و”لِيَحلّوا” عن ظهر دياب وخالتو إذا كانوا صادقين في ضرورة تشكيل حكومة تحمِل بدايات الحلّ..