نقولا ناصيف-
عندما زار بيروت في كانون الثاني 2018، وصف مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب، مارشال بيلنغسلي، حزب الله بأنه «سرطان». في زيارة أمس لم يكن أقل تشدداً، واعتبر أولوية المهمة إفقار الحزب
من المرات النادرة أن يشهد لبنان، في بضعة أشهر، زيارات مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى لأكثر من ملف، يتناوبون على الحضور إليه. بعد وكيل وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية دافيد هيل، في كانون الثاني، ثم وزير الخارجية مارك بومبيو، في آذار، من ثم أكثر من خمس مرات في حركة مكوكية بين بيروت وتل أبيب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بالوكالة، دافيد ساترفيلد، ما بين أيار وتموز، وصولاً إلى خلفه في منصبه بالأصالة، دافيد شنكر، في أيلول، حضر البارحة مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلنغسلي للمرة الثانية بعد كانون الثاني 2018. توسعت الملفات التي حملها هؤلاء، إلا أن الهدف واحد، وهو حزب الله.
في كل من رحلات الزوار الأميركيين تفاوتت قليلاً نبرة مخاطبتهم المسؤولين اللبنانيين بين مرونة ظاهرة، كالتي أبداها هيل وساترفيلد الملمَّين بالوضع اللبناني وصداقاتهما المتشعبة مع القيادات جراء خدمتهما السابقة في بيروت، وبين تشدد فجّ كالذي أفصح عنه بومبيو وشنكر الكثيرَي التصلب. رغم اختلاف الملفات بين كل منهم، أُدرجت زيارة آخر الزائرين، بيلنغسلي، في الطراز الثاني المتشدد، رغم أن ما حمله لم يرتبط مباشرة بسلاح حزب الله، كمهمة بومبيو وهيل، ولا بترسيم الحدود مع إسرائيل، كمهمة ساترفيلد وشنكر. إذ حمل ملفاً ثالثاً هو الأكثر اهتماماً في الوقت الحاضر في الإدارة الأميركية بإزاء علاقاتها بلبنان: فرض مزيد من العقوبات على حزب الله، ومنع انخراطه في النظام المصرفي اللبناني. وهو العنوان الرئيسي الذي أحاط بيلنغسلي مهمته الجديدة، بعدما أولى اهتمامه في زيارته السابقة لبيروت بمكافحة التمويل غير المشروع للعمليات الإرهابية، موجهاً حينذاك – كما الآن – أصابع الاتهام إلى حزب الله مباشرة، ولم يتردد في نعته في الزيارة الأولى بأنه «سرطان».
في بعض ما أدلى به بيلنغسلي في خلاصة اليوم الأول من مقابلاته مع المسؤولين السياسيين والماليين والمصرفيين، رسائل صريحة إلى هؤلاء لإيجاد وسائل تساعدهم على منع حزب الله من التغلغل في النظام المالي اللبناني. لم يتخلّ الرجل، الموصوف بالتشدد والفجاجة، عن تغليف معظم عباراته بصيغ الكراهية تارة والاستخفاف طوراً، عندما يتحدث عن حزب الله وأعضائه بمن فيهم نوابه:
1 – لا حدود للتصعيد الأميركي ضد حزب الله، وسيترافق مع مزيد من الإجراءات المتشددة، مع الأخذ بالاعتبار أن الهدف هو الحزب لا القطاع المصرفي اللبناني. رغم تصفية «جمال تراست بنك»، حرص الزائر الأميركي على تأكيد ثقته بهذا القطاع واحترامه القيود التي فرضها الأميركيون على النظام المالي العالمي في حملة عقوباتهم على إيران وحزب الله.
2 – مع تركيز كلامه على تصفية «جمال تراست بنك»، عزا واحداً من الأسباب التي أدت إلى ما عدّه معاقبة المصرف وتالياً تصفيته، إلى تعاونه – رغم العقوبات الأميركية – مع نائب حزب الله أمين شرّي، قبل أن يكرر (ما سبق أن ورد في بيان الخزانة الأميركية الذي أعلن فرض عقوبات على شرّي يوم 9 تموز) أن نائب بيروت «هدّد أشخاصاً في مصارف»، وتحدث عنه بعبارة استخفاف، مع جزمه بالمضي في فرض عقوبات مماثلة لكل مصرف لا يذعن للقوانين المالية الأميركية.
3 – أكد بيلنغسلي أهمية الاستقرارين السياسي والأمني في لبنان، متوقفاً عند «النظام الديموقراطي اللبناني». إلا أنه في معرض الإشادة به، سأل: «كيف يُسمح لحزب الله بالتسلل إليه؟».
4 ـ بإزاء تأكيد ملاحقة حزب الله، حاول بث صورة إيجابية وعلامات اطمئنان إلى كل خطوة تقدم عليها إدارته في هذا النطاق، إذ «تنجم عن دراسة متأنية غير اعتباطية ومدروسة، مقترنة بإثباتات على ضلوع حزب الله في أعمال إرهابية أو تمويلها»، قبل أن يقول إن هدف الحملة هذه الوصول إلى «إفقار الحزب كلياً ونهائياً كي يفقد كل تأثير ونفوذ له ومعنى لوجوده». قال إن خطة الإفقار بدأت مع إيران وحملتها على تخفيف دعمها المالي للحزب، و«الخطة الآن تطاول الحزب بغية تجفيف كل مصادر أمواله كي ينتهي تماماً. يقتضي أن لا يحتفظ بأي نقد في حوزته. بعدئذ لا يعود عقبة»، في إشارة صريحة إلى اعتقاد الأميركيين بأن تجريد الحزب من مصادره المالية يوازي بأهميته تجريده من سلاحه، إلا أن من شأن التجريد الأول أن يقود حتماً إلى التجريد الثاني.
5 – نفى الزائر الأميركي احتمال معاقبة ثلاثة مصارف أصحابها ينتمون إلى الطائفة الشيعية، بأن أجاب بأنه التقى (أمس) اثنين من أصحاب المصارف الثلاثة هذه، واطمأن إلى احترامها القوانين الأميركية والتزامها وامتثالها لها.
6 – في جانب من مراجعة نقدية للسياسة الأميركية حيال إيران وحزب الله، عزا توسّع نفوذهما في المنطقة إلى ما اعتبره «تساهل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما حيالهما، ما عزّز دوريهما في تقويض الاستقرار في المنطقة ونشر الإرهاب وتعزيز نشاطاتهما». إلا أنه أضاف: «ما يتخذ الآن من إجراءات هو لتدارك خطوات عادت بنا إلى الوراء إبان إدارة أوباما».
7 – حرص بيلنغسلي على الطلب من وسائل الإعلام «من أجل مساعدتنا ومساعدة بلدكم»، أن تعمد إلى تعميم قرار أميركي بتخصيص مبالغ تصل إلى 10 ملايين دولار «لكل من يساعد على كشف معلومات من شأنها تفكيك المنظومة المالية لحزب الله»!
-الأخبار-