ناهبو البلاد يهاجموه بشعاراته.. لكن “العالم لا يستطع سحقه ولا أخذ توقيعه” ( شربل عبدالله )
“الجنرال العنيد”، هذا ما قيل عنه على ألسن مؤيّديه كما على ألسن أعدائه، فكان متشبّثاً بمواقفه التي لا يجوز وصفها بما هو أقلّ من : “المحقّة”.
فمن فرنسا التي نفي إليها، لم يفارق الوطن فكره، بل أعلن من هناك بداية حربٍ طويلةٍ ضدّ الفساد المتجذّر في البلاد. وقد ظهرت شراسة هذه الحرب عند عودة الجنرال عون من فرنسا في ٧ أيار ٢٠٠٥ حيث ألقى خطاباً قاسياً، وسط حشد شعبي هائل، أثار الذعر في نفوس أركان الفساد فسارعوا إلى الهجوم المضادّ في محاولةٍ منهم لإسكات الجنرال العنيد وإسقاطه.
تمسّك بالمعارضة ودفع بحزب “التيار الوطني الحر” الذي أسّسه هو نفسه إلى القمّة، فسرعان ما أصبح أكبر حزب مسيحيّ متجاوزاً الأحزاب التقليديّة ودخل بنتيجة الإنتخابات سنة ٢٠٠٥ إلى المجلس النيابي بثاني أكبر كتلة فارضاً نفسه كمكوّن أساسي للوطن.
لاقت مبادراته الإصلاحيّة إستحساناً وإيجابيّةً من قبل جزء مهمّ من الشعب اللبناني، وما انفكّ تكتّل التغيير والإصلاح يقترح قوانيناً لتحصيل حقوق اللبنانيين وتحرير البلاد من ظلمة الفساد، فكانت العرقلة في المرصاد وعمد أعداؤه إلى طريقة جديدة لإسقاطه ، ألا وهي: إعاقة مشاريعه الإصلاحيّة.
استمرّت الحال على هذا المنوال حتى سنة ال ٢٠١٦، ورغم العدد المهمّ من الإصلاحات التي تمكّن العماد عون من تحقيقها في المعارضة، فهو لم يتمكّن من تحرير الدولة إلّا جزئيّاً، وبقي المستبدّون يسرحون ويمرحون مؤمنين الغطاء لفسادهم عبر عرقلة مؤسس التيار الوطني الحرّ في حربه ضدّهم، فأوهموا الرأي العامّ بأنّهم المدافعون الحقيقيّون عن لبنان.
وتمكّنوا فعلاً من إعاقة ملفّ الكهرباء، فحرموا اللبنانيين من التغذية اليومية الكاملة من التيار الكهربائي (٢٤/٢٤)، كما ساهموا في بقاء النازحين السوريين في لبنان مشكّلين عبئاً إقتصاديّاً يفوق قدرة البلاد على التحمّل.
فمن هنا ارتأى العماد عون أنّ عليه الإنتقال من المعارضة إلى السلطة، علّ ذلك يمكّنه من الفوز بمعركته ضدّ الفساد، فبات كالجنديّ المجهول يعمل لمصلحة البلاد ويظهر بعدد محدود من الإطلالات التلفزيونيّة، حتّى راح البعض إلى القول بأنّ “هيبته” قد تلاشت ولم يبقى منه إلّا عجوز مكفوف اليدين، رغم أنّه وصل إلى رئاسة الجمهورية وسط معارضة كافّة أعدائه الذين انتخبوه “وقوفاً”، كما يصف المشهد مناصرو الوطني الحرّ.
ورغم موقعه الرئاسي، لم يتخلّى ناهبو البلاد عن محاولة إيقاعه في شباكهم، فما لبثوا أنّ هاجموه بشعاراته وصرخاته المطالبة بالإصلاح، ملقين عليه مسؤولية تدهور البلاد إثر تراكم الفساد لأكثر من ٣٠ سنة. غير أنّ فخامة الرئيس لم يغمض له جفنٌ منذ انتخابه حتى يومنا هذا، فظلّ متمسّكاً بمحاربة الفساد آخذاً الدعم المعنوي والعملي من كتلته النيابية التي باتت أكبر كتلة في المجلس النيابي إثر إنتخابات ال ٢٠١٨.
مضت حوالي ال ٣ سنوات من عهد العماد عون، تحقّقت خلالها إنجازات جمّة ولكن بقي الفاسدون يتلطّون خلف الخطوط الحمراء التي منحهم إيّاها الشعب النائم منذ أكثر من ٣٠ سنة، فاستمرّوا بسرقة البلاد وتحميل الشعب الديون الناجمة عن سوء ممارستهم للشأن العامً. عمل الرئيس عون على تنقية الدولة من الفساد ملتزماً بمبدأ “العمل أهمّ من الكلام”، حتّى ذهب بعض الجهلاء يتّهمونه بالفساد وبالتغطية عن الفاسدين، غير مدركين لدقّة وصعوبة الحرب التي كان يخوضها “ختيار بعبدا” ضدّ أركان الفساد.
فما كان من هذا الأخير إلّا أن خرج عن صمته وكشف أوراقه للشعب طالباً منهم إسقاط الخطوط الحمراء عن زعمائهم، فزال بذلك عامل الخوف لدى الشعب وانكفّت أيدي الفاسدين عن العرقلة فبرزت عندها إنجازات بالغة الأهمية أطلقت العنان ل “عهد العماد عون” ، فابتدأت بكسر إحتكار البنزين، منها إلى البدء بحفر أول بئر إستكشافية للنفط، فالحدّ من هدر المال العامّ لدعم الجمعيات الوهمية … وما كانت نتيجةً لذلك إلّا إنقلاب أركان الفساد على بعضها محاولةً “تبييض وجهها” أمام اللبنانيين، فيما عمد بعضهم إلى محاولة التملّص من المسؤولية التي باءت بالفشل.
ظهر الرئيس عون بثقة كبيرة، مؤكّداً على استمراره في الدفاع عن حقوق اللبنانيين وفي مكافحة الفساد السامّ الذي أوصل البلاد إلى أزمة إقتصاديّة خانقة، وقد حرص على إبعاد لبنان عن التوتّرات الإقليمية الحديثة، إنطلاقاً من مبادئه القائمة على حماية البلاد والنهوض بها، فنال لقباً جديداً ، ألا وهو : “جبل بعبدا” ، نظراً لصلابته وصموده أمام الفساد الذي استعان بملايين الطرق لإسقاطه وعجز عن ذلك، كما أمام الضغط الدولي الذي حاول الإستفادة من الحراك الشعبي للإطاحة بالرئيس عون نظراً لعناده في قضيّة اللجوء السوري في لبنان.
ولعلّ باستطاعة الرئيس عون أن يكرّر اليوم ما قاله في ٧ أيار، عند عودته من المنفى : “العالم لم يستطع سحقي ولم يأخذ توقيعي”.
هذه مسيرة ميشال عون : انتقل من جنرال الرابية إلى جبل بعبدا، وقضيّته واحدة : مكافحة الفساد.
شربل عبدالله