لقد برهن التاريخ، اقلّه الحديث، ان تركيبة لبنان الطائفية الفريدة والوحيدة من نوعها في العالم تحول دوماً دون حدوث “ثورة مطلبية” بمفهوم الثورات العالمية كالبلشفية او الفرنسية او الكوبية، فغالباً ما تنتهي هذه الثورة الى حرب اهلية او اعادة فرز الطبقة السياسية عينها المشكو منها وذلك لسببين رئيسين :
١- ان معظم الثوار الذين يتدافعون للتعبير عن غضبهم ويأسهم من الحالة الاجتماعية المتردّية وقهر السلطة الحاكمة لهم هم في الاساس مفروزين ومقوقعين في مجتمعاتهم الطائفية واحزابهم السياسية، وما النزول والصريخ في الشارع الا لتنفيس احتقانهم من احزابهم هذه. وباختصار ان ثورات العالم الداخلية، وليس الثورات على الاستعمار او الاحتلال، عادة ما تتم من قبل شعب تربطه ديانة وعقيدة ومجتمع وتقاليد واحدة دون ان يكون له اي امتداد ديني في الخارج.
٢- من المستحيل ان تجد قيادة واحدة يلتحم بها الثوار على شاكلة لينين وتروتسكي في الثورة الحمراء وكاسترو وغيفارا في الثورة الكوبية مثلاً لتشكل نواة بديلة عن السلطة الحاكمة بعد اسقاطها. بل تجد العديد من الاحزاب الصغيرة والتجمعات واللجان والروابط والنوادي والجمعيات والحركات الفئوية والطائفية التي لا يجمعها اصلاً مخطط ورؤية واحدة وواضحة للمطالب وشكل النظام المطلوب، فتجدهم وعلى اثر اسقاط السلطة بتعب وعرق الثوار، يقفون لمواجهة المجهول لتنقضّ عندها السلطة السياسية من جديد على مفاصل الحكم.
وبالتالي، فانه حكماً وبعد الدعوة لاجراء انتخابات نيابية لاحقة لسقوط السلطة ستعود هذه الاخيرة بشبه كامل عدتها وعديدها الى المشهد السياسي من جديد لأن الثوار عينهم الذين نفّسوا احتقانهم في الشارع سيجدون انفسهم في المجهول وسيعودون الى بر الامان الا وهي الطائفة ويفضلونها على جوعهم وعذابهم وقهرهم ويعيدوا انتخاب الاحزاب السياسية عينها التي ستشكّل حتماً سلطة تنفيذية تشبهها.
وتبقى “العترة” على القلة من الناس اللاطائفيين في هذه الثورة الذين آمنوا فعلاً بالدفاع عن لقمة العيش وحلم الدولة المدنية الخالية من الغرائز الطائفية التي لا تبني دولة.
ولحين انشاء او استقدام شعب آخر من الدول الاسكندينافية لبناء دولة لبنان، تبقى الفدرالية هي الحل …