– متمسكون بالقائد البشير، أقله حافظوا على القليل من ما قاله..
***
تراه يقف عاجزًا، متفاجئ، وربما مبهورًا، وفي لحظة يكون متحسرًا على إرثه الضائع بين طيات الرهانات الخاطئة، والأكيد الأكيد أنه يلوم نفسه على ما ترك ورائه من ورثة…
في أوائل الحرب اللبنانية كانت الأحزاب اللبنانية تُعد على أصابع اليد الواحدة وكان أبرزها حزب الكتائب اللبنانية، التي تفرع منها قائد أساس من حزب القوات اللبنانية، هو بشير الجميل، لن ندخل الآن في ذاك الجدل البيزنطي الذي لا ينتهي حول عمالته أو بطولته أو إرتهانه للخارج أو وطنيته.
حقق بشير الجميل إنجازات سياسية وعسكرية لا تعد ولا تحصى، فهو أخرج من رحم أكبر حزب مسيحي، حزبًا آخر، نافس الكتائب في القوة، ولكن لم يستطع بشير الجميل خلق قائد جامع من بعده ربما لأنه رحل باكرًا، والدليل الأكبر على ذلك أن حزب القوات للحظة هذه يستثمر في كل المحطات صور وأقوال بشير، وحتى إذا عادوا في التاريخ لا يتكلمون سوى عن معارك الشيخ التي فاز بها.
نصل اليوم، وبعد عدة مفارق طرق أجبرت خلالها القوات على الإختيار بين “البور” و “الفلاحة” ولم يكن لها خيار ثالث، وحتى أجبرت القوات على الإنحراف عن قضيتها، وعن أمن المجتمع المسيحي كما تسميه فقط لأجل مكاسب آنية، بدأً من إجتياح الأشرفية يوم سهى عن جعجع فتح التلفاز ومتابعة ما يجري قبل تصريحه الشهير أنذاك الذي سخف به كل التحركات التي جرت، وهل كان بشير ليصرح بنفس ما تفوه به جعجع؟
نعود في الزمن قليلًا الى الوراء قبل هذه الهجمة، يوم جلس العماد عون مع الحكيم بعد خروجه من السجن، وقال له إن تنظيم القاعدة قد كفر الشيعة بصوت أيمن الظواهري، ولا يجب ترك شيعة لبنان وحيدين، يومها تنصل الحكيم من الموضوع لإرتباطه ربما بالموقف الأميركي، فهل كان بشير ليتنصل في الظروف عينها؟
فالنتقدم قليلًا لأن في المرحلة التي تلت قد تقوقعت القوات وعزلت نفسها لفترة من الزمن حيث بقيت خارج الحكومة، لنصل لقانون الإنتخابات الشهير “القانون الأرثوذكسي” الذي أقسمت القوات عليه في بكركي، وفي الليلة الظلماء إنقلبت عليه، ولكن مهلاً ألم يكن حلم بشير أن يأتي بالنواب المسيحيين بأصواتهم؟
نصل الى الزمن القريب حيث القوات أخذت تفاوض على الدخول الى الحكومة الأخيرة بكيدية، أخذت تطالب بستة مقاعد لإلغاء حصة رئيس الجمهورية، وثمة حقيبة سيادية، فوزارة الطاقة ودون أي حقيبة دولة، الى أن حصلت على أربعة حقائب، من حصتها حقائب دولة، هل كان بشير ليفاوض كما فاوض السمير؟ دخلت القوات ووافقت على الموازنة في مجلس الوزراء وثم في الوقت العصيب صوت نواب القوات ضد الموازنة في مجلس النواب، وهل يخفى القمر، أنا أكيد أن بشير الذي يدعون السير على مبدأه كان لديه الجرأة الكافية ليقول في جلسة مجلس الوزراء أنا ضد الموازنة ولم يكن ليوارب في هذا الموضوع.
نصل الى زيارة الجبل التي كانت مقررة لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وكيف ألغيت في ظروف طارئة، هذه الظروف التي تمثلت بسفر وليد جنبلاط الى مصر، وزيارة تيمور جنبلاط الى اللقلوق، وإنشغال كوادر الإشتراكي في عين التينة، فهنا أنا أكيد أن بشير غير متفاجئ، لأنه إعتاد على إنسحابهم التكتيكي من الجبل.
وكالعادة اليوم القوات تدخل في لعبة خطرة، لا يعلم الداخل اليها كيف سيخرج منها وهذا إن خرج، تغلق القوات الطرقات في المناطق المسيحية، وتفصل ثكنات الجيش عن بعضها البعض وتقطع أوصال المنطقة “الشرقية” كما يحلو لهم تسميتها، يبنون حائط مبكى على نفق نهر الكلب في إشارة منهم الى التذكير بحلم جعجع بكانتون مسيحي، وما بات معروف أن هذا الحائط كان لتحسين شروط التفاوض، ولكن طلع “الحيط واطي” ولم يحتمل فسقط، والسؤال الذي يطرح بماذا سيلع الآن سمير جعجع؟ وهل البشير قال بمنطقة مسيحية معزولة؟ أم وقف وقال ١٠٤٥٢ ك٢.
خلاصة القول، تعيروننا بقائدكم البشير، وتهتفون باسمه، وترفعون صوره، أقله حافظوا على القليل من ما قاله، إتبعوا فشخة واحدة من مسيرته، للشيخ بشير أخطأ كثيرة، ولكن أيضًا له حسنات كثيرة، إتعظوا من أخطائه، وأعيدوا أمجاده، وذلك حفاظًا على ما تبيقى…