أيهم مرعي-
يبدي الجيش التركي والفصائل المقاتلة إلى جانبه استعجالاً في تحقيق تقدم بري واسع على الأرض، بعد موجة قصف شديدة استهدفت مناطق الشريط الحدودي. في المقابل، تؤكد «قسد» قدرتها على الثبات والدفاع عن مواقعها، على رغم أن الساعات الأولى من المعركة أظهرت اكتفاءها باستهداف بعض البلدات التركية
سجّل اليوم الثاني من العدوان التركي على الأراضي السورية في المنطقة الشمالية الشرقية سعياً تركياً واضحاً لتحقيق تقدم بري كبير وسريع. إذ ما إن أنهى الجيش التركي بنك أهداف غاراته الجوية، التي استهدفت مواقع حيوية لـ«قسد» في اليوم الأول، حتى ظهر الاستعجال لانتزاع نصر معنوي، وكسر إرادة المقاتلين الأكراد المخذولين من حلفائهم الأميركيين، وتوجيه صدمة لهم تجبرهم على الانسحاب وترك المواجهة.
ومع توسيع الجيش التركي دائرة الاستهداف الجوي والمدفعي، على امتداد أكثر من 300 كلم، من المالكية وصولاً إلى تل أبيض، وبعمق قرابة 40 كلم باتجاه اللواء 93 في ريف عين عيسى، والذي شهد عدة غارات أوقعت خسائر في صفوف «قسد»، دخلت عدة بلدات ومناطق دائرة القصف التركي كبلدتَي الجوادية ومعبدة القريبتين من أكبر قاعدة لـ«التحالف» في مدينة رميلان في الحسكة، في ما بدا أنه رسالة بعدم وجود خطوط حمر. وفي أعقاب إعلان وزارة الدفاع التركية بدء التوغل البري بعد مضيّ أقلّ من ست ساعات على بدء الاستهداف الجوي والمدفعي، انطلقت محاولات ــــ كما كان متوقعاً ــــ من الشريط الحدودي الذي يربط مدينتَي رأس العين وتل أبيض في ريفي الحسكة والرقة، والذي سيظلّ مسرحاً للمرحلة الأولى من العملية. وشنّ الجيش التركي ومقاتلو فصائل ما يسمّى «الجيش الوطني»، فجر أمس، هجوماً عنيفاً على تل أبيض من محورين: شرقي وغربي، ونجحوا مع ساعات صباح أمس في إحداث خرق من الجهة الشرقية، من خلال السيطرة على عدة قرى صغيرة هي: بئر عاشق، الحاوي، كصاص، المعربلي، تل فندر، واليابسة. وتزامن هجوم الجهة الشرقية مع هجوم مماثل من الجهة الغربية للمدينة على قرى الدروبية والبديع، للضغط على «قسد» من الجهتين، لكن الجهة الأخيرة ظلّت محصّنة من الاختراق. التكتيك ذاته اتبعه الجيش التركي في الهجمات على رأس العين، التي تضاربت فيها الأنباء عن اقتحام مقاتلي «اللواء 2» من «الجيش الوطني» قرية كشتو وأطراف تل حلف في ريف رأس العين الغربي، في وقت سُجّل فيه هجوم على علوك وحي الصناعة في الأجزاء الشرقية للمدينة، من دون ثبوت عن سيطرة كاملة على المنطقة.
من جهتها، وعلى عكس المتوقع، اكتفت «قسد» باستهداف عدة مواقع في بلدة أقجة قلعة التركية المقابلة لمدينة تل أبيض، وأوقعت خسائر في صفوف المدنيين، على رغم تأكيدها في وقت سابق أنها ستشنّ حرباً شاملة ضد الدولة التركية للدفاع عن مناطقها. كما أعلنت «قسد» إسقاط طائرة مسيّرة للجيش التركي في المالكية، وتدمير أربع آليات، ومقتل خمسة جنود حاولوا التسلّل باتجاه مدينة رأس العين، فضلاً عن القضاء على عدد من خلايا «داعش» بعد محاولتها الهجوم على قرية التويمية في ريف رأس العين، واعتقال آخرين. ورفض مصدر ميداني كردي، في اتصال مع «الأخبار»، التعليق على «الأنباء عن التوغّل البري في الشمال السوري»، مؤكداً أن «قواتنا تملك قدرة عالية على الصمود ومواجهة المحتل»، مبدياً ثقة «بامتلاك المقاتلين خبرة في قتال الشوارع»، والذي اعتبره «سلاحاً مهماً في إطالة أمد الحرب، واستنزاف القوات المهاجمة». في المقابل، قالت مصادر مقرّبة من «الجيش الوطني»، الذراع المحلية الرئيسة لعملية «نبع السلام»، لـ«الأخبار»، إن «العملية العسكرية تسير وفق ما هو مخطط لها»، مضيفة إن «دفاعات قسد تنهار سريعاً»، متوقعة أن «يتم إنجاز المرحلة الأولى بالسيطرة على مدينتَي تل أبيض ورأس العين والطريق الرابط بينهما خلال فترة قصيرة».
على المستوى الإنساني، شهدت مدن الدرباسية والمالكية وعامودا وبعض أحياء القامشلي موجة نزوح باتجاه مدينة الحسكة والمدن والبلدات الغربية في المحافظة، بعد تصعيد عمليات الاستهداف التركي الجوية والمدفعية. وأفاد مصدر في «الإدارة الذاتية» بأن «الاعتداءات التركية تسببت بنزوح أكثر من 150 ألف مدني من مناطق الشريط الحدودي باتجاه المناطق الجنوبية والغربية منه»، مشيراً إلى «تعطيل الدوام المدرسي في كل مناطق الشمال الخاضعة لسيطرة قسد، وتحويل عدد من المدارس إلى مراكز إيواء لاستيعاب موجات النزوح». وحذّر المصدر من «ارتفاع عدد النازحين لأكثر من مليون إذا استمرت همجية العدوان باستهداف التجمعات السكنية الكبرى على الحدود». والجدير ذكره أن العدوان التركي تسبّب منذ بدايته باستشهاد 17 مدنياً، وفق مصادر طبية، في ظلّ غياب أي معلومات موثوقة عن حجم الخسائر البشرية في صفوف العسكريين لدى طرفَي القتال.
-الأخبار-